اخبار دولية وعربيةالعرض في السلايدرتقارير

سقط القناع… عصابات الجولاني تزرع الموت وتنشر الطائفية بين أبناء الشعب السوري

في قلب المأساة السورية، حيث اختلطت الجغرافيا بالدم والتاريخ بالخيانات، تتجلى واحدة من أبشع صور العنف المنهجي، والإبادة الطائفية التي تمارسها عصابات الجولاني في الساحل السوري، في عملية تصفية ممنهجة، تُوظَّف فيها الأيديولوجيا كسلاح، ويُستخدم الرعب كأداة لإعادة تشكيل التركيبة الديموغرافية بما يخدم مشاريع الظلاميين.

في مشاهد هي الأقسى منذ بدأ سنوات الحرب التي مرت على الشعب السوري ظهرت مأساة الطائفية والتوحش لدى الجماعات التكفيرية التي جاءت لتحكم سوريا جلية في فكر الجولاني الذي لم يتمكن إلا وأن يتغلب على فكر الشرع فى امتحان العلويين.

في القرى المسالمة التي جاورت الجبال لقرون، حيث عاش الناس متشابكي المصير رغم اختلافاتهم، جاءت تلك العصابات محملة بكراهية عمياء، تحرق المنازل وتبيد العائلات، غير آبهةٍ إلا بتحقيق هوسها الدموي في اجتثاث “الآخر”، ليست المعارك وحدها ما يكشف وحشيتهم، بل تلك التفاصيل الصغيرة التي ترسم ملامح الجريمة، من المجازر بحق الأطفال والنساء، الاختطاف، إذلال الشيوخ، وتحويل المآذن إلى منابر للتحريض بدلًا من الدعوة.

هذه ليست مجرد موجة عنف في حرب أهلية، بل مشروع استئصال طائفي، يُذكّرنا بمجازر شهدها التاريخ عندما اختلطت النزعة التكفيرية بالوحشية السياسية، وما يزيد الألم هو صمت العالم، الذي يتعامل مع هذه المذابح على أنها “تفاصيل” في حرب طويلة، دون أن يدرك أن السكوت عن الإبادة، هو تواطؤ غير معلن في استمرارها.
وفي هذا السياق، وصف المرصد السوري لحقوق الإنسان ما جرى في الساحل السوري بأنها عمليات “إبادة جماعية ممنهجة” ضد العلويين، في ظل توثيق مقتل أكثر من ألف شخص بينهم مئات المدنيين العلويين.

ذرائع واهية تخفي حقداً دفيناً

تأججت حوادث الإجرام والقتل بعد الإعلان عن تشكيل مجلس عسكري في الساحل السوري، وفقًا لما تروجه وسائل إعلام الجولاني وبعض داعميه الإقليميين، التي نشرت تحركات لأسماء مثل غياث دلّه، المقداد فتيحة، وربما سهيل الحسن وغيرهم، لكن الواقع لم يشهد تصفية أيٍّ منهم، ولا حتى اعتقالهم، أما المشاهد المتداولة، فلا تعكس سوى صور المدنيين، أطفالًا وشيوخًا، وسط اقتحامات عنيفة للمنازل، وإطلاق نار مباشر من مسافة صفر، الأمر الذي يعكس أن هذه الأسماء ما هي إلا حجة لتمرير الممارسات الوحشية للجماعات التكفيرية التي جاء بها الجولاني من كل أصقاع الأرض لتقتل وتستبيح الدم السوري ليتمكن من الانفراد بالسلطة تحت ظل السلاح.

استخدام القتل لإضفاء الشرعية

الجولاني أصبح حاكماً بقوة الأمر الواقع المدجج بالموت الذي لم يمثل الأغلبية يوماً كما تنشر شبكته الإعلامية التي عمل عليها وشركاؤه الاقليميين بشكل جيد للغاية، الرجل الداعشي الذي استفاق الشعب السوري وقد أصبح رئيسهم بمبايعة من المليشيات التكفيرية وشكَّل لجنة للحوار الوطنى تفوق 90% من هيئة تحرير الشام، ثم أخرى لا تختلف عنها لصياغة مسوّدة الإعلان الدستوى، ومن المُرتقب أن يُعيّن مجلسًا تشريعيًّا مؤقّتًا بالروحيّة ذاتها.

أُدير الحوار على عجلٍ لإحراز شرعيّة يعرف أنه يفتقدها بالكامل؛ وما يُؤازره سوى إسناد بعض العواصم الإقليمية لغاياتٍ شتّى، أكان سعى إحداها للتمدُّد واستعادة مجدها البائد، أو رغبة أُخرى فى البحث عن أدوار تتجاوز قدراتها، فضلا على هلعها المكتوم من الفئة الشيعية المُسلَّحة، المهم أن النظام الانتقالي في دمشق صار مُنتدبًا عن قوى أكبر من الدولة، ولا يُعبر عن توازنات الداخل وتطلعاته، كما لا يرى الجالس عند رأسه أنه فى حاجة أصلاً لإرضاء الناس أو طمأنة مخاوفهم.

