ماذا خلف ارتفاع وتيرة الاعتداءات على سورية؟
محمد نادر العمري
بات هذا السؤال يتردد كثيرًا بين عامة الناس وعلى وسائل الإعلام المختلفة، وحتى في إطار العصف الفكري والحديث الذي يدور على النطاق الضيق والواسع.
الإجابة عن هذا السؤال بتأني وعقلانية تجعلنا أمام حقيقة، هي أن طبيعة الاعتداء على أراضي الجمهورية العربية السورية وهدفه لم يتغير منذ بدء الحرب الكونية عليها في العام 2011 وقبل ذلك بشكل عام، وإن إتخذت أشكالًا مختلفة، عسكرية، حصار اقتصادي..، وذلك بسبب معيارين: المعيار الأول هو الموقف الذي تتبناه سورية من نهج واستراتيجية ومبادئ تترجم توجهاتها الوطنية والقومية الداعم لحركات المقاومة على مستوى المنطقة، وبصورة خاصة، في فلسطين المحتلة ولبنان. والمعيار الثاني يكمن في البعد الجغرافي الذي تتمتع به سورية من نواحي عدة، سواء كان ذلك بسب إطلالتها على المتوسط أم بسبب خاصية عقدة الربط بين الطرق الحيوية لمصادر الطاقة.
هذه الحقيقة بدورها تقودنا، اليوم، إلى ضرورة تفكيك الرابط العضوي المتكامل لهذه الاعتداءات، كونها تحصل على مستويين:
المستوى الأول: يتمثل بالاعتداءات التي يقوم بها الكيان الصهيوني، بشكل متكرر ومستمر وتصاعدي، لتحقيق عدة أهداف تكتيكية واستراتيجية يمكن ايرادها وفقًا للنقاط الآتية:
1. الضغط على القيادة السورية للتخلي عن موقفها وتوجهاتها في دعم محور المقاومة المعادي للكيان المغتصب وقواه الفاعلة من دول وفصائل مقاومة والمؤثرة على خارطة الاشتباك في المنطقة والإقليم.
2. استغلال ما تعانيه سورية من وضع أمني وعسكري وسياسي واجتماعي نتيجة ما شهدته على مدى ما يقارب ثلاثة عشر عامًا للضغط عليها ومحاولة إجبارها للانضمام إلى مسار التطبيع مع الكيان “الإسرائيلي” ومحاولة تبني سياسة التهويل والتهديد معها.
3. استنزاف المقدرات العسكرية السورية البشرية واللوجستية، ولاسيما مراكز البحوث والمجمعات الصناعية أو التخزينية، من صواريخ ونوعيات أخرى من المنصات الصاروخية الدفاعية والهجومية، بما في ذلك منصات الدفاع الجوي.
4. منع قيام سورية بإيجاد الدعم اللازم للحركات والفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين، ما يضمن قدرتها على الحفاظ على قواعد الاشتباك والجهوزية والإمداد في إطار الصراع.
5. عرقلة أي مسار سياسي لحل الأزمة السورية بشكل لا يتوائم مع المصالح الصهيونية، وذلك من خلال وضع العراقيل والتحديات أمام ما يطرح على شكل مبادرات إقليمية أو دولية أو جهود دبلوماسية، وذلك من أجل الضغط على قوات الاحتلال الأمريكية المنتشرة في الشمال الشرقي من الجغرافية السورية لإيجاد المسوغات للبقاء في المنطقة القريبة من الحدود السورية العراقية، والتي تشكّل هاجسًا مخيفًا يهدد أمن الكيان، لأن هذه الحدود هي الممر البري الداعم والمورد لفصائل المقاومة.
