الفوضى تبتلع عدن، وشبح الاغتيالات يتجول في شوارعها
بين الفوضى التي تضرب قلب المدينة، وجرائم الاغتيالات المستوطنة لأرصفة شوارعها، وبين صراع الفصائل والتنظيمات الإجرامية والإرهابية الذي يرسل أبناءها إلى الموت برحلاتٍ جماعية، تتحول عدن إلى ملاذٍ آمنٍ للخوف، وأرضٍ تحكمها شريعة الغاب. وبات سكانها يتساءلون، إلى أين يأخذنا الغزاة؟ وما الذي جنيناه منهم غير الخراب؟
حسين الجنيد
ستة أشهرٍ مرت على سيطرة تحالف العدوان ومرتزقتهم على عدن، والمدينة تغرق في الفوضى شيئاً فشيئاً، وموجات العنف تضرب أحياءها، ودويّ انفجارات السيارات المفخخة والعبوات الناسفة يطغى على صخب الأسواق وضجيج زحامها، وأنباء الاغتيالات وصلت حدّ الأخبار اليومية.
ومحصلة الأمس فقط كانت خمس عمليات اغتيالٍ شهدتها شوارع عدن، استهدفت عضو المجلس المحلي بالمحافظة محمود السعدي والقيادي الجنوبي محمد الذحل أمام مستشفى الصداقة والعميد سالم عوض الزريطي في شارع الحب بالشيخ عثمان والعميد أحمد الجهوري الردفاني مدير شعبة الاتصال والقيادي في الحراك ثابت هواش واللواء مانع منيع، سبقت هذه العمليات محاولةٌ فاشلةٌ استهدفت موكب محافظي لحج وعدن ومدير أمنها. ولم تكن هذه سلسلة الاغتيالات الوحيدة في المحافظة، بل سبقتها العديد من عمليات الاغتيالات التي بلغت حصيلتها قرابة الـ 90 عملية، ما بين إطلاق رصاصٍ مباشر وسياراتٍ مفخخةٍ وعبواتٍ ناسفة وتعد هذه الإحصائية غير دقيقة، فهناك العديد من الاغتيالات تم التعتيم عليها ولم تتناولها وسائل الإعلام، قد يتساءل البعض أين هي القوى الأمنية؟ وأين هم قوات التحالف؟ وكوكتيل القوات الذين صاروا يزاحمون سكان مدينة عدن لكثرتهم، السودانيين والبحرينيين والكولومبيين والمغاربة والبلاك ووتر، كيف ينفلت الأمن والأمان في مدينة باتت أشبه بالثكنة العسكرية؟ ولكن هذه التساؤلات لن تجد الإجابات الشافية لها، في ظل تخبط قيادة المحافظة الممثلة بنخبة المرتزقة، من شرعوا أبواب المدينة للغزاة، وفي ظل “شرعية هادي وبحاح ” الذين وعلى ما يبدو، قد فقدوا السيطرة على المحافظة حتى وصل الأمر بأحدهم، لدرجة الاختباء في جحرٍ مجهول تحت حراسةٍ مشددة، والأخر لدرجة خشية العودة للمدينة، لإصابته “بفوبيا” الفنادق بعد تفجير مقر إقامته، تاركين التنظيمات الإجرامية والإرهابية يحكمون المحافظة.
ويرى بعض المحللون السياسيون بأن تفشي الفوضى ومسلسلات الاغتيالات وعمليات السلب والنهب التي تشهدها محافظة عدن إنما هو نتاجٌ طبيعيٌ لمدينة يحكمها خليطٌ من الغزاة والمرتزقة والتنظيمات الإجرامية، فهل كان الناس يتوقعون المدينة الفاضلة والفردوس من هكذا خليط؟!. بينما يرى البعض أن عمليات الاغتيالات هذه، ماهي إلا عملية تصفية حساباتٍ تجري بين قطبي التحالف “السعودية والإمارات” وأدواتهما على الأرض في إشارةٍ إلى هادي وبحاح، فكلٍ منهما له أجندته الخاصة، وطموحه في السيطرة عبر الفصائل التي تتبعه. لكن الحقيقة الجلية لمآرب تحالف العدوان الأمريكي الإسرائيلي السعودي من هذا الانفلات الأمني وهذه الفوضى، انما يأتي في سياق تهيأة البيئة الخصبة لانتشار تلك التنظيمات، لتأدية دورها المرحلي وفق المخطط المعد، والمراد منه تقديم النموذج المشوه للإسلام، ليصبح الوجود الأمريكي وحتى الإسرائيلي مقبولاً شعبياً، طالما وهو يحمل بين يديه الخلاص. واستهداف عدن وبقية محافظات الجنوب إنما هو البداية فقط، وسيأتي الدور على بقية المحافظات حين تندرج ضمن جغرافية التحرير المزعوم، وتخضع لسلطة الشرعية المأجورة، فالمراد لهذا المخطط وهذا المشروع أن يشمل اليمن بكلها لتسقط في براثن الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية.
صراع الفصائل وجغرافية النفوذ
ونتيجةً لخليط الفصائل والتنظيمات المستوطنة في محافظة عدن، ينشب الصراع فيما بينها بين الحين والآخر لتثبيت الأقدام على جغرافيا النفوذ تارةً، ولتوسيع رقعة السيطرة لضم مناطقٍ جديدةٍ تارةً أخرى، وتتوزع خارطة النفوذ والتواجد على الأرض كالتالي:
- القيادة الإماراتية: والتي تتواجد في البريقة وتمتد منطقة التواجد الإماراتي حتى فندق القصر الواقع في منطقة أبو حربه والذي كان يعد مقراً لحكومة بحاح إبان التفجير الذي استهدف الفندق، ومعسكر الدفاع الجوي بمنطقة بئر ناصر، إضافةً إلى الانتشار في بعض المناطق كالمعلا وبعض الأحياء المحيطة بالقصر الرئاسي في منطقة التواهي.
