مقالات

القوات المسلحة اليمنية وتحدي الهيمنة: كيف أعادت الحربُ غير المتماثلة تشكيلَ المشهد الجيوسياسي في البحر الأحمر والعمق الصهيوني

وضاح بن مسعود

في ظل التطورات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة، برزت القوات المسلحة اليمنية (صنعاء) كفاعل استراتيجي غير مألوف، قادر على إعادة تشكيل موازين القوى العسكرية بعد ثورة 21 سبتمبر 2014 بقيادة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله لقد نجحت هذه القوات في تحويل التحديات إلى فرص، مستخدمةً إمْكَانيات محدودة مقارنةً بالقوى العظمى، لكنها استطاعت فرض معادلة جديدة في الصراع، خَاصَّة بعد تدخلها المباشر لدعم المقاومة الإسلامية في غزة عبر استهداف السفن الأمريكية والإسرائيلية في البحر الأحمر والبحر العربي وحتى العمق الصهيوني

ان التطور النوعي في القدرات العسكرية لم تكن اليمن قبل ثورة سبتمبر تمتلك استراتيجية عسكرية مُعلنة لمواجهة الهيمنة الأمريكية أَو الصهيونية لكن التغيير الجذري في الرؤية القيادية بعد الثورة أَدَّى إلى تطوير منظومة دفاعية هجومية تعتمد على الابتكار والتصنيع المحلي والتكنولوجيا المتطورة حسب الإمْكَانيات، مثل الصواريخ الفرط صوتية والباليستية والمسيّرات القتالية ذات المدى البعيد بالإضافة إلى ترسانة من الأسلحة البحرية مثل الغواصات المفخخة والزوارق الانقضاضية وقد أثبتت هذه الأسلحة فاعليتها في استهداف السفن الحربية الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر، وتعطيل حركة الملاحة البحرية المرتبطة بـ “إسرائيل”، بل ووصول ضرباتها إلى موانئ إيلات وأهداف داخل الكيان المحتلّ، مما أظهر قدرة غير متوقعة على اختراق الأنظمة الدفاعية المتطورة.

استراتيجية الحرب غير المتماثلة: تحدي الهيمنة البحرية

لطالما سيطرت الولايات المتحدة على الممرات البحرية العالمية بقواتها الضخمة، لكن اليمن أعاد تعريف قواعد الاشتباك عبر استراتيجية “الحرب غير المتماثلة” التي تعتمد على عنصر المفاجأة وتكلفة الحرب المنخفضة مقابل الخسائر الكبيرة للعدو فاستخدام الزوارق السريعة المزودة بأسلحة متطورة، والطائرات المسيرة التي تُحلق تحت رادارات العدوّ، بالإضافة إلى الصواريخ المُصممة لمهاجمة نقاط الضعف في الدفاعات البحرية جعل التكلفة الاستراتيجية للوجود الأمريكي في المنطقة باهظة وهذا ما أكّـده رد فعل واشنطن خُصُوصًا بعد الهجمات المتواصلة على حاملة الطائرات الأمريكية هاري ترومان رغم امتلاكها ترسانة عسكرية هائلة إلَّا انها تراجعت مسافات كبيرة هربًا من الاستهداف.

الضربات في العمق: اختراق الحصون الصهيونية

لم يكن أحد يتخيل أن قوة عسكرية من دولة تعاني من حرب مُستمرّة منذ سنوات تستطيع تهديد الكيان الصهيوني في عمقه، لكن الصواريخ والمسيّرات اليمنية وصلت إلى أراضي فلسطين المحتلّة مرارًا؛ مما أجبر “إسرائيل” على تفعيل أنظمتها الدفاعية بشكل مكثّـف وكشف عن هشاشة أمنها رغم الدعم الأمريكي غير المحدود، هذه الضربات لم تكن عسكرية فحسب بل سياسية أَيْـضًا، حَيثُ نقلت الصراع إلى قلب الكيان المحتلّ.

تراجع الهيمنة الأمريكية: قراءة في المشهد الجديد

النجاحات التي حقّقتها القوات المسلحة اليمنية لم تُضعف هيبة أمريكا عسكريًّا فحسب، بل كشفت عن تراجع نفوذها الاستراتيجي فالعالم يشهد تحولًا تاريخيًّا تنتقل فيه القوة من القطب الأحادي إلى فواعل غير تقليدية تستطيع استخدام التكنولوجيا والإرادَة الشعبيّة لفرض وجودها واليمن، برغم الحصار، قدم نموذجًا لكيفية تحويل الإيمان القومي والديني إلى قوة ردع، حَيثُ باتت واشنطن تُعيد حساب انتشارها العسكري خوفًا من استنزاف مواردها ومخزونها الاستراتيجي من الصواريخ والتجهيزات في مواجهة قد تطول دون تحقيق نتائجَ ملموسة.

اليوم وبفضل الله تعالى ثم الصمود اليمني والقيادة الربانية، لم تعد الهيمنة العسكرية الأمريكية مطلقة، بل إن منطق القوة الأخلاقية والمقاومة الشعبيّة قد حقّق انتصارات ميدانية التحدي اليمني أثبت أن الشعوب المُسلحة بإرادتها وقدراتها الابتكارية تستطيع إعادة رسم خريطة النفوذ العالمي وبينما تترنح أمريكا تحت وطأة تكاليف حروب وخسائر لا تنتهي، فَــإنَّ اليمن يسير بثبات نحو فرض شروط جديدة للصراع، تؤكّـد أن عصر الهيمنة الأحادية قد ولى، وأن زمن القوى الصاعدة القادرة على قلب المعادلات قد أطلّ بقيادة رجال آمنوا بأن النصر صناعة إلهية وإرادَة إنسانية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com