أزمة تجنيد تاريخية تعصف بجيش العدو الإسرائيلي.. تحديات أكبر من أطماعه التوسعية

21 سبتمبر |
تعيش قوات العدو الإسرائيلي أزمة غير مسبوقة في مواردها البشرية والعسكرية، تزامناً مع تصاعد مشاريع الكيان المؤقت التوسعية في كل من لبنان وسوريا، فضلاً عن فلسطين (غزة والضفة) وما خلفته تداعيات عملية “طوفان الأقصى”، الأوساط الصهيونية تجدد التحذير من أزمة تاريخية غير مسبوقة يواجهها “جيش” العدو، ما يثير تساؤلات حول قدرته على الحفاظ على وجوده الميداني وسط اتساع ساحات الصراع، وطول أمد الحروب التي يبدو أنها أكبر من قدرة جيشه على احتمالها، فضلاً عن انعكاس الأزمات الداخلية على بنية الجيش ووظيفته.
استنزاف يهدد البنية العسكرية
كشفت سلسلة تقارير إعلامية عبْر صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن دخول كيان العدو الإسرائيلي مرحلةً من النقص الحاد في الجنود، هي الأسوأ منذ حرب جنوب لبنان في ثمانينيات القرن الماضي، وأقر جيش العدو بمقتل وإصابة المئات من عناصر وحداته الهندسية خلال معارك غزة، مؤكداً أن هذه الوحدات لم تعد “مورداً لا ينضب”، ما دفعه للاعتماد على مقاولين مدنيين لتدمير المنازل في قطاع غزة، والقرى اللبنانية الجنوبية، وإنشاء تحصينات عسكرية في المنطقة العازلة بسوريا.
ولا تقتصر الأزمة على عصابات “الجنود النظاميين”، بل تطال أيضاً قوات الاحتياط التي تعاني من “استنزاف حتى النخاع”، وفقاً للتقرير ذاته، حيث يُجبر الآلاف على الخدمة لفترات طويلة دون دعم لوجستي أو نفسي كافٍ، وسط غياب خطط سياسية لمعالجة النقص البشري.
أرقام كبيرة وتداعيات ميدانية
بلغت خسائر جيش العدو منذ السابع من أكتوبر 2023 نحو 12 ألف جندي ما بين قتيل وجريح، بينما غادر أكثر من 10 آلاف آخرين الخدمة العسكرية بعد الحرب. وفي محاولة لسد العجز، أعلنت قيادة العدو العسكرية عن حاجتها إلى 7500 جندي جديد، بالإضافة إلى آلاف العناصر في الأدوار القتالية والإدارية، لكن العقبات التشريعية والسياسية تعيق تحقيق هذه الأهداف.
وتفاقمت الأزمة مع قرار ما يسمى رئيس أركان جيش العدو، المعيّن حديثاً إيال زامير، تشكيل وحدات عسكرية جديدة، مثل لواء مشاة إضافي وكتيبة هندسية، ما يتطلب تعبئة آلاف الجنود، بينما يتحمل العسكريون الحاليون العبء الأكبر، وسط تحذيرات من “ضغوط غير مسبوقة منذ عقدين” وهو القرار الذي أعاد للواجهة أزمة التجنيد وفجر خلافات من أعلى المستويات.
وكانت محاولات جيش العدو تجنيد 15 ألف احتياطي على ثلاث دفعات قد وُوجهت برفضٍ واسع، حيث رفض 50-70% من المستدعين العودة للخدمة بسبب الآثار المدمرة على حياتهم العملية والأسرية. حتى اللجوء إلى تجنيد من تزيد أعمارهم عن 40 عاماً بوعود تحفيزية باءت بالفشل، وفقاً لموقع الجيش الإسرائيلي.
ولم تسلم الخطط من سخرية الواقع والأرقام التي حققتها بعد جهد عاصف، فمحاولات تجنيد الحريديم (المتديّنين اليهود) التي استهدفت 6 آلاف فرد حققت نجاحاً هامشياً بـ177 مجنداً فقط، رغم الضغوط السياسية لتعديل قوانين الإعفاء الديني.
وتتصاعد الاحتجاجات حول إعفاء الحريديم والذين يمثلون (14% من نسبة المغتصبين اليهود) من التجنيد الإلزامي منذ تأسيس “إسرائيل”، ما يزيد الضغط على الاحتياط. وبينما يسعى جيش العدو لتجنيد 10 آلاف جندي إضافي، أصر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو – المعتمد على دعم أحزاب الحريديم – على رفض التجنيد الإلزامي لهم، حيث التحق بضع مئات فقط من أصل 10 آلاف أمر تجنيد صدر العام الماضي.
