اخبار دولية وعربيةاخبار محليةالعرض في السلايدرتقارير

بماذا أوصى الامام الخامنئي بيئة المقاومة؟

ايهاب شوقي

كما كانت الضربة الإيرانية لعمق الكيان، في عملية “الوعد الصادق 2″، ضربة استراتيجية مؤثرة أوقفته وراعيه الأمريكي عند حدودها، وجاءت في توقيت بالغ الحساسية لإيقاف التمادي الصهيوني الذي عاش سكرة من الزهو زيّنت له المزيد من الحماقات، جاءه خطاب القائد الامام السيد علي الخامنئي كمنصة صواريخ استراتيجية متعددة الفوهات، لتطلق عدة رسائل للعدو ورعاته، ولعل أهمها ما أرسله -أي الخطاب- إلى جبهات المقاومة، بمجاهديها وقادتها وجمهورها وبيئتها الحاضنة.

قبل الخوض في قراءة هذه الرسائل الموجهة للمقاومة، يجب القول إنّ القائد السيد الخامنئي قد لخص عامًا كاملاً منذ اندلاع “طوفان الأقصى” في فقرة بليغة من خطابه، عندما قال نصًا: “لقد أوصل طوفان الأقصى وعام من المقاومة، في غزّة ولبنان، هذا الكيان الغاصب إلى أن يكون هاجسه الأهم حفظ وجوده، وجهاد رجال فلسطين ولبنان قد أعاد الكيان الصهيوني 70 سنة إلى الوراء”.

ذلك؛ لأن الكيان يفوم على عامودين رئيسين، هما الأمن الداخلي الذي زلزله “طوفان الاقصى” وجبهات الإسناد، والردع الخارجي الذي تهشّم باستمرار الإسناد من دون الخضوع لفزاعات وتهديد ووعيد من الكيان وأميركا. هذا أدخل الكيان في مرحلة التهديد الوجودي غير المسبوق، منذ نشأته المشؤومة، والتي قامت على تأمين مغتصباته وفجوة القوة بينه وبين محيطه ودول الطوق له.

لقد كشفت ضربات العدو الغادرة بالاغتيالات المتلاحقة للمقاومة في لبنان، والتي أنهاها بالجريمة الكبرى فجع بها جميع المقاومين باغتيال الشهيد القائد سماحة السيد حسن نصر الله، أن الهدف الرئيس هو كسر إرادة المقاومة وبث اليأس في صفوفها وحرمانها من قائد تاريخي فذ؛ كانت مجرد إطلالته تطمئن الجماهير وتبث فيهم الهدوء والثقة والحماسة.

كما تمادى العدو في خبثه، وعبر أبواقه الاستعمارية في الاعلام العربي، وبث دعايات فتنوية للوقيعة بين المقاومة وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر الترويج لمزاعم تخليها عن المقاومة ورغبتها في عدم التورط في الحرب، وهي لا تحارب إلّا عبر وكلائها.. هذه السخافات التي اعتقد أن بيئة المقاومة ستتماهى معها في لحظات الحزن والفجيعة بفقدان زعيمها التاريخي. من هنا؛ جاء خطاب القائد الامام السيد الخامنئي مكملاً للوعد الصادق وتاليًا للضربة، وليس سابقًا لها، وذلك لإسكات الألسنة الصهيونية في الكيان والإعلام العربي، وجاء مضمونه ومحتواه باعثًا للطمأنينة ومثبتًا للجبهات ومفشلاً للحرب النفسية وهدف العدو الرئيس بكسر الإرادة.

لعل التركيز على بعض فقرات خطاب السيد القائد الخامنئي توضح هذا الأمر. إذ خاطب الوجدان العقيدي بالتذكير بعزاء سيد الشهداء الإمام الحسين(ع)، وفاجعتنا الأكبر، والتي لم تفلح في القضاء على الإسلام ونهج المقاومة الحسيني الأصيل؛ بل كانت وقودًا لكل المقاومات، فجاءت محطات المقاومة وما تلاقيه في سياق معركتها الطويلة مع العدو، من فجائع مثل فاجعة فقدان الشهيد القائد السيد نصر الله، دافعًا للاستمرارية والأمل. وهو ما لخصه القائد السيد الخامنئي بالقول: “عزاؤنا لا يَعني الاكتئابَ واليأسَ والاضطراب؛ بل هو من سِنخ عزائِنا على سيّدِ الشهداءِ الحسين بن عليّ -عليه السلام- يبعثُ الحياة، ويُلهمُ الدّروس، ويوقدُ العزائم، ويضخّ الآمال”. كما أوضح السيد الخامنئي أن القادة العظام ليسوا مجرد أشخاص، هم رموز خالدة تلهم الجماهير الحماسة، وترسم لهم معالم الطريق وضوابطه.

لقد خاطب الامام الخامنئي جانب الوفاء في جمهور المقاومة بتذكيرهم بنهج الشهيد السيد نصر الله ووصاياه، وأن العمل بها وتنفيذها هو الوفاء بعينه. لذلك؛ خاطب شعب لبنان ووصفه بالوفي، قبل أن يذكره بنهج الشهيد في مثل هذه المصائب المتعلقة بفقد القادة، حين قال: “إنّ أهمّ رسائلِهِ قولًا وعملًا، في حياتِهِ الدنيويّة، لكم يا شعبَ لبنانَ الوفيّ، كانت ألّا يساورَكُم يأسٌ واضطرابٌ بغيابِ شخصيّاتٍ بارزَةٍ مثلِ الإمام موسى الصدر والسيّد عبّاس الموسوي، وألّا يصيبَكُم ترديدٌ في مسيرةِ نضالِكُم. ضاعِفوا مَساعيَكُم وقُدُراتِكُم، وعزّزوا تَلاحُمَكُم، وقاوموا العدوَّ المُعتَدي وأفشِلوهُ بتَرسيخِ إيمانِكُم وتوكّلِكُم”.

قدم خطاب القائد الامام السيد الخامنئي مصداقًا مهمًا للنصر، عندما ضرب المثل بما حدث للثورة الإسلامية في ايران من فقد لقادة كبار ولهم وزنهم وتأثيرهم، وفي مراحل حساسة ومفصلية من مسيرة الثورة. ومع ذلك، لملمت الثورة أحزانها وواصلت مسيرتها حتى انتصرت وأصبحت قوة إقليمية كبرى وقوة وازنة في الصراع الإقليمي والدولي، وتقف لتتحدى أكبر قوة عظمى متجبرة في التاريخ وهي الولايات المتحدة، واستطاعت أن تصمد بالرغم من الحصار والتآمر والاستهداف لتصبح قائدة لمحور المقاومة الذي أوقف أخطر مشروع استعماري في العصر الحديث يهدف للسيطرة على المنطقة الأهم في الصراع الدولي؛ تحت مسمى “الشرق الأوسط الجديد” عبر إقامة “إسرائيل الكبرى” وكيلًا استعماريًا كبيرًا.

إن أهم رسالة هي أن المقاومة قوية ومقتدرة، ولها ساحات لن تردع، ولها قائد وفيّ لن يتخلى عن رفاقه وأبنائه، وأن لبنان المنتصر في العام 2006 وما قبلها سيواصل الانتصار بالوحدة والثبات واستلهام نهج القائد الشهيد، وأن الكيان فتح على نفسه النار من جميع جبهات المقاومة، وكل خطوة يخطوها تغرس أقدامه في مزيد من الوحل الاستراتيجي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com