اخبار دولية وعربيةاخبار محليةالعرض في السلايدرتقارير

بناء الجدار على الحدود العراقية السورية… حماية أمنية أم مؤامرة أمنية؟

21 سبتمبر

في ظل تصاعد وتيرة المواجهات في غزة ولبنان، وتنامي المخاوف من اتساع دائرة الاشتعال الإقليمي، كشفت وزارة الداخلية العراقية في بيان رسمي الثلاثاء المنصرم عن إطلاق مشروع لتشييد جدار حدودي، يمتد لمسافة 100 كيلومتر على الشريط الحدودي مع سوريا، كمنظومة أمنية متكاملة لتعزيز السيادة الحدودية بين البلدين.

وأفصحت الوزارة، عبر بيان صحفي، عن مباشرة العمل في مشروع أمني متطور لتحصين قطاع حيوي من الحدود العراقية، يتضمن إنشاء جدار خرساني متطور بطول 100 كيلومتر، يمتد على ضفتي نهر الفرات في منطقة “طريفاوي” غرب الأنبار، وقد أجرى قائد القوات الحدودية، مُمثلاً باللواء السابع الحدودي ولواء المغاوير في المنطقة الغربية لمحافظة الأنبار، تفقداً ميدانياً شاملاً لمراحل التجهيز والإعداد للمشروع.

وفي سياق الجهود المتواصلة، اتخذت الحكومة العراقية سلسلةً من التدابير الأمنية المتقدمة على مدار السنوات السابقة لتأمين حدودها مع سوريا، تضمنت تخصيصاً مالياً استثنائياً بقيمة 10 مليارات دينار من قبل مجلس الوزراء في العام 2023، لإنشاء منظومة متكاملة من المراكز الحدودية المتطورة، مع نشر شبكة من الكاميرات الحرارية المتقدمة، وإقامة تحصينات دفاعية متطورة، وتشييد حواجز إسمنتية للتصدي لأي محاولات تسلل إرهابية.

وفي السياق ذاته، أكد العميد مقداد الموسوي، الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية العراقية، في السادس والعشرين من سبتمبر، اكتمال عمليات تعزيز المنظومة الأمنية على كل الحدود العراقية مع دول الجوار.

وفي تصريح صحفي، أشاد الموسوي بهذه المنظومة الدفاعية المتكاملة، واصفاً إياها بأنها “الأعظم والأكثر تطوراً في التاريخ العسكري للحدود العراقية”، ما يعكس تحولاً نوعياً في استراتيجية تأمين الحدود الوطنية.

يمثّل هذا المشروع المرحلة الثانية من خطة بغداد الشاملة لتحصين حدودها، عقب إنجاز المنظومة الدفاعية المتكاملة المتمثلة في الجدار الخرساني والحواجز السلكية المتطورة في أواخر العام المنصرم، والممتدة بين محوري ربيعة وسنجار في محافظة نينوى، مقابل مدينة الحسكة الواقعة تحت النفوذ العسكري لقوات سوريا الديمقراطية.

لقد شكّل الشريط الحدودي مع سوريا تحدياً أمنياً مستمراً للسلطات العراقية، حيث مثّل على مدى سنوات ممراً استراتيجياً لتسلل العناصر الإرهابية التابعة لتنظيم “داعش”، وملاذاً آمناً للتنظيمات المتطرفة في حركتها بين الدولتين.

يمتلك العراق أربعة منافذ حدودية رسمية مع سوريا، تتوزع جغرافياً على النحو التالي: معبر سيمالكا في منطقة الخابور بمحافظة دهوك، معبر رابعة الرابط بين محافظتي نينوى والحسكة، معبري البوكمال-القائم والوليد-التنف اللذين يشكلان شريان الربط بين محافظتي الأنبار ودير الزور.

يتصدر سلم الأولويات الأمنية العراقية، الهاجس المتنامي إزاء المجمعات الاحتجازية المخصصة لعناصر “داعش” وذويهم في محافظة دير الزور السورية، وعلى رأسها مخيم الهول والمجمعات المماثلة التي لا تبعد سوى مسافة 7-8 كيلومترات عن الحدود العراقية، ويشكل المواطنون العراقيون النسبة الأكبر من قاطني مخيم الهول، فيما يتوزع باقي النزلاء على جنسيات متعددة، وتحذر الأمم المتحدة من تحول هذا المخيم إلى ما يشبه مركزاً لتنشئة الجيل الجديد من أبناء التنظيم، الذين قد يسعون للتسلل عبر الحدود عند أي اضطراب أمني.