6. السعي لاغتيال الشخصيات والقوى الفاعلة ضمن محور المقاومة المعادي لهذا الكيان، والتي كان لها دورها الفاعل في محاربة الإرهاب، أو في استكمال جهوزية فصائل هذا المحور. ويلاحظ أن سياسة الاغتيالات تزايدت بعد بدء عملية “طوفان الأقصى”، نتيجة إدراك قيادة هذا الكيان السياسية والعسكرية للدور البارز الذي قامت به هذه الشخصيات في تجهيز المقاومة الفلسطينية وتدريبها لحرب طويلة من جانب، ومن جانب آخر هدفت قيادة هذا الكيان من تبني سياسة الاغتيالات زرع الخوف بين صفوف القوى المقاومة، أو بهدف إفقار المحور من شخصياته البارزة وغير ذلك من أوهام كانت تعتقدها، بما في ذلك استهداف قيادة الصف الأول للمقاومة اللبنانية وفي مقدمتهم سيد شهداء طريق تحرير القدس سماحة السيد حسن نصرالله، حيث اعتقدت حكومة نتنياهو أن هذه الاغتيالات وما رافقها من نشر الإشاعات والدعايات المضللة تفضي إلى إحداث تصدع داخل الحزب وتفقد الحاضنة الشعبية الثقة به.
*المستوى الثاني يكمن في الاعتداءات التي تنفذها التنظيمات المسلحة والإرهابية، ضمن إطار تلاقي مصالحها مع قوى خارجية متداخلة ومؤثرة في الساحة السورية. كما هو حال العلاقة بين هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقًا” والحزب الإسلامي التركستاني مع المخابرات الأوكرانية، والتي قامت بتدريب وتزويد هذه التنظيمات بضوء أخضر من الإدارة الأمريكية بالطائرات المسيرة “الدرونز” المتطورة، وذلك بهدف استهداف نقاط وتجمعات ومخازن أسلحة للقوات الروسية في سورية واستنزافها قدر الإمكان إلى جانب استهداف نقاط للجيش السوري المتحالفة معه ولا سيما الفرقة “25”، مقابل نقل شخصيات قيادية من هذه التنظيمات التي تتمتع بالخبرة القتالية من إدلب إلى جبهات القتال الأوكرانية الروسية، ولاسيما الذين يحملون جنسيات دول آسيا الوسطى، مثل الشيشان والإيغواز والجورجان وغيرهم، ما يجعل مشاركتهم في القتال ضد روسيا عاملًا مثيرًا للمشاعر القومية في الرأي العام في دول آسيا الوسطى، بهدف تنشيط ذاكرة الصراع الدموية بين هذه القوميات مع الاتحاد السوفياتي السابق ثم روسيا الاتحادية حاليا بداية عهدها الحديث في التسعينيات من القرن الماضي.
الأخطر من ذلك هو ما تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية من تعميم هذا الشكل من التعاون بين المخابرات الأوكرانية والجبهات المسلحة في إدلب إلى المنطقة الشرقية، أي توطيد العلاقة بين هذه المخابرات مع ذراع واشنطن الانفصالي والمتمثل بقوات سورية الديمقراطية “قسد”، لإنجاز اتفاق يتيح للأخيرة الحصول على خبرة وقطع طائرات “الدرونز” مقابل إطلاق سراح سجناء “داعش” لديها، والذين تتراوح أعدادهم بين 45-60 ألف مقاتل، لنقلهم إلى جبهة القتال الروسية الأوكرانية.
عمومًا؛ سورية هي جزء لا يتجزأ من محور المقاومة، وربما تعد الفاعل الأبرز، وما تتعرض له من حملات وعمليات تشويه بالابتعاد والتخاذل لا يمكن عزله عن إدارة الحرب النفسية التي يوظفها الكيان بهدف زرع بذور الخلاف وفقدان الثقة داخل البيئة الشعبية لمحور المقاومة. وما تتعرض له سورية من اعتداءات مستمرة من هذا الكيان الداعم الرئيسي لنشاط هذه التنظيمات المسلحة هو بهدف إبقاء الموقف السوري المقاوم في نزيف مفتوح، بشكل يمنع سورية من استعادة دورها السابق على غرار الأعوام 1973 و1982 و2006 .