العالم على شفا أزمة اقتصادية كبيرة… الدول العربية ستكون أولى الضحايا
21 سبتمبر:
وقع الاقتصاد العالمي ضحيّة أزمة اقتصادية لم نشهد لها مثيلاً خلال عام 2020 بفعل الإغلاقات التي أقامتها حكومات العالم للحد من انتشار فيروس كورونا آنذاك، واستنفرت البنوك المركزية والحكومات لاتخاذ إجراءات تحفيزية لم يشهد لها العالم مثيلاً عبر التاريخ.
وقامت البنوك المركزية بخفض معدّلات الفائدة بشكل حاد، وأقرّت خطط برامج لشراء الأصول، في سبيل توفير سيولة كافية لإخراج الاقتصاد العالمي من أسوأ ظروف شهدها منذ الحرب العالمية الثانية.
كما توجّهت حكومات الدول لضخّ تريليونات من الدولارات في الاقتصاد العالمي، لتشارك هي الأخرى البنوك المركزية في المهمّة “المستحيلة” لإنقاذ العالم من كساد اقتصادي، كان سيأخذنا لعصر أزمة عالمية تمتد لعقود.
وفعلاً، استطاعت البنوك المركزية بمساندة الحكومات من إخراج الاقتصاد العالمي من ركوده، وبدأ سلسلة النمو الاقتصادي التاريخية.
وحسب مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي، حققت الولايات المتحدّة نمواً قياسياً الربع الثالث 2020 بلغت نسبته 33.8%، كما نما اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 12.6% لنفس الفترة حسب بيانات اليوروستات الرسمية، كما أن الاقتصاد البريطاني حقق توسّعاً بلغت نسبته 17.6% حسب أرقام مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، وحقق اقتصاد اليابان نمواً بلغت نسبته 5.3%.
حققت الدول العظمى خلال الربع الثالث عام 2020 نمواً كبيراً أخرج الاقتصاد العالمي من أزمته، واستمر النمو الاقتصادي في الولايات المتحدّة طوال الفترة منذ الربع الثالث عام 2020 واستمر حتى الربع الرابع 2021.
فارتفاع الإنفاق الحكومي الذي ترافق بأسعار فائدة متدنية للغاية وبرامج شراء للأصول، تسببت كلها بارتفاعات هائلة بالتضخّم.
وبدأ التضخّم بالخروج عن السيطرة شهر مارس 2021، وارتفع فوق 2% حسب مؤشر أسعار المستهلكين الصادر من مكتب إحصاءات العمل الأمريكي. لكن، لا أحد شعر بالقلق آنذاك من ارتفاع التضخّم إلى 2.6%. لكن، تسارع ارتفاع التضخّم ليصل نهاية عام 2021 إلى 7%، وهذه القيمة من التضخّم دقّت ناقوس الخطر في أكبر اقتصاد في العالم، اقتصاد الولايات المتحدّة الأمريكية الذي يزيد حجمه عن الـ 20 ترليون دولار.
من هنا، نرى بأن أزمة التضخّم لم تكن فقط نتاج التوتّرات الجيوسياسية الروسية الأوكرانية! بل هي عبارة عن آثار جانبية لسياسات البنوك المركزية والحكومات لإخراج العالم من أزمة 2020. كذلك، تضررت سلاسل التوريد والإمدادات تسببت بارتفاع أسعار الواردات وتكاليف الصادرات، ما فاقم أزمة التضخّم.
عام 2022، تجددت قفزات التضخّم، حيث تسببت الأزمة الروسية الأوكرانية باندفاع صاعد حاد لأسعار النفط والغاز والغذاء والعديد من السلع الاستهلاكية والمواد الأساسية الأخرى، ليصل التضخّم في الولايات المتحدّة لأعلى مستوى منذ نحو 40 عاماً عند 8.5%، وارتفع التضخّم في منطقة اليورو إلى أعلى قيمة على الإطلاق 7.5%، فيما عانت المملكة المتحدّة وصول مؤشر أسعار المستهلكين إلى نسبة لم تشهدها بريطانيا منذ أوائل تسعينات القرن الماضي عند 7%.