غير أن التسارع الملحوظ في وتيرة تعزيز المنظومة الحدودية مع سوريا في هذه المرحلة الدقيقة، والتي تزامنت مع تدفق ما يقارب خمسة آلاف لاجئ لبناني إلى الأراضي العراقية عبر الأراضي السورية، قد أثار تساؤلات حول ما إذا كان التلويح بالتهديد الداعشي والإرهابي، يمثّل غطاءً تكتيكياً للتعجيل بإقامة الجدار الحدودي لاعتبارات جيوسياسية أعمق.

تتجلى الدلائل الراسخة على هذه القضية، في التصريحات التي أدلى بها رئيس جمهورية العراق، الدكتور عبد اللطيف رشيد، إبان لقائه مع مستشار الأمن القومي، السيد قاسم الأعرجي، يوم الأربعاء الماضي، حيث شدد على أن المستجدات الإقليمية الراهنة تستدعي تعزيزاً جوهرياً للجبهة الداخلية، وصوناً حازماً لأرواح المواطنين وممتلكاتهم عبر إحكام الأمن الحدودي.

وفي السياق ذاته، أفصح الفريق أول الركن يحيى رسول، المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للقوات المسلحة، في الاثنين المنصرم، عن أن “القوات العراقية تضطلع بمهامها السيادية بكفاءة عالية، وقد اتخذت المؤسسات الأمنية كل التدابير الاحترازية والإجراءات الاستباقية لتأمين الشريط الحدودي مع دول الجوار، ولا سيما مع الشقيقة سوريا”.

وفي تطور لافت، أصدر رئيس مجلس الوزراء، السيد محمد شياع السوداني، توجيهات يوم الثلاثاء الماضي، تقضي برفع مستوى الجاهزية القصوى للقوات الأمنية، لمجابهة ما وصفه بـ “التحديات المحدقة بأمن الوطن”.

وفي خضم هذه التطورات، تنتهج بعض المنابر الإعلامية المحسوبة على الجانب الأمريكي في العراق، وعلى رأسها قناة الحرة، نهجاً تحريضياً يستهدف قضية النازحين اللبنانيين، مثيرةً هواجس أمنية حول احتمالية تسلل عناصر إرهابية من تنظيم “داعش”، متسترين بصفة لاجئين لبنانيين.

وفي هذا المضمار، نقلت قناة الحرة عن الخبير الأمني “أحمد الشريفي” دعوته للسلطات العراقية إلى “اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر في تدقيق هويات العابرين للحدود”.

غير أن عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، السيد كريم كمال، بدّد تلك المخاوف، مؤكداً أن “السلطات العراقية قد نجحت في تحويل المنطقة المتاخمة للحدود السورية إلى نطاق أمني محكم”.

وفي تصريحات أدلى بها الخبير الأمني سرمد البياتي، خلال لقاء حصري مع قناة الحرة، فنّد المزاعم المثارة حول الطبيعة التهديدية للحدود السورية، مؤكداً: “أن الهواجس الأمنية المتعلقة بالمخاطر الحدودية تُعدّ مشروعةً في جوهرها، غير أن شريطنا الحدودي مع سوريا يتمتع بمنظومة أمنية راسخة”.

وفي استعراض للمشهد الاستراتيجي خلال السنوات المنصرمة، وتحديداً منذ الانتصار المفصلي الذي حقّقه محور المقاومة على تنظيم “داعش” الإرهابي في الساحتين السورية والعراقية، وتطهير الأراضي من رجس ما تُسمى بخلافة التكفيريين المزعومة، باتت مساحات استراتيجية حيوية من الشريط الحدودي السوري-العراقي، ولا سيما المحور الحيوي لمعبر القائم-البوكمال، تحت السيطرة المحكمة لقوات محور المقاومة.

ويأتي هذا الإنجاز الاستراتيجي صوناً لاستمرارية الممر الحيوي الممتد من طهران إلى دمشق – ذلك الهدف الذي ما انفكت القوى الأمريكية والكيان الصهيوني وأذرعهم الإقليمية الداعمة للإرهاب يسعون حثيثاً لتقويضه، بيد أنهم مُنيوا بإخفاقات متتالية رغم شنّهم هجمات جوية مباشرة وعمليات برية غير مباشرة عبر أذرعهم الإرهابية.

ويكتسي الحفاظ على هذا الممر الاستراتيجي أهميةً استثنائيةً في هذا المنعطف التاريخي الدقيق، مثلما كان له الدور المحوري والفاعل في تتويج محور المقاومة بالنصر على المخططات الشريرة التي حاكها أعداء سوريا. وتتجلى هذه الأهمية الاستراتيجية في تعزيز التفوق النوعي للمقاومة في مواجهة المخططات الأمريكية-الصهيونية، الهادفة إلى تصفية قوى المقاومة في الساحتين اللبنانية والغزّية.

