الذكاء الاصطناعي للمبتدئين.. كيف يعمل “ChatGPT”
يعرف الذكاء الاصطناعي بأنه الذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، مثل القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة
ويعرف كبار الباحثين الذكاء الاصطناعي بأنه “دراسة وتصميم أنظمة ذكية تستوعب بيئتها وتتخذ إجراءات تزيد من فرص نجاحها”، في حين يعرفه جون مكارثي -الذي وضع هذا المصطلح سنة 1955- بأنه “علم وهندسة صنع آلات ذكية”.
وخلال السنوات الأخيرة، قفز التطور في تقنية الذكاء الاصطناعي قفزات كبيرة، وتعد تقنية “التعلم العميق” أبرز مظاهره، وهي ترتكز على تطوير شبكات عصبية صناعية تحاكي في طريقة عملها أسلوب الدماغ البشري، أي أنها قادرة على التجريب والتعلم وتطوير نفسها ذاتيا دون تدخل الإنسان.
وأثبتت تقنية “التعلم العميق” قدرتها على التعرف على الصور وفهم الكلام والترجمة من لغة إلى أخرى، وغير ذلك من القدرات التي أغرت الشركات الأميركية في وادي السليكون، وتحديدا فيسبوك وغوغل، على الاستثمار وتكثيف الأبحاث فيها، متجاهلين تحذيرات من أن تطور الذكاء الاصطناعي قد يهدد البشرية.
لا شك أن كتابة ChatGPT واضحة، وتحمل فكرة مكتملة، لكن ربما تفتقر إلى إبداعية السرد التي يتقنها البشر فقط، ولا يمكن للآلات والتقنيات بلوغها. هذا هو الذكاء الاصطناعي، يسبق البشر في أداء المهمات، لكنه يفتقد البصمة الإنسانية في كيفية التفكير.
فغالبا ما يمكن للذكاء الاصطناعي معالجة معلومات أكثر من البشر، لكن هذا لا يمتد إلى قدرتنا على التفكير بالقياس. ويعتبر هذا النوع من التفكير أعظم قوة للذكاء البشري. وبينما يمكن للبشر التفكير في حلول لمشاكل جديدة بناء على العلاقات مع المواقف المألوفة، فإن هذه القدرة غائبة فعليا في الذكاء الاصطناعي.
وتلك خلاصة توصلت إليها، كلير ستيفنسون، الباحثة المهتمة في الذكاء والتفكير القياسي في الذكاء الاصطناعي، وذكاء الأطفال، وكيف يمكن أن يتعلم الاثنان من بعضهما البعض. في الواقع، يصعب على كثير منا فهم الذكاء الاصطناعي من زاوية عمل الخوارزميات والتقنيات المعقدة، فهل يمكن التعرف على هذا العالم من زاوية أخرى؟
قصتنا تقترح طريقة مختلفة لتبسيط الأمر. لنجرب أن نقضي يوما عاديا ننجز فيه عادات وواجبات تعودنا عليها من دون أن يخطر ببالنا السؤال: من ساعدنا على إتمامها؟
بداية الرحلة
حين تستيقظ صباحا، تحمل هاتفك الذكي، أيفون مثلا، لتجري جولتك الروتينية بين تطبيقاته. لكن هاتفك سيشترط إثبات هويتك كي يمنحك صلاحية الولوج إليه.
بالتأكيد أنت تستخدم (Face ID)، أي نظام التعرف على الوجه الذي صممته شركة أبل، ليسمح بإلغاء قفل الهاتف عبر المصادقة البيومترية على هويتك. هذه مهمة يقوم بها الذكاء الاصطناعي.
يمكن لـ (Face ID) رؤية وجهك بأبعاد ثلاثية، فهي تضيء وجهك، وتضع عليه 30 ألف نقطة غير مرئية من الأشعة تحت الحمراء، ثم تلتقط صورة.
في الخطوة الثانية تذهب صورتك للمعالجة عبر خوارزميات تقارن مسح وجهك بما هو مخزن من تفاصيل عنه، لتحديد ما إذا كان الشخص الذي يحاول فتح الهاتف هو أنت أم لا. فرصة خداع هذه الخاصية هي واحد بالمليون، بحسب ما تقول شركة أبل.
