“خطاب الرفض” الأميركي يقوّض الولايات المتحدة
كتب الخبير الاقتصادي الأميركي ريتشارد وولف Richard Wolff، مقالة نشرت على موقع Asia Times تحدث فيها عن أشكال عدّة من “خطاب الرفض” في الولايات المتحدة الذي يصوّر أميركا بالضحية ويؤكد ضرورة تغيير ذلك.
وأشار الكاتب إلى أنّ هناك خطابًا معتمدًا في الولايات المتحدة اليوم برفض السماح بأن تستمرّ الإساءة من قبل الأجانب الذين “يهدّدون أمننا القومي” (وفق هذا الخطاب). كما أضاف أنّ هذا الخطاب يُلقي باللوم على القيادة السياسية الأميركية السيّئة بسبب عدم وضعها أميركا أولًا وبالتالي جعلها عظيمة مجددًا.
كما ذكر أنّ هناك شكلًا آخر من خطاب الرفض ينظر إلى الأجانب على أنّهم يمارسون الخداع بحق الولايات المتحدة في التجارة والهجرة، إلا أنّه نبّه من أنّ الأشكال المختلفة من هذا الخطاب تخسر فاعليتها.
كذلك تحدث الكاتب عن خطاب رفض رجعي يتمثل بإيماءات ترامب في إطار عظمة الماضي، وذلك من خلال تجديد الإمبريالية الأميركية، حيث أشار إلى أنّ ترامب يهدّد باستعادة قناة باناما، وجعل كندا الولاية الحادية والخمسين الأميركية، والاستيلاء على غرينلاند من الدنمارك، احتمال اجتياح المكسيك. وتابع أن كلّ هؤلاء الأجانب يقال إنّهم يهدّدون “الأمن القومي” ويمارسون الخداع بحق الولايات المتحدة، واصفًا الموضوع بالتوسعية الاستثنائية.
كما أضاف أنّ الاستعمار الأوروبي الجديد والاستعمار الأميركي غير الرسمي للإمبراطورية الأميركية كان عمره أقل من الاستعمار الأوروبي القديم. وأردف أنّ الصين وبقية دول “البريكس” يتواجدون في كلّ مكان بحيث لا يتركون مكانًا للفرار، وأنّ ترامب يصر على رفض هذه الخاتمة من خلال إعادة طرح التوسع الاستعماري لتجنب خاتمة انتهاء الإمبراطورية الأميركية.
وتابع الكاتب أنّ “ما يحصل على هذا الصعيد يشبه فكرة رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو بمحاولة إعادة فتح الباب لـ”إسرائيل” من خلال طرد الفلسطينيين من غزّة”. كذلك قال “إنّ الدعم الأميركي لنتنياهو يجعل الولايات المتحدة طرفًا في العنف الاستعماري في عالم بات في غالبيته الساحقة ملتزم بإنهاء الاستعمار وإرثه غير المرغوب فيه”.
هذا وتحدث الكاتب عن امتلاك الولايات المتحدة المؤسسة العسكرية الأقوى في العالم، وفق قوله، مشيرًا إلى أنّ الخطاب السائد في الولايات المتحدة يصنّف كلّ ما تقوم به هذه المؤسسة بأنّه نابع من ضرورة الدفاع عن النفس ضدّ أعداء أجانب، على حد زعمه. وأردف أنّ ذلك يبرر إنفاق الحكومة على الدفاع أكثر من إنفاقها على المشاكل الاجتماعية القليلة حتّى التي يعترف بها خطاب الرفض.
غير أنّ الكاتب تابع أنّ “الولايات المتحدة خسرت الحروب في كلّ من فيتنام وأفغانستان والعراق وأوكرانيا، وذلك بينما المؤسسات العسكرية لدى هذه الدول لا تعتبر من الأقوى في العالم”. وعليه قال “إنّه تبين أنّ انتشار الأسلحة النووية والتنافس التقني بين القوى النووية غيّر الميزان العسكري حول العالم”.
كما تحدث الكاتب عن انحدار الإمبراطورية الأميركية المرتبط بانحدار النظام الرأسمالي الأميركي، وقال “إنّ العديد من الزعماء الأجانب لديهم محفزات للاستفادة مما ينكره القادة الأميركيون”. وأشار إلى أنّ “أعضاء منظمة “بريكس” وشركائها يشكلون اليوم حوالى نصف عديد سكان العالم ونسبة 41% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. كذلك لفت إلى أنّ إندونيسيا انضمت حديثًا كشريك كامل لـ”بريكس”، ما يعني إضافة عديد سكان هذا البلد الذي يبلغ حوالى 280 مليون نسمة.
أما الدول السبعة الكبرى، فلفت الكاتب إلى أنّها تشكّل حوالى 10% من عديد سكان العالم و30% من ناتجه المحلي الإجمالي. وأضاف أنّ “البيانات الصادرة من صندوق النقد الدولي تفيد بأنّ هناك هوة آخذة بالتوسع خلال الأعوام القليلة الماضية بين نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي للدول السبعة بقيادة الولايات المتحدة من جهة، ومنظمة بريكس بقيادة الصين والهند من جهة أخرى”.
وتابع أنّ “بريكس تحمل أوراقًا أقوى من الدول السبعة، وأن خطاب الرفض يصف هذه التحولات في الاقتصاد العالمي بأنها ناتجة عن النوايا الشريرة لدى أطراف خارجية”، كما أوضح أنه “واستنادًا على هذا الخطاب، يتوجب على الولايات المتحدة رفض هذه النوايا وإحباطها، بينما لا يعطى ذاك الاهتمام إلى الدور الذي تلعبه المشاكل الاجتماعية الأميركية في رسم الاقتصاد العالمي المتغيّر وايضًا الدور الذي يلعبه هذا التغير في رسم المشاكل الاجتماعية الأميركية”.
كذلك أكمل الكاتب أنّ “الاقتصاد العالمي المتغير والانحدار النسبي للدول السبعة الكبرى أبعد الرأسمالية الأميركية عن العولمة النيوليبرالية باتّجاه القومية الاقتصادية”.
هذا وقال الكاتب “إنّ الإستراتيجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية كانت تقوم على احتواء ما يصنّف بالتهديدات الخارجية من خلال الجمع ما بين القوّة الصلبة والناعمة”، واعتبر أنّ المشاكل الاقتصادية الأميركية التي تحاصر نظام أميركا الرأسمالي تقوض نشر القوّة الناعمة.
كما أضاف أنّ “ترحيل ملايين المهاجرين يشير إلى اقتصاد لم يعد قوي وينمو بما فيه الكفاية من أجل استيعابهم بشكل منتج”، منبهًا إلى أنّ “هذا العامل سبق وأن جعل أميركا عظيمة واستعرض هذه العظمة أمام العالم”.
كذلك تابع أنّ “الخطاب الأميركي الذي يتحدث عن “غزاة أجانب” من المهاجرين يواجه بشكوك متزايدة وحتّى بسخرية داخل وخارج الولايات المتحدة”.
وأردف الكاتب أنّ “التفاوت الكبير في الثروة ومستوى الدخل في الولايات المتحدة، وكذلك ما كشف للعالم عن سيطرة أصحاب المليارات على الحكومة (حيث أشار في هذا السياق إلى Elon Musk والمليارات التي قدمها مدراء الشركات لحفل تنصيب ترامب)”، ولفت الى أنّ ذلك يحلّ مكان النظرة إلى الولايات المتحدة على أنها استثنائية في الطبقة الوسطى لديها.