حزب الله والرعب الذي زرعه في قلوب الإسرائيليين
21 سبتمبر:
بالإضافة إلى الهجمات العنيفة على المراكز العسكرية للکیان الإسرائيلي، قام حزب الله أيضًا ببث الرعب في قلوب المستوطنين الصهاينة في شمال فلسطين المحتلة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، ناهيك عن الحرب النفسية التي يشنها حزب الله اللبناني ضد الكيان الصهيوني، ولقد فتح حزب الله جبهة أخرى ضد المحتلين تماشياً مع الحرب النفسية بين الطرفين، وأعلنت وسائل إعلام تابعة للكيان الصهيوني أن مستوطني شمال فلسطين المحتلة تلقوا رسائل واتساب وبرقيات أرسلها لهم حزب الله بأرقام مجهولة، وتتضمن هذه الرسائل مشاهد الدمار والحرائق الناجمة عن الحرب الحالية، واعتبر حزب الله في رسائله أن هذا الوضع ناجم عن استمرار الحرب، ما أثار الرعب الذي زرعه حزب الله في قلوب الصهاينة عبر شبكات التواصل الاجتماعي من جديد.
حرب نفسية ضد الكيان
حسب المعطيات، إن حزب الله يسجل ويبث عملياته العسكرية ضد الكيان الصهيوني بشكل يومي، بهدف توثيق الخسائر التي لحقت بالجيش الصهيوني وتدمير معداته العسكرية، وهو يخفي هجمات حزب الله، وفي المقابل يبحث المحتلون عن ثغرة في المقاومة بأساليب مختلفة، من أدوات التجسس والاستخبارات لهذا الكيان إلى اختراق الكاميرات وشبكات الاتصال، وسبق أن أعلن حزب الله أن المحتلين يسعون إلى إجراء اتصالات هاتفية مع اللبنانيين بأرقام لبنانية وعبر الهواتف الأرضية والخلوية للحصول على معلومات عن بعض الأشخاص وأماكن إقامتهم وكذلك عن حالة بعض المنازل، ويتصل المحتلون برقم لبناني بلهجة لبنانية كاملة للحصول على معلومات عن أفراد العائلة الذين اتصلوا وعن مساكنهم، لمعرفة ما إذا كانت قوات المقاومة متواجدة في بعض المنازل التي ينوون مهاجمتها أم لا.
ويتواصل التصاعد العسكري بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله اللبناني على الحدود اللبنانية، حيث يظهر أن نطاق العمليات الإسرائيلية التكتيكية يتسع يوماً بعد يوم، حيث تجاوزت الحدود الشمالية لنهر الليطاني بضعة كيلومترات، ويتمحور اهتمام الاحتلال حالياً حول عمليات استهداف دقيقة، حيث تم اغتيال عدد من الشخصيات البارزة في صفوف حزب الله، من بينهم حسام طويل، المعروف أيضاً بـ “الحاج جواد”، والذي كان قائدًا في “قوة الرضوان” وتم اغتياله في 8 يناير/كانون الثاني 2024، وفضلاً عن ذلك، قام الاحتلال بسحب جميع عناصر الفرقة الـ36 من قطاع غزة، وهي تشمل لواء غولاني واللواء 188 واللواء السابع المتخصص في المدرعات والمدفعية والهندسة، وقد ربط المراسل العسكري لموقع “والا” الإلكتروني، أمير بوحبوط، هذا الانسحاب بجهود الاحتلال “للحفاظ على جاهزية قواته في ظل التهديدات المتزايدة على الجبهة الشمالية مع لبنان”.