دخلت الآن إلى هاتفك، ستذهب أولا إلى تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تفضلها. هنا يستعد الذكاء الاصطناعي لمهمة أخرى، فهو يعلم أنواع المنشورات التي تفضلها، ويجهز لك اقتراحات الأصدقاء، حتى أنه قد يحدد لك الأخبار المزيفة أو المشكوك فيها، ويساعدك في بعض الأحيان بشرح منشور ما، مثل إخبارك أن منشورا عن وباء كورونا قد يترافق مع توضيح آلي يحميك من المعلومات المغلوطة.
إنشاء أفكار مختلفة تلقائيا
حسنا، قد تقرأ رسالة بريد إلكتروني تحتاج إلى رد مستعجل. الذكاء الاصطناعي جاهز لمساعدتك. وأنت تكتب الرسالة، هل لاحظت أن السطور تكتمل تلقائيا؟
أدوات الكتابة بالذكاء الاصطناعي (AI)، مثل WordHero، تساعدك على إكمال سطور الموضوع تلقائيا لرسائل البريد الإلكتروني، وليست هناك حاجة لإضاعة الوقت في التفكير فيما ستقوله.
سيقوم الذكاء الاصطناعي بالمهمة عبر إنشاء أفكار مختلفة تلقائيا بناء على بيانات مستلم الرسالة، والموضوع الذي تكتب فيه البريد الإلكتروني.
أدوات المساعدة الصوتية
بين العمل والشؤون الشخصية، أنت لا تستغني عن غوغل الذي تبحث فيه عن أشياء كثيرة. وفي اليوم تظهر لك إعلانات تحاكي حاجاتك، وما تحب من المنتجات. إنه الذكاء الاصطناعي.
قد تلجأ إلى أدوات المساعدة الصوتية مثل Siri و Alexa إلى Google Home و Cortana. أنت تستخدم هنا الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي مهم في طريقك للعمل، ستفحص خارطة غوغل لتعرف حركة المرور والازدحامات، كما أنك ستفحص الطقس، وربما أشياء أخرى يخدمك فيها الذكاء الاصطناعي.
الخدمات المصرفية التي تحتاجها مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، هي لا تخطئ. كما أن سيارتك مزودة بأشياء كثيرة تتمتع بها وأنت تقودها، وربما لا تحتاج أن تقود السيارة إن كانت مزودة بذكاء اصطناعي للقيادة الذاتية.
إذا كان منزلك ذكيا، سيكون مزودا بمنظمات الحرارة الذكية مثل Nest التي تتعرف على تفضيلات التدفئة والتبريد والعادات اليومية لضبط درجة الحرارة، حسب رغبتنا في الوقت المناسب للعودة إلى المنزل.
هل عدت إلى المنزل؟ شعرت بالجوع ففتحت الثلاجة الذكية؟ هي تُنشئ لك قوائم بما تحتاجه بناء على ما لم يعد موجودا فيها، وتقدم توصيات لما يمكن أن يناسب مع عشاءك هذا اليوم.
بالطبع، سيستمر الذكاء الاصطناعي في خدمتك حتى تخلد إلى الفراش مرة أخرى. قبل أن تغمض علينك، ستأخذ جهاز التحكم بالتلفاز، وتستعرض تطبيق نتفلكس (NETFLIX)، الذي يقدم لك توصيات عبر الذكاء الاصطناعي لما يمكن أن تستمتع به قبل أن تخلد إلى نوم عميق.
تخيل نفسك من دون ذكاء اصطناعي: تنتظر في الصباح الصحيفة لتقرأ عناوين عن أحداث الأمس، ثم تهرع إلى جهاز التحكم بالمكيف لتضبط الحرارة بشكل أفضل، ثم تخرج إلى العمل وأنت لا تعرف حال الطريق والطقس، مستخدما سيارة فقيرة بالتكنولوجيا تحتاج منك جهدا أكبر في التركيز والتعامل مع ظروف الطريق. كما ستنتظر نشرة أخبار الراديو لتحصل على بعض المعلومات المهمة.
ماذا لو كنت تحتاج إلى الوقوف في طوابير طويلة على شباك البنك، أو أنك تنتظر رسالة مهمة عبر الفاكس أو البريد العادي؟ قد تستغرق أياما. هل ستتحمل كل ذلك؟ خاصة إذا اكتشفت أنك ثلاجتك فارغة، أو أن حرارتها لم تناسب الطعام فأفسدته، في وقت أنت فيه بحاجة ماسة للطعام بعد يوم عمل طويل.
