اخبار دولية وعربيةالعرض في السلايدرتقارير

صيدنايا تحت المجهر واجتياح سوريا خارج الصورة؟!

ليلى عماشا

مرّ يومان ولم يغادر سجن صيدنايا شاشات التلفزة المنتشية بالحدث السوري، وكذلك حسابات افتراضية كثيرة تخصّ من يطوفون منذ سنين في فلك العداء لسورية، وللحظة يكاد المرء يظنّ أنّ ما تمّ اكتشافه هو سجن في عالم خالٍ تمامًا من السجون.. تلك المبالغة في حياكة الأخبار حول السجن المكتشف زادت من علامات الاستفهام وحتّمت طرح أسئلة كثيرة ينبغي أن تُوجّه إلى الإعلام الذي يسقط عنه مهنيّته عند كلّ حدث أكثر فأكثر، ويبدو كمن يعمد إلى تشويه صورة العمل الإعلامي لغايات في نفس مشغّليه.. لا سيما حينما تحتلّ التغطية الإعلامية “الشعواء” هذه حيّز الشاشات الإخبارية بالشكل الذي يحرف الأنظار عن العدوان “الإسرائيلي” المتواصل على سورية بتدمير مقدراتها العسكرية والحربية الاستراتيجية واحتلال أجزاء جديدة من أراضيها واجتياح مدنها ووصولها الى مشارف العاصمة دمشق.. فيظهر بعض الإعلام كأنه يغطي الحدث السوري بالطريقة التي تجعل العدوان الهمجيّ عليها موضوعًا ثانويًا وحتى مبرّرًا.

في غمرة هذه الجوقة الإعلامية سرعان ما تسربت على وسائل التواصل بعض الوثائق فظهر أن الغالبية العظمى من المساجين في صيدنايا، سُجنوا بموجب أحكام جنائية موثّقة ورسمية كأي دولة أخرى، وأنّ عددًا منهم سُجن بتهمة الإرهاب والقتل والذبح وأكل القلوب وإحراق الأحياء وغيرها من الأفعال المروّعة التي وثّقتها الكاميرات في سورية منذ العام ٢٠١١ وتباهى فاعلوها بممارستها. وأن عدد المتعلقين السياسيين محدود وليس كما يُشاع في احتفاليات بعض الإعلام العربي واللبناني الذي لم يلتفت في المقابل إلى الفيديو الذي تداوله ناشطون على منصات التواصل والذي يطالب فيه أحد مسلحي الجماعات المنضوية تحت لواء “هيئة تحرير الشام” ، أحمد الشرع (أبي محمد الجولاني/ مؤسس جبهة النصرة المصنفة دوليًا منظمة إرهابية) بإطلاق المعتقلين في سجونه ويحذّره من مغبّة الاستمرار في احتجازهم.

يحقّ للجمهور أن يسأل جميع المبالغين في تغطية عجيبة سجن صيدنايا، ما دامت إنسانيتهم الطاغية حاضرة بكثافة في هذه الأيام: هل حقًّا لم يتسنَّ لكم الاطّلاع سابقًا على حقيقة وجود السجون السرية “الإسرائيلية” والأميركية البشعة في غوانتانامو و(أبو غريب) والعديد من الدول الأوروبية، والذي اعتقل وعذب فيها الآلاف، أم أن السجن الذي يديره الأميركي أو أدواته لا يستنفر إنسانيتكم هذه؟ هل بلغت الاستنسابية المبنية على الاصطفاف والتبعية حدّ توجيه الشعور الإنساني نحو مواجع دون غيرها، على سبيل المثال، هالكم مشهد السجناء في صيدنايا، وهذا مفهوم طبعًا، كيف مرّت مشاهد سحق أجساد الجرحى في مجمع الشفاء في غزّة تحت الدبابات مرورًا سلسًا في أعينكم؟ ما العبرة من تضخيم المشهد في صيدنايا، وهو ضخم أصلًا، عبر بثّ الحكايات والادعاءات والمبالغات؟ بكلام آخر، في المشهد ما يكفي من عناصر الترويع، ما الفائدة من الإضافات الكاذبة والترويج لقصص لم تحدث، كوجود سجناء في أقبية سريّة تحت “سابع أرض” ولا يمكن الوصول إليها؟ ما الحكمة من استخدام صورة معتقل وإلصاق عشرات الحكايات المتناقضة بها، فنراها مرة باسم فلان الفلاني من محافظة درعا مثلًا وقد اعتقل منذ ٣٠ عامًا، ثم نراها باسم آخر وقد اعتقل منذ أشهر في الحسكة، وبعدها نجدها توثق باسم جديد حكاية مختلفة؟ وما حكاية علي العلي على سبيل المثال لا الحصر الذي سوّق الإعلام اللبناني أنّه من عكّار ليتبيّن أنّ القصة كاذبة وأن صاحب الصورة والاسم رجل سوري؟ كيف تحوّلت صور من سجن في فييتنام وغيرها وأخرى رسمها فنانون كلوحات تشكيلية إلى “صور حصرية” من سجن صيدنايا؟ أو ترويج أخبار حول الاشتباه بوجود الإمام المغيب السيد موسى الصدر في السجن السوري، ما دفع عائلته لإصدار بيان أوضحت فيه عدم مصداقية هذه الأخبار؟!

لا شك أن الاستثمار والتوظيف الإعلامي والسياسي لمشاعر الناس بهدف حرف الأنظار عن قضايا سيادية رفيعة بات أمرًا مفضوحًا وهو ليس جديدًا، وما يحصل هذه الأيام في سجن صيدنايا خير دليل. فما دام ادعاء التفاعل الإنساني صادقًا، ما الحاجة إلى “تمليحه” بالأكاذيب والشائعات؟ ألّا يضرّ ذلك بمصداقية الخبر وبإنسانية ناقله على حدّ سواء؟. ولا سيّما حين يبلغ حبل الكذب حدّ مقابلة طفل عمره عشر سنوات جاء مع والدته إلى صيدنايا للبحث عن أبيه المفقود منذ ١٤ عامًا؟! شرّ البليّة ما يضحك!..

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com