اخبار دولية وعربيةاخبار محليةالعرض في السلايدرمقالات

“اسرائيل” والنصر المزيّف

 

علي رعد

يعتقد العدو “الإسرائيلي” أنّ تفجيره لـ”البيجر” واللا سلكي، واغتياله لقائد المقاومة الإسلامية في لبنان، السيد حسن نصر الله وعدد من القادة الآخرين، سيمكّنه من تحقيق “النصر المطلق”. لا شك أنّ المقاومة في لبنان تلقّت ضربات قاسية لم تشهدها منذ نشأتها، بل ويمكن القول إنّه لا يوجد حركة تحرر في العالم تعرّضت لمثل هذه الهجمات الإجرامية وتمكّنت من التعافي في غضون أيام ولو بشكل تدريجي، وقد تمظهر هذا التعافي على المستوى القيادي من جهة، وبتصاعد وتيرة ونوعية العمليات العسكرية من جهة أخرى.

بعد الاغتيالات النوعية التي قامت بها “إسرائيل” في لبنان، بدأت الصحف الغربية تصدح بسرديات مفادها أن منظومة حزب الله القيادية انتهت، وبدأ العدّ التنازلي لهزيمته عسكريا وإستراتيجياً وخصوصا بعدما شنّت “إسرائيل” غارات غير مسبوقة على البنى التحتية للمقاومة، بل ذهب بعض المحللين إلى حدّ تشبيه الضربات التي تلقّتها المقاومة بنكسة عام 1967، حيث غافل العدو الإسرائيلي آنذاك الجيوش العربية بضربات استباقية- نوعية، أسفرت في نهاية المطاف عن هزيمة العرب في فترة زمنية قياسية لا تتجاوز الستة أيام.

في الحقيقة، إنّ زعم “إسرائيل” وبعض وسائل الإعلام الغربية بأن حزب الله قد هُزم وانتهى يعود إلى عدم إدراكهم لبنيته التنظيمية الكبيرة، فالمقاومة أضحت مجتمعًا، وخرجت من الشعب للشعب، أي أنها أتت من بيئة عايشت القهر والاحتلال لسنين، وهي ردّة فعل طبيعية على فعل الاحتلال، ولا يمكن لأحد أن يتحدّى طبيعة الاشياء وسننها بالفروقات المادية، وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلًا (سورة الفتح – 23).

أهداف “إسرائيل”: هل هي قابلة للتطبيق؟

لم تكد “إسرائيل” تنتهي من تنفيذ اغتيالاتها حتى بدأت تعلن بأنّها تنتصر، مؤكدة أن السبيل الوحيد لوقف الحرب على لبنان وشعبه هو الاستسلام. وفي تلك الأثناء، خرج رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، ليعلن أنّه سيعمل على تغيير وجه الشرق الأوسط، إلا أنّ المراقب الموضوعي للوضع الميداني سيستنتج بأن المقاومة قد خرجت من كبوتها سريعاً عقب الاغتيالات، وبدأت بمرحلة التصعيد التدريجي بهدف إيلام العدو ورفع الكلفة عليه، وذلك من خلال استهداف المستوطنات “الإسرائيلية” الحدودية وصولاً إلى جنوب “تل أبيب”، بالتوازي مع التصدي البطولي للعدوان البري الذي تشنّه على لبنان. يمكن القول إنّ “اسرائيل” قد شارفت على استنفاد معظم أهدافها العسكرية ولم يتبقَّ أمامها سوى خوض معركة بلا أيّ أفق، وذلك للأسباب التالية:

أولاً، على الرغم من الإنجازات العسكرية-التكتيكية التي حققتها “إسرائيل” في بداية الحرب، إلاّ أنّها لم تستطع أن تحوّلها إلى مكاسب إستراتيجية في أروقة السياسة. فقد وصلت إلى نقطة الذروة (Culminating point) في استخدامها للقوة دون تحقيق أيٍّ من أهدافها. تشير “نقطة الذروة” في السياق العسكري إلى اللحظة التي تبلغ فيها القوة أقصى قدراتها الهجومية. فبعد هذه النقطة، قد تؤدي العمليات الهجومية الإضافية إلى تقليص الفوائد أو تراجع الزخم. ويُعدّ هذا المفهوم ذا أهمية كبيرة في الإستراتيجية والعقيدة العسكرية، حيث يساعد في تحديد الوقت المناسب للانتقال من الوضع الهجومي إلى الدفاعي، أو متى ينبغي تعزيز المكاسب بدلاً من الاستمرار في الهجوم. ودائماً ما يُستشهد بالغزو الألماني للاتحاد السوفييتي في عام 1941 كمثال على عملية بلغت ذروتها، حيث تمكّن الألمان من التوغل في الأراضي السوفييتية. ومع ذلك، أدّت التحديات اللوجستية والظروف الجوية وبعض العوامل الأخرى إلى صمود القوات السوفييتية، في حين فقد الهجوم الألماني زخمه، مما حال دون تحقيق نصر حاسم. وبالنسبة إلى “إسرائيل”، يقول تامير هايمان (المدير التنفيذي لمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب) إنّ على “إسرائيل” أن “تسعى إلى تحقيق إنجاز دبلوماسي في ذروة نجاحاتها العملياتية والتكتيكية لضمان تعريز “الأمن الوطني” في الأمد البعيد. ويؤكد هايمان أنّ الانتصارات العسكرية والتكتيكية مهما كانت كبيرة، فقد تفقد تأثيرها بسرعة إذا لم تكن مدعومة بإنجاز دبلوماسي مكّمل. لذلك من الملاحظ أنّ قادة العدو قد بدؤوا يدركون أنّه لا يمكن الاستمرار في استخدام القوة المفرطة ضد المقاومة في لبنان وفلسطين بدون تحقيق أي مكاسب، وقد سبق أن أشار وزير الحرب “الإسرائيلي” السابق يوآف غالانت إلى ضرورة تقديم تنازلات مؤلمة، مؤكدًا أن العمليات العسكرية وحدها لن تفي بتحقيق أهداف الحرب.