الاقتصادات الضعيفة مهددة بشكل كبير
هذه التطورات دفعت أربع مؤسسات مالية واقتصادية دولية، مجتمعة، للتحذير من تداعيات هذه الحرب، وخصوصاً على الاقتصادات الضعيفة.
وأجمعت المؤسسات الأربع: البنك وصندوق النقد الدوليين، ومنظمة التجارة العالمية، وبرنامج الغذاء العالمي، في بيان مشترك الأسبوع الماضي، على أن الحرب في أوكرانيا ستؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي برمته، وستكون تداعياتها أشد وطأة في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل.
واجتمعت الأزمات الثلاث: المناخ، وكورونا، والحرب في أوكرانيا، في وقت تغرق فيه العديد من الدول العربية في أزمات مالية واقتصادية، تقربها يوما بعد يوم من حافة الإفلاس.
والإفلاس يكون عندما تصل الدولة إلى مرحلة تعجز فيها عن الاستيراد لعدم توافر النقد، وعدم سداد الديون، وعدم القدرة على سداد أجور موظفي الدولة، وهي عوامل لم تجتمع حتى اليوم معاً في أي من الدول العربية المهددة بالإفلاس.
لبنان
دخل لبنان في أزمة مالية واقتصادية حادة، بدءا من أكتوبر/تشرين الأول 2019، تفاقمت حتى وصفها البنك الدولي بأنها واحدة من أشد الأزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
ويئن لبنان تحت واحد من أكبر أعباء الدين في العالم، بحجم ديون تبلغ نحو 100 مليار دولار، منها نحو 62 مليار دولار دين محلي بالليرة اللبنانية، 38 ملياراً منها دين خارجي دين خارجي بالعملات الأجنبية، أبرزها الدولار.
وقد دفعت الأزمة المالية والاقتصادية التي دخلتها البلاد إلى أعلنت الحكومة اللبنانية في مارس/آذار 2020، توقفها عن سداد الدين الخارجي، لعدم توافر الموارد الكافية لخدمة هذا الدين.
ومنذ ذلك الحين، تسارع الانهيار المالي في البلاد، إذ تراجع احتياطي لبنان من النقد الأجنبي من نحو 38 مليار دولار في 2019 إلى نحو 15 مليار دولار حاليا، جميعها احتياطيات الزامية للجهاز المصرفي لا تستطيع الحكومة استخدامها في تغطيات واردات السلع الأساسية.
وعلى مدى نحو عامين، منذ أكتوبر 2019، فقدت الليرة اللبنانية نحو 90 بالمئة من قيمتها، وبعد أن كانت مستقرة عند نحو 1500 ليرة مقابل الدولار على مدى 20 عاما، انحدرت ليصرف الدولار حاليا بنحو 31 ألف ليرة.
ومع شح الدولار في الأسواق، امتنعت المصارف اللبنانية عن تسحيب المودعين لودائعهم بالدولار، ووضعت سقفا على السحب بالعملة المحلية مع الإبقاء على سعر الصرف في عمليات السحب معادلا للسعر الرسمي (1500 ليرة للدولار)، ما يعني فقدان الودائع الدولارية لنحو 80 بالمئة من قيمتها.
السودان
مع سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في 2018، دخل السودان حقبة جديدة من تاريخه، وتزايدت الجهود والآمال لعودته إلى النظام المالي العالمي، بعد 25 عاما على العزلة منذ أدرجته الولايات المتحدة على قائمة “الدول الداعمة للإرهاب”.
أدخلت العزلة الدولية السودان في العديد من الأزمات المالية والاقتصادية، خصوصا بعد فقدان البلاد أكثر من 75 بالمئة من مواردها النفطية باستقلال دولة جنوب السودان في عام 2011.
