غير الأردن ومصر .. إلى أين يخطط ترامب لتهجير أبناء غزة؟
شارل أبي نادر
من ضمن إعلانه الصريح بتحديد مصر والأردن من بين الدول العربية لتهجير أبناء غزة، كانت لافتة مؤخرًا إضافته عبارة “مناطق أخرى” أيضًا لهذا التهجير المخطط، من دون تسميتها، تاركًا الأمر مبهمًا أمام كل الأطراف والدول المعنية والتي ستبقى مرتبكة بانتظار تقديم الرئيس الأميركي توضيحاً حول المناطق الأخرى إياها.
هناك عدة احتمالات يحملها كلام الرئيس ترامب: أولاً، كأنه لم يجد هذه المناطق بعد وهو يبحث عنها، وثانيًا كأنه يرميها بشكل غامص بانتظار رد فعل كل من الأردن ومصر، وبناء على رد الفعل هذه، يحدد تلك المناطق الأخرى إذا استطاعت الدولتان الرفض، أو مع قبولها – فرضًا أو قناعة – يغض النظر.
عمليًا، ومن خلال إجراء قراءة موضوعية لهذه المناورة الأميركية، والتي هي فعليًا، مطلب “إسرائيلي” بامتياز، من الصعوبة إرغام مصر والأردن اليوم على استقبال أبناء غزة بعد تهجيرهم قسريًا، طبعًا، ليس لأن للدولتين قدرة على معاكسة الأميركيين، فهذا غير وارد ولا يمكن تصديقه ،إنما، من غير المنطقي أن يذهب ترامب اليوم، وهو في طور تحضير الأرضية العريضة لتوسيع مروحة تطبيع الدول العربية مع كيان الاحتلال، باتجاه خلق مشكلة مع الدولتين السباقتين من بين العرب إلى توقيع معاهدة سلام مع “إسرائيل”، وذلك في الوقت الذي يوجد منطقة أخرى لتنفيذ هذا التهجير، وهي الأقرب جغرافيًا ، وتملك كل مواصفات الأرض المناسبة من النواحي كافة، وهذه المنطقة هي الجنوب السوري.
فما هذه المواصفات المناسبة في بعض مناطق الجنوب السوري، والتي تؤهلها لتكون تلك “المناطق الأخرى” حسب ترامب لتهجير أبناء غزة؟
أولاً: تتجاوز مساحة المنطقة التي احتلتها “إسرائيل” مؤخرًا في الجنوب السوري، والتي تمتد شمال وشرق المنطقة العازلة من الجولان السوري المحتل، الـ ٥٠٠ كلم مربع، وهي كافية لإسكان كل أبناء غزة الذين كانوا يعيشون على مسافة لا تتجاوز الـ ٣٦٠ كلم مربعاً، كما أن هذه المنطقة المحتلة مؤخرًا، قابلة لان تتوسع وبشكل سهل وسريع، حيث لا يوجد أية عوائق لذلك بتاتًا، لا عسكريًا ولا سياسيًا ولا حتى شعبيًا .
ثانيًا: لم يظهر بتاتًا أن هناك قدرة أو رغبة من الإدارة السورية الجديدة، للوقوف بوجه المناورة العدائية “الإسرائيلية”، وهذه الإدارة، مع رضوخها الكامل لاحتلال “الكيان الإسرائيلي” لأراضٍ سورية، بالرغم من وجود قرارات دولية ترعى إدارة تلك المنطقة، هي طبعًا لن تقوى على معارضة تهجير أبناء غزة إلى هذه المنطقة، أولاً لأنها تتناعم بالكامل مع توجيهات الدول التي غطّت ودعمت استيلاءها على الحكم في سورية بسحر ساحر، وثانيًا لأن هذا التهجير سيكون مدعومًا لمصلحة كل ” الراضخين – المقتنعين ” بحوافز مالية سخية. والإدارة السورية الجديدة بأمسّ الحاجة اليوم للدعم المالي السخي.
ثالثًا: بالنسبة للمجتمع الدولي، والذي يدّعي أغلب أطراف اليوم خداعًا، أنهم ضد التهجير القسري لأبناء غزة، سيكونون مع هذا التهجير فعليًا، عندما يصرخ بهم الرئيس ترامب، مهددًا برفع الضرائب على بضائعهم المصدّرة إلى أميركا، أو مهددًا بضم واحدة أو أكثر من هذه الدول إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
بمطلق الأحوال، ورغم وجود إمكانية كبيرة لأن تسلك كل الدول المعنية بهذا الترانسفير التهجيري التعسفي الظالم لأبناء الشعب الفلسطيني، يبقى موقف هذا الشعب هو الفاصل والحاسم في تمرير هذا المشروع أو في إسقاطه … فهل يستسلم الفلسطينيون أمام المؤامرة الأخطر على قضيتهم تحت وطأة الدمار الهائل الذي لحق بغزة، والذي أفقدها بالكامل كل إمكانيات العيش؟ أم يصمدون ويناضلون ويقاتلون باللحم الحي للبقاء على قيد الحياة؟