بين الطموح والواقع الدموي

وصلت التجربة إلى طريق مسدود أسرع مما توقع داعموها، فالجنوب خرج تمامًا عن سيطرتها، وليس لديها أي نفوذ فيه، أما الشرق، فتميل قواه إلى الانفصال أو الفيدرالية، ما يجعل انضمامه للميليشيا أمرًا مستبعدًا، وخاصة مع فشل “الجيش الحر” المدعوم من تركيا في هزيمة الأكراد سابقًا، واستمرار الغموض حول الموقف الأمريكي بشأن البقاء أو الانسحاب، أراد الجولاني السيطرة على سوريا انطلاقًا من إدلب، لكن معظم أراضي البلاد لا تزال خارج قبضته، وتخفي تحت سطحها أزمات قد تفاجئه وتفاجئ داعميه.

أما مأساة الساحل، فقد تم تنفيذها بالكامل تحت غطاء الميليشيا، سواء في التخطيط أو التنفيذ أو التعامل الإعلامي بعدها، المقاتلون أنفسهم وثّقوا الجرائم ونشروا تسجيلاتهم بفخر، لكن قادتهم لم يحاسبوا أيًّا منهم أو يفتحوا تحقيقًا، والأسوأ أن القيادة العليا في التنظيم وفّرت لهم الغطاء السياسي، بمباركة مباشرة من الجولاني وفريقه.

عندما تحدث الجولاني بعد يومين من المجازر، جاء حديثه متأخرًا ومخيبًا، صمته الطويل أوحى بأنه منح مقاتليه الوقت الكافي لإنجاز جرائمهم، وعندما تحدث، وصف ما جرى بأنه “حماية للمدنيين”، رغم الأدلة الواضحة على قتل العزّل وبثّ الرعب، لم يعترف بالجرائم أو يأمر بمحاسبة مرتكبيها، بل ظهر متوترًا وضعيفًا، وكأن الأحداث أفقدته هالته المعتادة.

في خطابه، كشف عن تناقضاته، إذ طالب مقاتليه بالالتزام بأوامر القادة، وكأنه يعترف ضمنيًّا بحالة الانفلات، أو بأن عناصره تصرفوا بعقلية العصابات لا الجيوش، كما أنه تخلى عن خطابه “المدني” المزعوم، وعاد إلى نهج القاعدة و”داعش”، مستخدمًا مصطلحات مثل “الأسرى” بدلًا من “الموقوفين”، ومانحًا مقاتليه غطاءً دينيًا بدلًا من الاحتكام إلى القوانين، قد يكون هذا زلة لسان في لحظة ارتباك، أو اعترافًا ضمنيًا بأنه لا يستطيع السيطرة على أتباعه إلا بالخطاب الطائفي المتشدد، في النهاية، نحن أمام نموذج لحكم يسقط في التناقض مع كل خطوة يخطوها، بين ما يدّعيه وبين ما يمارسه فعليًا على الأرض.
وفي ظل هذا الإجرام الداعشي ضد الأقليات الدينية العلوية والشيعية والدرزية والسنية، تتزايد الدعوات لإعادة النظر في العلاقات مع دمشق، وخاصة مع استمرار التصعيد دون أي خطوات جدية لوقف العنف

مستقبل قاتم تنتظره الأقليات الدينية

بعد المجازر التي ارتكبتها عصابات الجولاني في الساحل السوري، أصبح مصير الأقليات الدينية والطائفية في سوريا أكثر غموضًا وخطورة، هذه الجرائم لم تكن مجرد أحداث معزولة، بل تعكس نمطًا ممنهجًا من الاستهداف الطائفي، يهدف إلى فرض واقع ديموغرافي جديد بالقوة والرعب، الخطر لا يكمن فقط في القتل والتهجير، بل أيضًا في رسالة الترهيب التي تسعى هذه الجماعات إلى ترسيخها، وهي أن لا مكان لمن يختلف معهم دينيًا أو طائفيًا في مستقبل سوريا الذي يحاولون رسمه.

ما حدث في الساحل السوري يعيد إلى الأذهان تجارب مشابهة في مناطق أخرى من العالم، حيث يؤدي الاستئصال الطائفي إلى دوامة طويلة من العنف والانقسامات، ويخلق بيئة من عدم الاستقرار تمنع أي محاولة للتعايش أو المصالحة.

الأقليات في سوريا اليوم تواجه خيارين أحلاهما مر: البقاء تحت تهديد دائم أو الهجرة إلى المجهول، وفي ظل غياب رد دولي فعّال، واستمرار التواطؤ الإقليمي مع تلك الجماعات، فإن مستقبل هذه المكونات المجتمعية يبدو أكثر هشاشة من أي وقت مضى، ما يهدد بتغيير وجه سوريا الاجتماعي والثقافي لعقود قادمة.

هل تحولت سوريا لبؤرة إرهاب

أثبتت الجرائم التي يرتكبها ما يسمى ”الأمن السوري”، المكونة من عناصر مرتبطة بتنظيمات القاعدة، ضد العلويين في اللاذقية وجبلة والمناطق الأخرى التي يقطنها العلويون على احتضان الإدارة السورية الجديدة لآلاف من المتطرفين والإرهابيين القادمين من مختلف دول العالم، ما يجعل سوريا بؤرة إرهاب دولي.
وهذه الجرائم التي يرتكبها النظام السوري الجديد تثبت أن الفكر الداعشي لا يزال سائدًا في سياسة النظام تجاه مكونات الشعب السوري، ويجب دق ناقوس الخطر وحماية الأقليات الأخرى دولياً كالطائفة الشيعية التي بدأت معاناتها منذ اللحظات الأولى لدخول فصائل الجولاني للبلاد وما تلا ذلك من التعدي على الدروز والمسيحيين وغيرهم من الأقليات الدينية في البلاد.


 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com