بنهاية حكم البشير، بلغ الدين الخارجي للسودان حوالي 60 مليار دولار، معظمها متأخرات لصندوق النقد الدولي وباقي دائنيه نادي باريس.
وبالفعل، ضم صندوق النقد الدولي السودان لمبادرته تخفيف الديون عن الدول الفقيرة “هيبيك”، ما سمح بإعفائه من 23.5 مليار دولار، ضمن عملية كان يؤمل أن تنتهي بإعفاء الخرطوم من نحو 54 مليار دولار، ومنحه مليارات الدولارات تمويلات من صندوق النقد وغيره من المانحين.
كل ذلك، كان مشروطا بإصلاحات اقتصادية جذرية، من بينها تعويم الجنيه السوداني، وهو ما تم فعلا على مرحلتين: في فبراير/شباط 2021، وفبراير 2022، ما أدى إلى تراجع حاد في قيمة العملة المحلية، من 55 جنيها للدولار الواحد إلى حدود 400 جنيها للدولار.
من شروط صندوق النقد ايضا، رفع تدريجي للدعم عن الوقود، وصولا إلى إلغاء الدعم بالكامل في يونيو/حزيران 2021.
وأدى انهيار العملة ورفع الدعم عن الوقود وسلع اساسية اخرى إلى تفاقم التضخم في السودان، ليصل إلى حدود 300 بالمئة.
مصر
يعيش المصريون أجواء اقتصادية أشبه بتلك التي صاحبت تعويم الجنيه نهاية عام 2016، ووصفتها الحكومة حينها “بالدواء المر” من أجل التعافي من آثار السياسات الاقتصادية الخاطئة على مدار عقود مضت، وانخفض الجنيه حينها إلى مستويات قياسية فاقدا أكثر من 50% من قيمته وهبطت معه قيمة مدخرات المصريين، وارتفعت الأسعار بقوة، وقفز التضخم إلى مستويات قياسية.
في الوقت الذي كان ينتظر فيه المصريون انتهاء مشوار الإصلاح الاقتصادي وبرنامج صندوق النقد الدولي بعد تجرع “الدواء المر” طوعا وكرها، وجني ثمار الصبر والمثابرة، وجدوا أنفسهم أمام أزمة اقتصادية جديدة لكن تبدو ملامحها هذه المرة أكثر قتامة، ووطأتها أكثر شدة بعد قرار الحكومة المصرية، قبل أيام، خفض قيمة الجنيه أكثر من 17% ورفع معدلات الفائدة 1% واللجوء إلى صندوق النقد الدولي مجدداً
تونس
في عامي 2010 و2011، نما إجمالي الناتج المحلي التونسي بمتوسط 9 بالمئة، لكنه بدأ بالتباطؤ اعتبارا من 2012 وصولا إلى انكماش بنسبة 0.15 بالمئة في 2014.
ورغم عودة اقتصاد تونس للنمو في السنوات التالية، إلى أنه حافظ على نسبة منخفضة، إذ لم يتجاوز النمو منذ 2017 نسبة 1.5 بالمئة حتى 2019، إلى أن جاءت جائحة كورونا في 2020 بانتكاسة للاقتصاد التونسي، الذي انكمش بنحو 8.8 بالمئة.
حافظ الاقتصاد التونسي على معدل بطالة أقل من 12 بالمئة حتى 2010، لكنه تزايد باضطراد بعد 2011، ليحافظ على معدل قرب 17 بالمئة حتى 2021.
وبلغ إجمالي الدين العام التونسي في 2010 حوالي 16 مليار دولار أو ما يعادل 55 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، ليرتفع إلى 20.6 مليار دولار في 2017، ثم إلى 29 مليار دولار بنهاية 2020.
ويتوقع البنك المركزي ارتفاع الدين إلى 35 مليار دولار بنهاية 2021، أو ما يزيد على 100 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، في حال نجحت مساعي تونس بالحصول على قروض خارجية جديدة، الجزء الأكبر منها من صندوق النقد الدولي.