كيف يفهم الذكاء الاصطناعي؟
إجابة هذا السؤل فيها الكثير من التفاصيل، لكن الفهم البسيط لفلسفة الذكاء الاصطناعي تشير إلى أنه نظام محسوب قادر على نمذجة السلوك البشري، بحيث يمكنه استخدام عمليات التفكير الشبيهة بالإنسان لحل المشكلات المعقدة. فكيف يحدث ذلك؟
تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي من خلال الجمع بين مجموعات كبيرة من البيانات وخوارزميات المعالجة الذكية للتعلم من الأنماط والميزات في البيانات التي يقوم بتحليلها.
هو نظام يتعلم في كل لحظة، لا يمل من التعلم، ولا يتعب من أداء المهمات وتحليل البيانات. في كل مرة يدير فيها نظام الذكاء الاصطناعي جولة من معالجة البيانات، فإنه يختبر ويقيس أداءه، ويطور خبرة إضافية يترجمها إلى أداء أفضل في محاكاة الإنسان.
ولأن الذكاء الاصطناعي لا يحتاج أبدا إلى استراحة، فإنه يمكن أن يمر عبر مئات أو آلاف أو حتى ملايين المهام بسرعة كبيرة للغاية، ويتعلم الكثير في وقت قصير جدا، ويصبح قادرا على فعل أي شيء يتم تدريبه على إنجازه.
المهم أن نتذكر أن فكرة عمل الذكاء الاصطناعي لا تقوم على مجرد تصميم برنامج أو تطبيق محوسب واحد، بل تخصص كامل، أو علم فيه الكثير من التشعبات التي تكون على شكل تقنيات مختلفة.
لنأخذ مثالا عن السيارات ذاتية القيادة، فهي مليئة بأجهزة استشعار تدون باستمرار كل ما يدور حول السيارة، وتستخدم الذكاء الاصطناعي لإجراء التعديلات الصحيحة.
تلك المستشعرات تلتقط آلاف نقاط البيانات في كل مللي ثانية، مثل سرعة السيارة، وظروف الطريق، وأماكن المشاة، وحركة المرور، وما إلى ذلك.
يفسر الذكاء الاصطناعي تلك البيانات الهائلة ويتصرف وفقا لذلك. كل ذلك العمل المعقد يتم في الوقت الذي تستغرقه عينك لترمش.
لكن كما هو حال مقدمة هذه القصة التي كتبها الذكاء الاصطناعي، لا تزال هناك عيوب يعاني منها الذكاء الاصطناعي. فكما كانت مقدمة هذه القصة بحاجة إلى تدخل إنساني يحسن مستوى الكتابة الإبداعية، فإن السيارة ذاتية القيادة بحاجة في بعض الأحيان لانتباه السائق في بعض المواقف. فالطريق لا يزال طويلا حتى نتمكن من منح الذكاء الاصطناعي الثقة في القيادة بشكل مستقل تماما. وهذا ما تتسابق الشركات لبلوغه في عالم السيارات الذكية.
لنأخذ مثالا أبسط من ذلك، لابد أنك تعرف عن شركة آي روبوت (iRobot Corporation)، التي أسسها عام 1990 ثلاثة علماء من مختبر الذكاء الاصطناعي التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فقد صمموا روبوتات لاستكشاف الفضاء والدفاع العسكري. لكن المنتج الأكثر بساطة هو المكانس الكهربائية المنزلية (Roomba). كيف تعمل تلك المكانس الذكية؟
حين تأخذ المكنسة الذكية (Roomba) أمرا بتنظيف الغرفة، فإن الذكاء الاصطناعي يمسح حجم الغرفة، ويحدد العوائق، ويختار الطريقة الأكثر فعالية للتنظيف، حسب مستوى الاتساخ الذي قرأته المستشعرات. ثم يحدد مقدار ووقت التنظيف المطلوب لإتمام المهمة بناء على حجم الغرفة. كل ذلك يتم في ثوان معدودة، ومن دون تدخل بشري.
كما ذكرنا، فإن الذكاء الاصطناعي لا يقوم على فكرة برنامج أو تطبيق، بل هو تخصص وعلم يستخدم تقنيات ومجالات تكنولوجية معقدة لإتمام المهمات التي تحاكي حياة البشر، وتقدم لهم الخدمات، كما في المثالين السابقين، السيارة ذاتية القيادة والمكنسة الذكية.
