“ذى إيكونوميست”: النفط الرخيص يهدد الاقتصاد العالمي
تساءلت مجلة “ذى إيكونوميست” البريطانية في عددها الأخير عن مستقبل صناعة النفط في ظل الانهيار المتسارع في أسعاره منذ ما يربو عن عام، وحول ما إذا كان فعلاً هذا الانهيار الذي أوصل سعر النفط من 110 دولار أميركي إلى 27 دولار للبرميل بواقع انخفاض نسبته 75% من سعره قبل 18 شهر، سيؤثر على الاقتصاد العالمي أم أن إذا كان هذا النفط الرخيص سيكون عامل لانتعاش هذا الاقتصاد المنكمش حالياً كما حدث في منتصف ثمانينيات القرن الماضي عندما ساهم انخفاض أسعار النفط في تحفيز الاقتصاد العالمي وتحقيق نمو بواقع 0.5% لكل 10% في انخفاض سعر النفط.
وذكرت المجلة الأسبوعية في افتتاحية عددها الأخير أنه “مع إفلاس البنوك وانهيار الأسواق المالية، فإن صدمات النفط لها قدرة نادرة على أن تكبح جماح هذه الخسارة، فبداية من الحظر العربي للنفط عام 1973 تعلم الناس أن الارتفاع الحاد المفاجئ في سعر النفط يسبب خراب اقتصادي، وعلى العكس فإن هبوط أسعار النفط الناتج عن وفرته كما الحال عام 1986 كان فعل هذا خير للعالم (..) حتى الأن فوائد هذا الأمر لم تحث، فمن الواضح أن كل من المستهلكين والمنتجين يعانون الأمرين، وآثار هذا تسربت إلى الأسواق المالية وما لذلك من إمكانية خفض ثقة المستهلك. ربما تكون فوائد النفط الفائق الانخفاض لا يزال يفوق تكلفته، وعلى الرغم من ذلك ولأسباب غير واضحة فإن الأسواق المالية تراجعت على نحو سريع”.
وعللت “ذي إيكونوميست” هذا التناقض إلى ما أقدمت عليه السعودية في الآونة الأخيرة من إغراق سوق النفط بإنتاجها، بغية إحباط صناعة النفط الصخري الأميركية، بالتوازي مع مزيد من خنق الاقتصاد الإيراني حتى لو كان ذلك يعني خسارة للرياض، وفي سبيل ذلك رفعت الأخيرة إنتاجها من 5 مليون برميل في اليوم في 2008 إلى 9 مليون برميل في اليوم في الوقت الراهن، الذي شهد دخول إيران إلى سوق النفط بشكل رسمي بعد رفع العقوبات النووية بإنتاج يتراوح ما بين 3 إلى 4 مليون برميل يومياً، وهو ما يعني مزيد من الخسارة للمملكة. ورصدت المجلة توقعات أن يتراوح سعر البرميل بين 10: 15 دولار أميركي حتى 2017، ليبدأ بعدها في الارتفاع مجدداً، مضيفة أن ذلك قد يعني على مستوى المستقبل القريب كتحفيز على النمو الاقتصادي حال تراجع الانكماش الاقتصادي في الصين وآسيا، مدللة على ذلك بأن حركة شراء النفط قد حُفزت بفعل انخفاض سعره وهو ما انعكس مثلاً في زيادة الواردات الأوربية بنحو 2% وكذلك تصدر الهند لقائمة أسرع نمو اقتصادي في العالم منذ متصف 2014.
وأشارت المجلة البريطانية إلى أنه على الجهة المقابلة فإن انخفاض سعر النفط قد أثر على اقتصاد البلدان التي تعتمد عليه كمصدر دخل رئيسي وعلى رأسها السعودية التي وصلت إلى عجز قياسي في ميزانيتها بلغ 15 من إجمالي الناتج المحلي تبعه إقرار سياسات تنهي عصر الوقود الرخيص المدعوم بالنسبة للمستهلك المحلي كسياسة تقشفية تتبعها المملكة لأول مرة.
وأوضحت “ذي إيكونوميست” أن انخفاض سعر النفط دون 100 دولار للبرميل قد ساهم في تقليص وانكماش مجال التنقيب عن مصادر جديدة للنفط على مستوى العالم في أفريقيا أو أميركا الجنوبية أو المنطقة القطبية وتقويض حجم الاستثمارات المستقبلية لشركات النفط العالمية وكذلك الدول التي تعتمد على النفط بشكل كبير في اقتصادها، مثل روسيا وفنزويلا ونيجيريا والمكسيك وكولومبيا، وكذلك الأسواق الناشئة لهذا القطاع الاقتصادي في دول مثل البرازيل، وأنه حتى الدول الغنية لحقت بها أضرار جراء انخفاض سعر النفط، سواء فيما يتعلق بالبورصة والأسواق المالية، أو بالبنوك وسندات العائد المرتفع التي جعلت المستثمرين ينفروا من المضاربة في القطاع النفطي وهو ما أدى إلى رفع وهمي لقيمة هذه السندات مما تسبب في تضخم ناتج عن رفع سعر الفائدة الحقيقية وسط مناخ من توقعات انخفاض أو ثبات الأسعار، ناهيك عن عدم استجابة صانعي القرار لمواجهة هذه المخاطر التي يحذر منها محافظي البنوك المركزية في هذه الدول الغنية.
واختتمت المجلة افتتاحيتها بالقول أن تحقيق الأفضل من هذا الوضع الاقتصادي الحالي يظهر في المستفيدين الرابحين في الهند والصين، ويعطي سبب قوي للدول المنتجة للنفط مثل السعودية وفنزويلا لتبني إصلاح اقتصادي عاجل، وكذلك الأمر بالنسبة للدول المستوردة للنفط مثل كوريا الجنوبية، حيث يعطيها فرصة لإعادة النظر في الإسراف في إعانات الطاقة والحد من معدلات التضخم عن طريق رفع الضرائب. وإن رأت “ذي إيكونوميست” أن “الأزمة النفطية الحالية تأتي في وقت لم يتعافى فيه الاقتصاد العالمي بشكل كامل من تداعيات الانهيار المالي في 2008، وإنه على الرغم من أن هناك اعتقاد أن الوقت الراهن هو الأفضل لدفعة إلى الأمام للاقتصاد العالمي، فإنه في الواقع أن العالم كله يقع تحت رحمة حفارات النفط “.