وفي خضم الإخفاق الذريع الذي مُني به قادة الكيان الصهيوني، وعلى رأسهم نتنياهو، في تنفيذ مخططهم الرامي إلى شل قدرات حزب الله عبر استهداف قياداته السياسية والعسكرية العليا، وفي ظل النجاح الباهر الذي حققه الحزب في الحفاظ على تماسكه التنظيمي وإدارة جبهة المواجهة بكفاءة استثنائية، تواترت في الآونة الأخيرة تصريحات نتنياهو المحمومة حول الضرورة الملحة لإحكام إغلاق الشريط الحدودي السوري-اللبناني، بهدف وقف تدفق الإمدادات العسكرية إلى حزب الله.

وتنمّ هذه التصريحات المتكررة عن إدراك عميق لدى صناع القرار في تل أبيب، بأن خطوط الدعم اللوجستي لحزب الله تشكّل العامل الحاسم في إجهاض العمليات العسكرية الصهيونية على الساحة اللبنانية، وبناءً على هذا، يمكن اعتبار الممر العابر للمقاومة، وبالأخص عند نقاط التماس الحدودية السورية-العراقية، جزءاً لا يتجزأ من المعادلة العسكرية في ساحتي المواجهة في لبنان وغزة، ومن هذا المنطلق، يُرجح بقوة أن تكون الإدارة الأمريكية قد وضعت مخططات محكمة تستهدف قطع هذا الشريان الحيوي للمقاومة.

ومن أبرز النقاط التي تثير تساؤلات عميقة في هذا السياق، الموقف الأمريكي المتناقض إزاء القضايا الأمنية العراقية، فالولايات المتحدة، التي تمارس سيطرةً شبه مطلقة على مصادر التمويل ومسارات الإنفاق الحكومي في العراق، قد دأبت في السنوات الأخيرة على معارضة وعرقلة المساعي الحثيثة للحكومات العراقية المتعاقبة، الرامية إلى تخصيص اعتمادات مالية ضخمة لاقتناء منظومات دفاعية وعسكرية متطورة، ولا سيما أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة.

وفي المقابل، وفيما يتعلق بمشروع الجدار الحدودي مع سوريا، لم تُبدِ واشنطن أي اعتراض يُذكر، بل على العكس تماماً، شهد عام 2020 إطلاق مشروع طموح يحظى بدعم غربي واسع النطاق تحت مسمى “تأمين الحدود مع سوريا لمكافحة تهريب المخدرات”، في خطوة تثير الكثير من علامات الاستفهام حول الأجندات الخفية وراء هذا التباين الصارخ في المواقف الأمريكية.

في سياق متصل، كشف الفريق أول محمد شكر السعيدي، القائد العام لحرس الحدود العراقي، في تصريحات له خلال شهر أغسطس 2022، عن الدور المحوري الذي يضطلع به برنامج التمويل العسكري الخارجي الأمريكي (FMF) في تعزيز قدرات قيادة حرس الحدود، کما أماط اللثام عن مبادرة أمريكية لنقل خبراتها وأساليبها المتطورة في مجال الرقابة الحدودية إلى نظرائهم العراقيين.

وأضاف السعيدي: لقد تسنى لنا زيارة عدة مواقع استراتيجية، من بينها أحد المعابر الحدودية الفاصلة بين الولايات المتحدة والمكسيك، حيث اطلعنا عن كثب على منظومتهم المتكاملة لتفتيش الأفراد والمركبات والسلع العابرة، كما حظينا بفرصة في ولاية أريزونا للتعرف على الجوانب الهندسية والتصميمية وآليات التشغيل للجدار الحدودي، فضلاً عن استيعاب بروتوكولاتهم المتبعة في التعامل مع المهاجرين وطالبي اللجوء، والاطلاع على مرافق الاحتجاز.

وفي ضوء هذه المعطيات، يمكن الاستنتاج بأن الولايات المتحدة تقف في طليعة الداعمين لمشروع تشييد الجدار الحدودي بين العراق وسوريا، وما لا يرقى إليه الشك أن الحفاظ على الممر البري للمقاومة الممتد من طهران إلى دمشق، يكتسي أهميةً جيوستراتيجيةً قصوى في خضم التطورات الراهنة للصراع في لبنان.

وليس من قبيل المبالغة القول إن ثمة احتمالاً وارداً لوجود أياد خفية تسعى، تحت ستار تعزيز الأمن، إلى التحكم في تحركات المقاومة على الساحة العراقية الحيوية، بما يخدم في نهاية المطاف مصالح الكيان الصهيوني، وعليه، فإن الحيطة والحذر في التعامل مع هذا السيناريو المحتمل، تغدو ضرورةً ملحةً لا مناص منها.

 

الوقت

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com