هناك العديد من المكونات المختلفة لنظام الذكاء الاصطناعي، والتي يمكن وصفها بأنها مجالات فرعية لعلم الذكاء الاصطناعي الشامل.
التعلم الآلي (Machine Learning)
كي تؤدي الأجهزة وظيفتها بشكل متقن، فهي بحاجة لأمرين: التعلم واكتساب الخبرة من التجربة. والتعلم الآلي يوفر هذين المتطلبين. فهو تطبيق محدد للذكاء الاصطناعي يسمح لأنظمة الحاسوب أو البرامج أو التطبيقات بالتعلم تلقائيا، وتطوير نتائج أفضل بناء على الخبرة. يسمح التعلم الآلي للذكاء الاصطناعي باستكشاف الأنماط والاتجاهات في البيانات، ويستفيد من ذلك كي يحسن نتائج أي مهمة يتم إسنادها إليه.
التعلم العميق (Deep Learning)
نوع محدد من التعلم الآلي يسمح للذكاء الاصطناعي بالتعلم والتحسين من خلال معالجة البيانات. والتعلم العميق يستخدم الشبكات العصبونية الاصطناعية، التي تحاكي الشبكات العصبية البيولوجية في الدماغ البشري لمعالجة المعلومات، وإيجاد روابط بين البيانات، والتوصل إلى استنتاجات، أو نتائج تستند إلى التعزيز الإيجابي والسلبي.
هنا يمكن أن نعرف كيف يحاول الذكاء الاصطناعي محاكاة الإنسان، فالشبكة العصبونية تقلد نوعا ما الشبكة العصبية للدماغ البشري، وتحاكيها كي تتعلم منها. هذا الأمر يسمح باستيعاب مجموعات كبيرة من البيانات، وكشف الأنماط بين البيانات، والإجابة على الأسئلة المتعلقة بالمهمة المناطة بالذكاء الاصطناعي.
والشبكة العصبونية هي عملية يجري فيها تحليل مجموعات البيانات بشكل متكرر للعثور على ارتباطات وتفسير المعنى من البيانات غير المحددة.
الحوسبة المعرفية مكون مهم آخر لأنظمة الذكاء الاصطناعي، ومهمته تقليد التفاعلات بين البشر والآلات، مما يسمح لنماذج الحاسوب بالتقاط الإشارات وتقليد الطريقة التي يعمل بها العقل البشري عند أداء مهمة معقدة، مثل تحليل النص أو الكلام أو الصور.
عين الحاسوب ولغة البشر
لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون بهذا الشكل المبهر من دون اللغة التي يتكلم بها البشر. وتقنية معالجة اللغة الطبيعية جزء مهم من عملية الذكاء الاصطناعي، لأنها تسمح لأجهزة الحاسوب بالتعرف على اللغة البشرية وتحليلها وتفسيرها وفهمها، سواء كانت مكتوبة أو منطوقة.
ومعالجة اللغة الطبيعية أمر بالغ الأهمية لأي نظام يحركه الذكاء الاصطناعي، ويتفاعل مع البشر بطريقة ما، إما عن طريق النص أو المدخلات المنطوقة. تذكر مثلا الذكاء الاصطناعي في المساعدين الصوتيين مثل Siri و Alexa إلى Google Home و Cortana. اللغة الطبيعية المنطوقة لدى البشر عنصر مهم لهذه الخدمة.
وتماما كما تعمل العين البشرية وتتعاون مع الشبكة العصبية لتمرير البيانات إلى الدماغ لمعالجتها، وبالتالي فهم الصور أو المشاهد التي أمامنا، فإن الرؤية الحاسوبية تعمل بنفس الفلسفة.
وأحد الاستخدامات الكثيرة لتقنيات الذكاء الاصطناعي هي الرؤية الحاسوبية التي تعني القدرة على مراجعة محتوى الصورة وتفسيره عبر التعرف على الأنماط والتعلم العميق.
وتساعد الرؤية الحاسوبية أنظمة الذكاء الاصطناعي على تحديد مكونات البيانات المرئية.
لاحظ أن التقنيات الخمسة الأساسية التي تقف خلف فكرة الذكاء الاصطناعي مصصمة على أساس تقليد ومحاكاة العقل البشري والشبكة العصبية التي تربط أعضاء الجسم بالدماغ. هذا هو سر الذكاء الاصطناعي، يخدم الإنسان، لكنه يتعلم ويأخذ الخبرة منه.