ثانيًا، أعلنت “إسرائيل” منذ بداية عدوانها على لبنان أنّ هدفها هو إعادة المستوطنين إلى شمال فلسطين المحتلّة، ثم تلا هذا الهدف هدف غير معلن يتمثل بتغيير وجه الشرق الأوسط، بما يعني ضمناً كسر محور المقاومة وهزيمته إستراتيجياً بهدف فرض واقع أمني وسياسي جديد لمصلحة “إسرائيل” وحلفائها، بيد أنّ هذه الأهداف لم تتحقق، فعقدة الأمن التي تعيشها “إسرائيل” تعمّقت بفضل الضربات الصاروخية المؤثرة كمّاً ونوعاً في عمق الأراضي المحتلّة، وأثّرت هذه الاستهدافات بطريقة غير مسبوقة في مختلف جوانب الحياة في “إسرائيل”. وهنا، يجب ألا نغفل أن منسوب الأمن الذي تتمتع به “إسرائيل” هو الذي يحدد وجودها في المستقبل.

ثالثًا، على المستوى العملياتي، لن تستطيع “إسرائيل” من وقف الهجمات الصاروخية باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى لو نجحت بالتقدم في الأراضي اللبنانية، فلدى المقاومة صورايخ بمديات مختلفة يمكن أن تستهدف أي نقطة في “اسرائيل”، فضلا عن المُسيّرات التي أظهرت عجز “إسرائيل” عن التصدي لأسرابها. لذلك لا يمكن أن يشعر المستوطنون “الإسرائيليون” بالأمن حتى لو تمّ الاتفاق على وقف إطلاق النار.

رابعًا، على المستوى الداخلي اللبناني، تسعى “إسرائيل” إلى التوافق مع المواقف المناهضة لحزب الله، وقد تجلّى ذلك بمحاولة الأميركيين استغلال الحرب على المقاومة لأجل دعم انتخاب رئيس جمهورية من أخصامها. وقد استجابت بعض الأحزاب اللبنانية المعارضة للمقاومة لهذه الأصوات التحريضية. ومن المعروف أن تاريخ هذه الأحزاب كان مرتبطاً بعلاقات قديمة مع “إسرائيل”. لذا، تراهن هذه الأحزاب اليمينية على تبني السردية “الإسرائيلية” بهدف إضعاف موقف المقاومة وتحقيق الأهداف الأميركية-“الإسرائيلية”. ومع ذلك، سرعان ما تلاشت هذه الآمال في ظل الإنجازات الميدانية والمقاومة الدبلوماسية التي يقودها رئيس مجلس النواب نبيه بري. بالاضافة إلى ذلك، تحاول “إسرائيل” أيضاً إذكاء نار الفتنة في مناطق النزوح التي لجأ إليها جمهور المقاومة، وذلك من خلال استهدافها بعض الأماكن غير المحسوبة على المقاومة، في محاولة للضغط على البيئة المستضيفة، إلاّ أنّ هذا المخطط قد باء بالفشل، رغم حدوث بعض الأحداث الفردية في عدد من هذه المناطق.

خامسًا، يمكن استنتاج فشل “إسرائيل” في لبنان من خلال تبنيها إستراتيجية العقاب الجماعي (strategy of collective punishment) كتلك التي تطبقّها في غزة، في محاولة للضغط على جمهور المقاومة من أجل تغيير موقفه، إلاّ أنّ هذا الهدف يستحيل تحقيقه بسبب البُعد الأيدولوجي والأخلاقي المتجذّر في قلوب وعقول مؤيدي المقاومة.

خاتمة

يمكن القول إنّ مرحلة الأفول التدريجي قد بدأت تتشكل في ظلّ عجز “إسرائيل” وداعميها من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا عن تحقيق أهداف الحرب. بعبارة أخرى، يكفي أن تحبط المقاومة أهداف العدو المعلنة وغير المعلنة، وتجرّه إلى حرب استنزاف في القدرات البشرية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية. ولا شك في أنّ الضربات النوعية التي تراكمها المقاومة في مواجهة المحتلّ سواء في الميدان أم في استهداف عمق الأراضي المحتلّة ستغيّر منحى الحرب لصالح لبنان ولو بعد حين. وكما قال سابقاً الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، “إنّ هذه الحرب هي حرب من سيصرخ أولاً”، والحرب في جوهرها حرب إرادات، لذلك، لن يطول الأمر كثيراً حتى نشهد تحوّلات ميدانية من شأنها أن تصيغ معادلة الردع (Deterrence) من جديد لصالح المقاومة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com