النصرُ الاستراتيجي لليمن ومعركةُ “الكرامة”
تقرير| إبراهيم العنسي:
لخمسة عشر شهرًا كان من النادر أن يمر يوم دون أن تستهدف اليمنُ سُفُناً إسرائيلية أَو أمريكية أَو بريطانية أَو مرتبطة بموانئ فلسطين المحتلّة في البحر الأحمر؛ فقد ظهرت ثنائية القوة في صنعاء وغزة آخر المطاف، وها هي صنعاء تفرض قوتها بمنع تلك السفن في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي حتى وقف العدوان على غزة.
ولمن لا يدرك حقيقة التراجع الأمريكي فَــإنَّ خياراتِ أمريكا في التعاطي مع سيطرة القوات المسلحة اليمنية على حركة السفن في بحارها محدودة للغاية؛ فقد أثبتت الأخيرة أنها قادرة على المضي في تنفيذ تهديداتها وأن واشنطن عاجزة عن تحقيق أي هدف لعملياتها في المنطقة.
ومع هذه الحقيقة أثبت اليمنيون أَيْـضًا أنهم شعب ليس من شيمهم التراجع مهما بلغ مستوى التصعيد وحجم العدوان، طالما ارتبط ذلك بوقف الحرب على قطاع غزة.
هنا تظهَرُ حدودُ القوة في مواجهة الإرادَة، وهكذا قرأ التحليلُ الدولي لقنوات ومحطات ووكالات إخبارية الحالَ في مواجهات اليمن -أمريكا.
خياراتٌ مفتوحة:
هذا المعطى الجديد ما يمكن البناء عليه، فأمام خيار اليمن المفتوح يمكن إدراك ضآلة حركة الأمريكان، حَيثُ يقودون تحالفاً معادياً باسمهم؛ فمع أن ما يتجه الأمريكان إليه محدود الأثر، فيما فُرَصُه قد تراجعت في الميدان، تتحَرّك واشنطن من وقت لآخر لتنشيط مليشيات وفصائل التحالف المنتفعة.
هذا ليس التحَرّك الأول، يمكن استذكار أن سفير الأزمات الأمريكي “ستيفن فاجن” قد عقد لقاءات من قبلُ مع قيادات أحزاب الخارج؛ فجمعت لقاءاته تناقضاتِ الليبراليين مع الإخوانية مع السلفية مع القومية، وحاولت كما فعلت منذ سنوات أن تجمع شتات المليشيات التابعة للرياض وأبو ظبي في بوتقة واحدة، غير أن أجندات القيادات وصراع الأيديولوجيات والمصالح وحسابات الربح والخسارة تظل تعقيدات تنبئ عن مصير محتوم باستحالة أن يجتمع الشتاتُ على شور أَو قول.
قبل أَيَّـام كان اجتماعُ سفير الأزمات الأمريكي “فاجن” مع مرتزِقة الرياض وأبو ظبي؛ طارق صالح، أبو زرعة المحرَّمي، سلطان العرادة وكلها دارت حول اهتمامات الأمريكان وتطلعات كيان العدوّ، وكيف يمكن تحريك تلك المليشيات على الأرض في مواجهة القوات المسلحة اليمنية؛ بذريعة تحرير اليمن من الخطر “الإيراني”، حَيثُ الأسطوانة الأمريكية التي لا تكف عن الكذب.
في تلك الاجتماعات حضرت كما كانت من قبل مصالح قيادات المليشيات، فهناك من اشترط عودة نظام قديم وهناك من اشترط “إذنًا سعوديًّا” للدخول في المعركة وهناك من اشترط لجماعته، ومن يدرك أنه ورقة لعب لكنه يشترط لنفسه مكاسبَ مسبقة، وهذا كله تغريدٌ خارج سرب وحقائق الواقع المفروض تمامًا.
ولفهم ذلك يمكن إدراك أن التحَرّك الأمريكي اليوم من جديد مع فصائل ومليشيات الرياض وأبو ظبي هو تحَرّك من أصحبت خياراته في أضيق حدودها، فهو لا يجد من خيار سوى أن يطرق هذا الباب على ما ورائه من عاهات وخواء وضعف لن يقود إلى شيءٍ إلا أماني أن عسى أن ترضخ صنعاء لأي ضغط، ولو محدود للتفاوض معها، أما مسألة أن يقود تحريك المليشيات إلى نصر أَو ما شابه فهو اليوم وهذا واقع من أبعد ما يمكن التفكيرُ فيه، حَيثُ معطيات الأرض وحقيقة التجربة تقول إن صنعاء ستحرق ورقة المرتزِقة إلى غير رجعة، كما فعلت مع الأمريكان وتحالفها في البحار وفعلت مع “إسرائيل” في عُقر دارها وفي باب المندب.
مفاجآت قادمة:
يمكن تذكر أن صنعاء وقيادتها قد وعدت أمريكا والغرب وتحالفهم بالمفاجآت في معركة البحار وفعلت ذلك بقوة، نفس الشيء تعدهم به اليوم في معركة البر وستفعل ذلك بقوة، ومن لا يدرك قوة وتناميَ شعبيّة أحرار اليمن في صنعاء والمحافظات الحرة، ما بعد طوفان الأقصى يعيش حالة وَهْمٍ كبير، ويستعجل الهزيمة المؤكّـدة.
ومع مؤشرات أن تنتقل المعركة مع وقف حرب غزة إلى جبهة اليمن، ما من خيارات وفرص كما أسلفنا وكان حديثنا عن الأمريكان، وهنا حديثنا عن أطراف خليجية تدرك أن المجازفة اليوم ليست إلَّا لعب الأصابع بالنار، وقد كرّرت صنعاء الإنذارَ أكثر من مرة في أكثر من مناسبة، والأمر لن يقتصر الآن على معركة قد تفتح سعيرها باسم مليشيات تقودها الإمارات والسعوديّة، بل معركة يجد اليمنيون أنفسهم أمامها إن ظل الحصارُ والعدوان كما هو.
ويمكن القول إن السعوديّة اليوم أمام خيارَين لا ثالث لهما؛ فإما رفع الحصار وتنفيذ اشتراطات عملية السلام، أَو الاستعداد لمعركة “كرامة”، ستخوضها اليمن، لكنها ليست كأية معركة، وهذا ليس تضخيماً لما قد يحدُثُ، فما بعد هذه المعركة يكونُ النظام السعوديّ قد فقد الكثير مما لن يُدرَكَ بعدها، ولن نتناول تفاصيل ما قد يحدث، وهذا ما تدركه السعوديّة جيِّدًا، حَيثُ إن لديها الكثير لتخافَ عليه ومنه.
وسيكونُ أمام السعوديّة والإمارات طريقٌ واحدٌ للسلام بأن يوقفا عبثيةَ وفوضى ما يحصل في مناطق اليمن المحتلّة، فحقائق ما جرى في المنطقة تفصح عن انتصار الدم والمقاومة، وعن كسر مشروع “إسرائيل” وأمريكا للحد الذي وصل فيه غضب “ترامب” إلى مهاجمة نتنياهو، حَيثُ يتنبأ العالم بنكوص مشروع أمريكا وتراجع التأثير العولمي إلى تأثير إقليمي، وهذا أمرٌ تدركُه الرياضُ وأبو ظبي على مرارة.
المصدر: المسيرة