والفرق أن الذكاء الاصطناعي يسبق الإنسان في إنجاز المهمة. وهذا ما يدفع الشركات للتفكير باستبدال الإنسان بأدوات روبوتية مجهزة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، كي تعمل من دون كلل أو ملل، وتنفذ المهمات في وقت قياسي، لا يمكن للبشر بلوغه بطبيعتهم الفيسيولوجية.
مخاوف
ففي أواخر 2014 أشار عالم الفيزياء الراحل ستيفن هوكينغ إلى أن تطوير ذكاء اصطناعي كامل قد يمهد لفناء الجنس البشري، محذرا من قدرة الآلات على إعادة تصميم نفسها ذاتيا.
كما أعلن المؤسس والرئيس السابق لشركة مايكروسوفت بيل غيتس في 2015 عن رغبته في بقاء الروبوتات غبية إلى حد ما، وقال “أنا في معسكر من يشعر بالقلق إزاء الذكاء الخارق”.
وفي العام ذاته وصف المخترع والمستثمر الأميركي إيلون ماسك الذكاء الاصطناعي بأنه من أعظم المخاطر التي تهدد الوجود البشري، كما شبه تطوير الآلات الذكية “باستحضار الشيطان”.
ويستثمر ماسك (مؤسس مشروع صواريخ الفضاء التجارية سبيس إكس، وسيارات تسلا الكهربائية) وغيره ملايين الدولارات في أبحاث لاكتشاف المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي وكيفية التعامل معها.
رغم الكم الهائل من ميزات الذكاء الاصطناعي الذي سهل حياة البشر، إلا أن العيوب تحاصره، وتجعل من الصعب على البشر الثقة به بشكل كامل. بل يرى البعض أنه يهدد مستقبل البشرية.
قادة عالم التكنولوجيا يأملون أن يكون الذكاء الاصطناعي بديلا أفضل من الأنظمة التقليدية في الشركات والسوق والحياة اليومية للبشر. لكن المشكلة الحقيقية هي معرفة البشر لماهية الذكاء الاصطناعي والثقة به. وبصرف النظر عن المتحمسين للتكنولوجيا وطلاب الجامعات والباحثين، لا يوجد سوى عدد محدود من الأشخاص الذين يدركون حقا إمكانات الذكاء الاصطناعي.
البطالة
فكرة الأتمتة والذكاء الاصطناعي في أماكن العمل ترعب البشر. لأنها تفرض البطالة وتلغي فرص العمل. وهنا أسئلة تثار حول الوظائف التي سيتم استبدالها بالآلات في المستقبل.
يشير بعض الخبراء إلى أن التحولات المحتملة في الوظائف باتت وشيكة بحلول عام 2030 ، ويقدرون أن ما بين 75 مليون إلى 375 مليون عامل (3 إلى 14 في المئة من القوة العاملة العالمية) سيحتاجون إلى تبديل الوظائف، وتعلم مهارات جديدة.
الخوارزميات المتحيزة
قبل سنوات، استخدمت شركة أمازون الذكاء الاصطناعي في عملية التوظيف، وكانت مهمة الذكاء الاصطناعي تصنيف المرشحين من نجمة إلى خمس نجوم. تسببت البيانات التي تدرب عليها النظام في وقوع تمييز واضح ضد المرأة.
السبب في ذلك أن نماذج الحاسوب في أمازون تم تدريبها لفحص المتقدمين من خلال مراقبة الأنماط في السير الذاتية المقدمة إلى الشركة على مدى 10 سنوات، مفضلة بشكل فعال المرشحين الذكور، وتجاهل السير الذاتية التي تتضمن كلمة “امرأة”.
هذا التحيز تسبب به الذكاء الاصطناعي. إذ يمكن أن تؤدي عيوب التصميم أو البيانات الخاطئة وغير المتوازنة التي يتم إدخالها في الخوارزميات إلى برامج متحيزة.
هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي يعيد إنتاج التحيز القائم على العرق والجنس والعمر الموجود بالفعل في المجتمع، ويزيد من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية.
المعلومات المضللة
مع تقنية التزييف العميق والروبوتات عبر الإنترنت التي تنشر معلومات مضللة، قد يواجه المجتمع حدودا ضبابية بين الواقع والخيال، وهذا خطر حقيقي تسببه العيوب التي يعاني منها الذكاء الاصطناعي.
هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى
تهيمن شركات التكنولوجيا الكبرى على الذكاء الاصطناعي. منذ عام 2007 ، اشترت شركة غوغل ما لا يقل عن 30 شركة ذكاء اصطناعي تعمل في كل شيء.
لكن غوغل ليست الوحيدة التي تنافس على الهيمنة، ففي عام 2016 ، أنفقت غوغل وأبل وميتا ومايكروسوفت وأمازون ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي يقدر بنحو 39 مليار دولار على الأبحاث المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والتطوير.
هذا الواقع يعني أن شركات التكنولوجيا الكبرى هي من سيحدد الاتجاه الذي تتخذه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وقد يبقى الإنسان العادي منقوص المعرفة عن هذا العالم المعقد، وسريع التطور والتغير.
تطور بطيء
ويرى بعض الخبراء أن تقنيات الذكاء الاصطناعي لن تتسبب في أي مخاطر على الجنس البشري، ومن هؤلاء أستاذ علم الحاسوب بجامعة مونتريال الكندي يوشوا بينغيو، الذي يرى أنه لا ينبغي القلق من التقنيات الذكية، فهي تحتاج لسنوات كثيرة من التطور البطيء والتدريجي قبل أن تصل إلى المدى الذي يخشاه المحللون، لأنها تستند في تطورها إلى علوم وأفكار ما تزال في بداياتها الأولى حاليا.
ويؤكد بينغيو أن الوصول إلى الذكاء الاصطناعي بشكله المنتظر لن يكون مفاجئا، أي ليس كما يشبهه البعض باكتشاف وصفة سحرية خارقة على حد تعبيره، فما زال إنتاج أنظمة الذكاء الاصطناعي المتكاملة بحاجة إلى تطور علوم حالية وابتكار علوم جديدة، أي -بتعبير آخر- لن يخرج أحد العلماء بتقنية ذكية من شأنها تغيير العالم بين ليلة وضحاها، كما في أفلام الخيال العلمي.
قفزات مستقبلية
من ناحية أخرى، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي تتطور بسرعة كبيرة، وتصبح أكثر تعقيدا كل عام، ويرى الباحث المتخصص في مجال الذكاء الاصطناعي لدى شركة غوغل وجامعة تورنتو جيوفري هينتون أن الآلات ستوازي الإنسان ذكاءً خلال خمسة أعوام من الآن.
ويقف هينتون خلف تطوير برنامج غوغل الذكي “ألفاغو” الذي هزم بطل العالم في لعبة “غو”، لكنه لا يرى أن علينا خشية الذكاء الاصطناعي، لأن أي تقنية جديدة قد تكون مثيرة للخوف في حال أسيء استخدامها، حسب قوله، وأن المسالة تتعلق بكيفية تعاملنا مع التكنولوجيا بشكل لا يجعل منها مؤذية للبشر.
وتعدّ شركتا غوغل وفيسبوك رائدتين في مجال تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ فهذه التقنية تساعد غوغل على تطوير خدماتها بشكل كبير، فمثلا -وبفضل هذه التقنية- يمكن لهاتف أندرويد فهم أوامر مستخدمه، والترجمة الفورية للعبارات المكتوبة بلغة أجنبية على اللافتات في الطرقات، كما تسهم التقنية في دعم محرك البحث غوغل، الذي يعدّ أبرز منتجات الشركة.
أما بالنسبة لفيسبوك، فيسمح التعلم العميق للشبكة الاجتماعية بالتعرف على الوجوه في الصور، واختيار المحتوى المناسب وعرضه للمستخدم على صفحة آخر الأخبار، ودعم المساعد الشخصي الرقمي التابع لفيسبوك (إم)، وغير ذلك من الوظائف.
ويرى المدير التنفيذي لشركة ألفابت -الشركة الأم لغوغل- سوندار بيشاي أن عصر الهواتف الذكية اقترب من نهايته ليُستبدل بالذكاء الاصطناعي الذي يتيح الوصول الفوري إلى المعلومات الضرورية، كما يرى مؤسس فيسبوك ورئيسها التنفيذي مارك زوكربيرغ أن الأجهزة ذات الذكاء الاصطناعي ستستطيع يوما ما أن تتمتع بالحواس الإنسانية مثل الرؤية والشعور أكثر من البشر أنفسهم.
المصدر: وكالات