وعلى الرغم من جهود حزب الله في الحفاظ على التوازن بين الحفاظ على مستوى الردع دون الانجرار نحو الحرب المفتوحة، فإن تأثيرات عملية “طوفان الأقصى” التي جرت في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعزز مخاوف الاحتلال الإسرائيلي من تكرار مثل هذه الأحداث على الحدود الشمالية، وبالتالي، يتجه الاحتلال نحو التصعيد التدريجي، وتثير فكرة مواجهة محتملة بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي تساؤلات كثيرة، وأيضا القلق بشأن المخاطر التي يمكن أن يواجهها الاحتلال في أي تصاعد على الصعيدين العملي والاستراتيجي، ويشير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إلى أن هذه المواجهة قد تفرض على الاحتلال تحديات جديدة وأكثر صعوبة من تلك التي واجهها في حروبه السابقة في قطاع غزة أو في المواجهات السابقة مع حزب الله، ما قد يؤثر على خصائص الحرب في حال اندلاعها.
وفي السنوات الأخيرة جرى تعزيز قدرات “محور المقاومة” التقليدية، و، تحول هذا المحور إلى تحالف قوي يضم كيانات ذات قوة عسكرية كبيرة، يتصدرها حزب الله، الذي يعد واحدًا من أقوى المنظمات شبه الحكومية في العالم، حيث اكتسب خلال العقد الأخير قدرات نارية هائلة ومتنوعة، ويقدر معهد دراسات الأمن القومي مخزون حزب الله من الصواريخ بنحو 150 ألف صاروخ، يشمل المدى القصير والمتوسط والطويل، ما يجعله قادرًا على تغطية كامل أراضي فلسطين المحتلة تقريبًا، ويتزايد هذا التهديد مؤخرًا نتيجة لجهود حزب الله في تطوير مشروع الصواريخ الدقيقة، وهي تشمل الصواريخ الباليستية، وصواريخ الكروز، وصواريخ أرض-بحر، بالإضافة إلى المسيّرات الهجومية التي كشف عن بعضها حزب الله من خلال وسائل إعلامه الحربي.
أخطاء إسرائيلية جسيمة
اعترفت تحليلات إسرائيلية ب”أخطاء تكتيكية جسيمة” ساهمت في نجاح هجمات حزب الله منذ بداية معركة “طوفان الأقصى”، إضافة إلى التحديات التكتيكية التي تواجه الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك معضلة الصواريخ الموجهة المضادة للدروع، حيث يستخدم الحزب هذه الأسلحة كوسيلة قنص، والتي ثبتت صعوبة اعتراضها بواسطة القبة الحديدية، نظرًا لارتفاعها المنخفض وسيرها بخط مستقيم نحو الهدف، ومن جهة أخرى، سعى الاحتلال الإسرائيلي إلى وقف تنامي قوة حزب الله من خلال استراتيجية “المعركة بين الحروب”، حيث استهدف مستودعاته وخطوط إمداده عبر العراق وسوريا، ويظهر أن هذه الاستراتيجية لم تمنع حزب الله من تطوير قدراته وتراكمها.
وقام حزب الله أيضًا بتكثيف جهوده لتطوير القدرات الهجومية البرية من خلال رفع كفاءة “قوة الرضوان”، وهي فرقة نخبوية مدربة تدريبًا جيدًا تضم آلاف المقاتلين وفقًا لشبكة “بي بي سي” الإخبارية، وقامت “قوة الرضوان” بتكوين خبرة مهمة نتيجة لمشاركتها إلى جانب حكومة الرئيس الأسد في مواجهة الفصائل المسلحة، وعلى الرغم من كشف وتدمير العديد من الأنفاق على طول الجبهة الشمالية خلال عملية “درع الشمال” في يناير/كانون الثاني 2019 من قبل الاحتلال، إلا أن مهمة مقاتلي “الرضوان” تركز بشكل رئيسي على دخول الجليل، حيث يكون محور اهتمامها الرئيسي، وهذا بطريقة تشبه إلى حد كبير ما قامت به نخبة القسام في “طوفان الأقصى”.