- تنظيم القاعدة: والذي يعتبر هو المسيطر الفعلي على معظم مناطق عدن وتشمل جغرافية نفوذهم “المعلا، خور مكسر، التواهي، صيرة، البريقة، دار سعد، المنصورة، الشيخ عثمان. وتفيد المصادر المؤكدة بأن عناصر القاعدة ينتشرون في مديرية دار سعد، والتي تعد معقلها الرئيس وعددٍ من الشواطئ التي تربط مديريات عدن بعضها مع بعض، وتقيم حاجزاً كبيراً على امتداد شواطئ عدن يمنع اختراقه، في محاولة لمنع الأسر والعوائل من التنزّه، وتسهل مراقبتهم وحصر أعدادهم، هذا ولم يكتف التنظيم بالوجود الكثيف، وبشكل علني، في عدن، بل تطورت الأمور حد التدخل في تسيير شئون المناطق الخاضعة تحت سيطرته وإنشاء ما يعرف بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي باتت تؤدي دور الرقيب والمعاقب، وذلك بإحلالها محل الأجهزة المختصة والقضائية، حيث دفع الكثير من سكان عدن حياتهم نتيجة ممارسة التنظيم لهذا الدور.
- تنظيم داعش: ويتمتع تنظيم “داعش” بتواجد كثيف في عدن، لكنه يمارس مهماته ونشاطه بشكل سري وغير معلن. وتعد مديرية الشيخ عثمان المعقل الرئيس للتنظيم. وتتركز أنشطة التنظيم بأعمال التفجيرات والاغتيالات التي تستهدف كبار الضباط الجنوبيين والناشطين والشخصيات المعارضة لسياسية هادي، كالقاضي عباس العقربي ومحافظ عدن الأسبق جعفر محمد سعد وغيره من القيادات التي اشتهرت بمعارضتها لهادي، هذا وتؤكد بعض المصادر المطلعة بأن داعش تدار وتعمل بإشراف حكومي ومرتبطةً ارتباطاً مباشراً بجلال هادي، والذي يوظف التنظيم لتصفية خصوم ومعارضي والده.
- فصائل المقاومة الجنوبية الشعبية: وهذه الفصائل تشمل العديد من الأجنحة منهم مقاتلو حزب الإصلاح، الحراك الجنوبي المسلح، مسلحو القبائل، السلفيين. وتفيد بعض المصادر أن عناصر الإصلاح يتواجدون بكثرة في معسكر صلاح الدين إضافة إلى تواجد العديد من مقاتليهم في مقار الحزب المنتشرة في معظم مديريات المحافظة، ويرى بعض المراقبون بأن المواجهة باتت وشيكةً بين مقاتلي تنظيم داعش ومقاتلي الإصلاح والذين قُدّر عددهم بـ 3500 مقاتل. أما الحراك الجنوبي المسلح، فتنتشر معسكراته في منطقة المنصورة وصلاح الدين ورأس عباس، ويقيم معسكراته التدريبية في منطقة التواهي. فيما يتواجد مقاتلي السلفيين في منطقة الفيوش، وبعض الأجزاء من مديرية دار سعد إلى جوار تنظيم القاعدة.
وحتى هذه اللحظة لم تحدد ساعة الصفر، لتبدأ المواجهة الشاملة بين هذه الفصائل والتنظيمات، ولكن بوادرها باتت تلوح في الأفق، وذلك عقب معركة السيطرة على ميناء المعلا التي دارت رحاها مطلع هذا الأسبوع بين الفصائل الموالية لهادي ومقاتلي تنظيم القاعدة والتي استمرت طوالة اليوم وحتى ساعاتٍ متأخرةٍ من الليل، امتلأت على إثرها شوارع منطقة المعلا بالجثث من الجانبين، إضافة إلى إصابة العشرات من المواطنين الأبرياء الذين راحوا ضحية هذه المواجهات الضارية.
كارثية الوضع وجحيم العيش
ومع تفاقم الأوضاع المتردية والفوضى التي تجتاح المدينة في ظل غياب الأمن وانتشار العصابات الإجرامية والصراع على جغرافية النفوذ، تزداد الأوضاع الإنسانية للمواطنين تعقيداً ومأساوية، فمن تردي الخدمات الصحية إلى نقص المواد الغذائية والمشتقات النفطية التي باتت مجالاً لكسب الثروات من قبل متنفذي هادي واحتكارهم للأسواق السوداء التي تباع فيها المشتقات النفطية والمساعدات الإغاثية التي من المفروض أن تقدم مجانياً للمواطنين، ووصولاً حتى إغلاق جامعة عدن وتعليق الدراسة فيها نتيجةً لإرهاب داعش لطلاب الجامعة وفرض قوانينهم الهمجية التي طالت الطلاب بالجلد والضرب والسجن وحتى الإعدام الميداني، لاقترافهم بعض المحظورات التي تخالف قوانين التنظيم، ووصلت الأمور للحد الذي أصبحت فيه الدراسة في جامعة عدن ضربًا من الشجاعة أو طريقًا إلى الموت.
وهنا ينبغي علينا طرح السؤال الأكثر أهميةً في الوقت الراهن، هل سيقف الجميع أمام هذا المشروع موقف المتفرج؟ أم يستعدون لمواجهة هذا المخطط الساعي لسلبهم اليمن.