وبلغ العجز في الموازنة العامة التونسية حوالي 7 مليارات دولار و8.5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد في 2021.
كما تواجه المالية العامة عبئا آخر، إذ عليها توفير حوالي 15.5 مليار دينار (5.6 مليار دولار) لخدمة الدين، منها 10 مليارات دينار (3.6 مليارات دولار) بالنقد الاجنبي.
وتتفاوض تونس مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بنحو 4 مليارات دولار، لكن الصندوق يشترط خفضا حاسما في الإنفاق، وخصوصا في بندي الرواتب ودعم السلع الأساسية.
اليمن
رغم أن مديونية اليمن أقل بكثير من معظم الدول العربية، بواقع 10 مليارات دولار في أواخر 2021 وفق بيانات رسمية، إلا أن المشكلة الأساسية للبلد الذي يعاني حربا مستمرة منذ سبع سنوات تتمثل بافتقاره للسيولة لتغطية وارداتها من السلع، وتمكين الحكومة المعترف بها دوليا في جنوب البلد.
بالتوازي مع الحرب العسكرية التي بدأت في 2015، تدور في الخفاء حرب مالية اقتصادية، إذ صادر الحوثيون الاحتياطيات النقدية للبنك المركزي عندما سيطروا على العاصمة صنعاء، وتقدر بنحو 5 مليارات دولار.
وتوالت عمليات مصادرة الأصول والاحتياطيات النقدية من قبل الحوثيين، لتطال بين عامي 2016 و2018 أصول هيئة التقاعد والمعاشات وصناديق التقاعد والعديد من البنوك والشركات، بإجمالي 6 مليارات دولار وفق تقارير دولية.
وقد شكلت مصادرة هذه المبالغ من النقد الأجنبي رفعا للغطاء عن الريال وأدت إلى فقدان الدولار من الأسواق، وكانت هذه بداية انهيار العملة اليمنية.
في آذار 2014، كان الدولار يصرف بنحو 214 ريال يمني، لينحدر في أواخر 2021 إلى حوالي 1800 ريال للدولار الواحد.
وأدى هذا الانهيار للعملة المحلية، وفقدان العملات الصعبة لتمويل الواردات، إلى أزمات شملت جميع السلع الأساسية والوقود، التي قفزت أسعارها لمستويات تفوق قدرة اليمنيين المنهكين من الحرب.
سوريا
لا تعاني سوريا من مديونية خارجية، إذ بادرت في 2019 إلى سداد كامل الدين الخارجي، البالغ 23 مليار دولار معظمها لروسيا وإيران والعراق.
ومع ذلك، فإن فقدان سوريا للسيولة اللازمة لتغطية وارداتها من الخارج، وخصوصا بعد تراجع دعم روسيا المشغولة في الحرب مع أوكرانيا، ادخل اقتصاد البلاد في مرحلة جديدة من الانهيار.
فمنذ فرض العقوبات الغربية، بدءا من 2012، تقلص الاقتصاد السوري حتى بات يعتمد على رواتب الموظفين وبعض الخدمات فقط، وحرمانه من باقي القطاعات، كالنفط والصناعة وغيرها.
وانهارت الليرة السورية من متوسط سعر 50 ليرة للدولار في بداية الحرب عام 2011، إلى 2814 ليرة السعر الرسمي للدولار، وحوالي 4000 ليرة في السوق السوداء.
وتحت ضغط نقص السيولة واستنزاف الاحتياطي بسبب العقوبات الغربية، قلصت الحكومة السورية في 2019، بشكل كبير، دعم السلع والخدمات الأساسية، كالطحين والوقود والكهرباء، تبع ذلك في فبراير/شباط الماضي، وقف الدعم عن حوالي 500 ألف أسرة.
في المحصلة، فإن أكثر من 90 بالمئة من السوريين في مناطق سيطرة النظام تحت خط الفقر، و70 بالمئة يعيشون على تحويلات نقدية من الخارج.