وقد قامت وحدة المعلومات القتالية التابعة لحزب الله في يناير/كانون الثاني 2023 بنشر مشاهد تدريبية لمقاتلي الحزب، تحاكي تسللهم إلى الأراضي المحتلة، ما يظهر التحضير الدقيق والاستعدادات التكتيكية لهذه القوة، ويشكل وجود المقاومة قرب الحدود السورية مع فلسطين المحتلة، من خلال مستشاريها والجماعات الموالية لها، تحولاً استراتيجياً كبيراً، على الرغم من التصدي المتكرر ضمن “المعركة بين الحروب”، التي ساعدت “إسرائيل” في إضعاف جهود إنشاء قواعد عسكرية في بعض المناطق في سوريا، إلا أن ذلك لم يمنعها من نشر بطاريات صواريخ أرض-أرض وطائرات مسيرة هجومية، إضافةً إلى وجود العديد من المستشارين والعشرات آلاف من المقاتلين.
ويأتي ذلك في سياق جهود حزب الله، لإقامة مواقع قرب الجولان السوري وتشكيل مجموعات محلية تابعة له، بالإضافة إلى وجود مجموعات أخرى تتبع للمقاومة الفلسطينية، والتي يُرجح أنها تقف وراء بعض الهجمات بالقذائف والطائرات المسيرة على هضبة الجولان في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتتخوف “إسرائيل” بشكل أساسي من اندلاع حرب متعددة الجبهات، حيث يتضمن هذا السيناريو قتالاً متزامناً في مناطق قريبة وبعيدة، في الحروب السابقة على قطاع غزة، كان بإمكان جيش الاحتلال تحديد محاور القتال والجبهات الرئيسية والفرعية، وتحديد أولوياته وتوزيع الاهتمام والموارد بشكل فعال، ولكن في حالة حرب واسعة النطاق، ستكون هناك صعوبة في السيطرة على حدود الحرب ومدتها.
حرب ليست في مصلحة تل أبيب
في حالة اندلاع حرب متعددة الجبهات في الشمال، على سبيل المثال، قد يحاول حزب الله العمل من الجولان السوري، وفي هذا السياق، قد تتدخل المجموعات الموالية للمقاومة في سوريا وربما في غرب العراق أيضاً، وهذا السيناريو تتم مراعاته بعناية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث قام بإجراء مناورات برية في شمال مرتفعات الجولان في يوليو/تموز 2023، أي قبل ثلاثة أشهر من عملية “طوفان الأقصى”، والتحدي الرئيسي الآخر الذي ستواجهه “إسرائيل” في الحرب المقبلة، وفقًا لمعهد دراسات الأمن القومي، هو التهديد الذي يمثله حزب الله ضد الجبهة الداخلية الإسرائيلية أيضًا، ومن المتوقع أن تتعرض الجبهة الداخلية لأضرار واسعة النطاق، على الأقل في المرحلة الأولى من الحرب.
وتشمل هذه الأضرار استهداف قدرات “إسرائيل” الحيوية من خلال ضرب منشآت جيش الاحتلال الرئيسية، مثل المقر الرئيسي وقواعد سلاح الجو ومراكز تعبئة قوات الاحتياط، بالإضافة إلى البنية التحتية الاستراتيجية والخدمات الحيوية، مثل الموانئ البحرية والجوية ومرافق الطاقة والمياه والنقل، وتُضاف إلى ذلك عمليات استهداف مقرات حكومة الاحتلال والمرافق الاقتصادية والمراكز السكانية، تهدف مثل هذه التكتيكات إلى تقويض شعور الإسرائيليين بالأمان والقدرة على البقاء في الأراضي المحتلة، ويمكن أن يلجأ الاحتلال الإسرائيلي إلى خطوات تتسم بكونها “استباقية” و”حذرة” في آن واحد، وخاصةً بعد أن كلّف الفشل الميداني في غزة جيشه الكثير على كل المستويات.
وأمام هذه التحديات، سيحتفظ الاحتلال في المقام الأول بإستراتيجيته الحالية لتأخير وتعطيل تراكم قوة حزب الله في لبنان والمقاومة في سوريا من خلال “المعركة بين الحروب”و يمكن أن تجنح الأزمة الداخلية التي يمر بها نتنياهو وحكومته وقادة جيش الاحتلال بهم نحو خطوات متهورة، يعتقدون أن هذه الخطوات قد تمنحهم إنجازات معينة لتعويض فشلهم في غزة.