بيانات “الإعلام الحربي”: العزّة الموثّقة!
ليلى عماشا
مع تصاعد وتيرة بثّ الانهزامية والترويج لوهم يقول، إنّ “المقاومة هُزمت”، ومع نشاط الأصوات التي تتنقّل بين الشاشات التلفزيونية ومواقع التواصل للتسويق لمنتج خرافيّ اسمه ” مرحلة ما بعد حزب الله” وهو من تصميم ليزا جونسون، السفيرة الأميركية في بيروت، ومع ارتفاع منسوب الحديث عن خسائرنا وتصويرها بالبثّ المباشر بموازاة التعتيم على أيّ خسائر للعدوّ، يضع أهل المقاومة – المستهدفون الأساسيون في كلّ هذه الحملات الإعلامية والنفسية- الميدان نصب أعينهم، ونافذتهم المطلّة عليه هي البيانات التي تصدر تباعًا عن الإعلام الحربي في حزب الله.
ينشط الإعلام الحربي ودائرة العلاقات الإعلامية على مدار الساعة في إصدار ونشر البيانات المواكبة لعمل “رجال الله في الميدان”، وتتميّز هذه البيانات بلغتها المباشرة والبسيطة، بدقّتها ومصداقيتها التي لا تشوبها شائبة، بمهنيّتها العالية وبكونها المصدر الموثوق الوحيد الذي يُركن إليه في أيّ مادة خبرية أو تحليلية تتعلّق بالميدان وأهله، وبتطوّرات مسار الحرب، على الرغم من صعوبة إرفاق الأخبار بالصور والڤيديوهات التوثيقية وأحيانًا استحالتها، بسبب ظروف الحرب من جهة، وخصوصية المواجهات ومواقع المقاومة من جهة أخرى. بكلام آخر، وحدها الكلمات تقوم بنقل المشهد الحربيّ كما هو، وتحظى بدون أيّ صورة أو صوت، بهذا الكمّ من الثقة لدى “أشرف الناس”.
أمّا بعد، ما إن يصدر البيان الثقة حول عملية للمقاومة، حتى تنسكب كلماته كالماء فوق القلوب العطشى. ثم يبدأ تداوله بين الناس الذين يلتزمون بوصية سيّدهم الشهيد، أن ابقوا أعينكم على الميدان. والعين على الميدان تعني تقصّي أخباره من مصادرها الصحيحة، أي من الإعلام الحربي ومن المراسلين الميدانيين الثقاة.
يوم أمس، سجّل أشرف الناس خمسين بيانًا تلقوها خلال اليوم، أي بمعدّل بيانين في الساعة الواحدة تقريبًا. على عداد البيانات وضعوا نبضات عزّتهم، وما إن شارف الرقم على بلوغ الخمسين، تداول النشطاء كلمات الحماسة ومنشورات تدعو الجميع إلى البقاء مستيقظين بانتظار أن تبلغ البيانات المباركة خمسينها قبل منتصف الليل، وأكثر من ذلك، أصدروا بعد البيان الذي حمل رقم ٥٠، رسمًا تتوهّج فيه الصواريخ في ظلال الآية الكريمة {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وعبارة “خمسون عملية، هذا بعض من بأسنا”، ليعبّروا عن مدى فخرهم وإيمانهم بالله وبالمقاومة.
وفي إطار رصد ردود أفعال أشرف الناس على بيانات الإعلام الحربي، يمكن ملاحظة أنّ أكثرها إدخالًا للسرور إلى قلوب المؤمنين هي تلك التي تزفّ أنباء استهداف “تلّ أبيب” وحيفا، أو التي تشير إلى دخول صاروخ من طراز جديد خطّ النار. وذلك يعني أن أشرف النّاس يتابعون بدقَة المسار التصاعدي لعمليات المقاومة التي تصنع المعادلات وتثبّتها بدون أن تهاب ردّ فعل العدوّ، والتي تثق بأن أهلها “معها على الموجة”. ومع كلّ بيان يصدر ليوثّق “ضربة” قاسية تلقاها العدو، تنشط بعض الأصوات المغرضة تتباكى استباقيًا على ردود الأفعال المتوقّعة من العدو، وتحاول تخويف الناس وترهيبهم بحيث تقتل فرحتهم بإنجازات المقاومة؛ إذا استهدفت صواريخنا المباركة حيفا على سبيل المثال، نسمع أصواتًا تنعى بيروت، بل وتخترع أخبارًا وتنسبها إلى الإعلام العبري وتحوي تهديدات مباشرة، فقط بهدف منع الناس من الفرح بالإنجاز، إن صحّ التعبير وتحويله إلى سبب رعب، وهذا شكل من أشكال الترهيب. وفي السياق نفسه، تدأب أصوات أخرى على التقليل من أثر وقيمة الإنجاز نفسه، فتقول، إنه لم يصب أهدافًا “مهمّة” أو مؤثّرة، والجميل في الأمر، أنَ هؤلاء المغرضين لا يسمعون من الفئة المستهدفة إلّا كلمات التصبّر الذي يعبّر عن عدم الخوف من ردّ فعل الصهاينة، مهما بلغ حجمه، أولًا لمعرفتهم المسبقة بأن هذا العدو لا ينتظر أيّ ذرائع في عدوانه فهو في أصل وجوده وحقيقته كيان إرهابي قائم على العدوان والمجازر، وثانيًا لثقتهم بأنه مهما بلغ حجم العدوان، فالمقاومة قد أعدّت له ما استطاعت من قوّة.
تصل البيانات هواتف أشرف الناس عبر الإعلام على مدار الساعة، تبلغهم بإنجازات أبنائهم وإخوتهم وأحبّتهم في الميدان، تواسي القلوب المحترقة وتثلجها، وتساهم في صناعة الصمود ومراكمة الصبر حتى يصل مجتمع المقاومة إلى بوابة النصر قويًّا لم يرهقه العدوان بالمقدار الذي يريده العدوّ أو يتمناه.. ومع كلّ بيان جديد، يرتفع منسوب الاعتزاز والفخر، حتى ترى الناس، كلّ الناس، يتناقشون في محتواه ويحدّثون عنه، ويختمون الحديث بالدعاء الصادق لرجال الله. ناهيك عن الحماسة النقيّة التي تغمر أصواتهم وهم يباهون الدنيا بمقاومتهم وبأولادهم الذي يرسمون من أرض الجنوب كلَ خرائط العزّة والحريّة.