سوريا إلى أين..؟!

طه العامري
سقوط سوريا يعني سقوط الأمة هذه ليست نظرية تشأومية بل حقيقة تاريخية، تقول إن سقوط الشام يعني سقوط رافعة أساسية من روافع الأمة وانهيار ضلع أساسي من أضلع الأمة القائمة على رافعتين أو ضلعين هما القاهرة، والشام فإن سقط أحدهما كان على الآخر تحمل مهمة الدفاع عن الأمة حتى ينهض الآخر، لكن إن شاءت الأقدار وسقطت الرافعتان أو سقط الضلعان فأن الأمة تدخل مرحلة تاريخية قطعا لا تبشر بخير.. قدر سوريا تاريخيا أن تكون دولة مواجهة للعدو وربما تميزت سوريا بخصوصية جيوإستراتيجية يجعلها لا تجد نفسها إلا كدولة مقاومة وممانعة، سوريا لا يليق بها مثلا ما يليق بمصر وان حاولت دمشق اقتفاء إثر القاهرة مثلا باتجاه المصالحة مع العدو التاريخي للأمة فأنها قطعا ستفشل كدولة ومجتمع، لأن قدر سوريا التاريخي والجغرافي والجيوسياسي هو أن تكون دولة ممانعة ومقاومة، لأن موقعها الجغرافي مصمم لتلعب دور الممانعة والمقاومة والصمود في وجه كل أعداء الوجود القومي العربي..
جميعنا يدرك أن مهندسي (الربيع العربي) المزعوم صمموا هذا الربيع وهدفهم كان إسقاط الدولة السورية وإخراجها من معادلة الصراع في واحدة من أقذر المؤامرات الاستراتيجية التي صممها أعداء الأمة وأعداء وجودها، مؤامرة للأسف ساهم في إنجاحها وإخراجها بالصورة التي نراها اليوم ونشاهدها ونتابع تداعياتها، النظام العربي الرسمي والنخب العربية والفعاليات الحزبية العربية بما فيها للأسف أيضا نخب قومية تاهت وضلت طريقها وأغرتها( أموال القوى الرجعية العربية) التي كانت ولاتزال بمثابة ( حصان طروادة للصهيونية والقوي الاستعمارية)..!
أن ما يجري في سوريا اليوم ليس مجرد أحداث عابرة تقوم بها ( عناصر من الفلول التابعة للنظام السابق) حسب بعض الفضائيات الناطقة بالعربية التي تنفذ أجندات المشروع الصهيوني الاستعماري الرجعي في استلاب الوعي الجمعي العربي، بل ما يجري في قلب العروبة النابض هو بداية لمخطط تدميري ستطال تداعياته كل الخارطة القومية بما فيها النطاقات الجغرافية للأنظمة الراعية والممولة لمؤامرة استهداف سوريا وإسقاط نظامها القومي الذي واجه حربا كونية لمدة 14 عاما، حربا مجبولة بالحصار والتآمر والاستئنزاف لقدرات الدولة العربية السورية، التي حشدت قوى الاستعمار والعمالة والصهيونية إليها كل إرهابيي العالم الذين ينتمون لـ90 دولة، إرهابيون تلقوا تدريباتهم من قبل أكثر من 36 جهازاً استخبارتياً تتبع دولاً إقليمية ودولية، بل هناك ضباط كبار في هذه الأجهزة شاركوا عمليا وميدانيا في القتال ضد الدولة السورية، وتمويل عربي يفوق الخيال، تمويل لو انفق العرب نصفه أو أقل على تحرير فلسطين لكانت فلسطين تحررت ولو تحمس العرب لتحرير فلسطين كما تحمسوا لإسقاط النظام القومي في دمشق لتحررت فلسطين خلال اقل من عام، ولو تم تسخير الإعلام الناطق بالعربية لكشف جرائم العدو الصهيوني بدلا من (شيطنة النظام القومي في دمشق) خلال عقد ونيف لكان العالم بأسره قد انقلب على الكيان الصهيوني وعرف حقيقة جرائمه ولما كنا بحاجة لتدمير قطاع غزة وإبادة أكثير من 200 الف عربي فلسطيني بين شهيد وجريح وتشريد الملايين حتى يعرف العالم حجم مأساة هذا الشعب الذي هو ضحية ( أنظمة العهر العربية) أكثر من كونه ضحية الاستعمار الصهيوني الاستيطاني..!
أن ما حدث ويحدث في سوريا هو (اللعنة الكبرى) التي ستطال الجميع دون استثناء وسوف تدفع الأمة ثمنه غاليا وخاصة الأنظمة التي رعت ومولت المؤامرة القذرة بحق سوريا ونظامها القومي.. وجميعنا نتابع كيف أن نظام عصابة (الجولاني) بداية وجهت أسلحتها إلى صدور جيرانها في لبنان، ثم اتجهت نحو مواطني محافظات الساحل العربي السوري وتهدد مواطني شمال سوريا وتتحالف ضدهم مع القوات التركية، فيما تركت الصهاينة يعربدون في جنوب سوريا ويحتلون ثلاث محافظات باريافها هي القنيطرة ودرعا والسويدا ويسيطرون على جبل الشيخ الذي من خلاله يسيطر الصهاينة اليوم على دمشق وعمان وبيروت وحتى الطريق الدولية بين دمشق وبغداد وصولا إلى معبر البوكمال على الحدود السورية العراقية..!
عربدة صهيونية لم نسمع من عصابة جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام التي نُصبت لحكم سوريا حتى مجرد بيان إدانة عن هذه العربدة الصهيونية لكنا تابعنا الإرهابي الجولاني وهو يلقى خطابه ويتحدث عن (قومنا وقومهم) ويصف مواطني الجمهورية العربية السورية في محافظات الساحل السوري وكأنهم ينتمون لدولة أخرى، بل ويكذب وتساعده في تسويق أكاذيبه قنوات ناطقة بالعربية رخيصة وخادمة للمشروع الصهيوني..!
قنوات رخيصة مهمتها استلاب الوعي الجمعي العربي والدولي وتضليله عن حقيقة ما يجري واختصار الصورة بطريقة عابرة عنوانها (الفلول) وهي ذات القنوات التي كانت تصف الجيش العربي السوري بـ(مليشيات الأسد) و(شبيحة الأسد) وتصف (الإرهابيين والقتلة بالثوار).
إن سوريا اليوم مخطوفة بيد عصابات إجرامية متعددة الأعراق، عصابات لا تؤمن بدولة ولا تعرف كيفية إدارة الدولة، عصابات تدار من قبل أجهزة خارجية َجهات خارجية تتنافس فيما بينها على نهب خيرات سوريا وتحويل هذه القلعة العربية إلى دولة فاشلة ممزقة والهدف تقسيمها إلى كانتونات عرقية متنافرة ومتناحرة تقاتل بعضها، لكن شرارة الصراع سوف تمتد لكل دول المنطقة.