ويواجه الكيان المؤقت أزمات وخلافات عاصفة تنذر بالأسوأ مع تصاعد الاستنزاف في صفوف جنود الاحتياط، واشتداد وتيرة الخلافات السياسية حول إعفاء اليهود الأرثوذكس (الحريديم) من الخدمة العسكرية، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “فايننشال تايمز”.
ووفقاً للصحيفة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر 2023، تم تجنيد نحو 300 ألف مغتصب يهودي -في صفوف الاحتياط- خدموا أكثر من 200 يوم في ثلاث جولات قتالية بغزة، مع توقعات بعودة فورية للمعارك في ظل تهديدات بتصعيد عسكري على جبهات متعددة. وأشارت زوجة أحد الجنود، تشين أربيل مارينبرغ، إلى أن العائلات تُعدّ نفسها لـ”خمس سنوات من القتال العنيف”.
في غضون ذلك حذّر محللون عسكريون، مثل عاموس هاريل من صحيفة “هآرتس”، من تزايد احتمال امتناع بعض “جنود الاحتياط” عن الالتحاق بالخدمة، خاصة مع غياب إجماع على أهداف الحرب. وأكدت أرقام جيش العدو الإسرائيلي مقتل أكثر من 800 جندي وإصابة 6000 آخرين، مع ارتفاع غير معلن في أعداد المصابين بأزمات نفسية.
وكشف استطلاع لمنتدى زوجات جنود الاحتياط في نوفمبر 2023 أن 80% من المشاركين تراجع دافعهم للخدمة بسبب إعفاء الحريديم والصعوبات الشخصية. وأقرّ جنود بتغيّبهم عن التدريبات أو الخدمة لأسباب خاصة، بينما علّق ضباط احتياط خدمتهم احتجاجاً على ما أسموه: “حرب لا تخدم مصلحة الشعب”.
تتعمق الأزمة مع تمسك مجرم الحرب نتنياهو بموقفه الرافض لوقف القتال رغم ضغوط “شعبية” لإبرام صفقة تبادل أسرى، ما يهدد بموجة احتجاجات جديدة، وهو ما بدأ فعلاً في مدينتي يافا وحيفا وغيرهما.
وأعادت محاولة إقالة رئيس ما يسمى جهاز المخابرات الداخلية “الشاباك” الأسبوع الماضي إحياء مخاوف من أزمة دستورية، قد تدفع آلاف الجنود لتعليق خدمتهم كما حدث قبل 7 أكتوبر.
اتساع الجبهات وتعقيدات الوجود العسكري
أضافت توسعات العدو الإسرائيلي العسكرية في سوريا – عبر تقسيم الجنوب إلى مناطق نفوذ تصل إلى دمشق والضفة الغربية، حيث عمليات “الجدار الحديدي”، عبئاً جديداً على موارد العدو البشرية. كما أدى إنشاء ما يُسمى “الفرقة الإقليمية الشرقية” لتأمين الحدود مع الأردن، وتعزيز الوجود قرب سيناء، إلى تفاقم الأزمة.
وصف المحلل العسكري عاموس هرئيل في “هآرتس” الخطط السياسية لاستئناف الحرب بغزة بأنها “انغلاق جارف” أمام معاناة الجنود، مشيراً إلى أن “الحكومة الإسرائيلية” تُفضّل مصالحها التحالفية مع الأحزاب الدينية على حساب تعزيز “الجيش”، من جهته، حذّر الخبير يوسي يهوشع من أن “آذان الحكومة مغلقة أمام احتياجات الجيش”، في إشارة إلى غياب الحلول القانونية.
لا تنفصل أزمة التجنيد عن رفض شرائح داخل كيان العدو الإسرائيلي واسعة الانخراط في حروب التوسع، حيث يرى مراقبون أن رفض الحريديم والعديد من الشباب الخدمة يعكس أزمة دستورية عميقة لمشروع الصهيونية في المنطقة التي تحاول أمريكا ترقيعه وتدعيمه. وفي هذا السياق، علّق خبير مختص في شؤون العدو الإسرائيلية أنّ: “محاولات العدو استقطاب الدروز السوريين لتغطية عجزه العسكري تكشف حجم الانهيار الديموغرافي الذي يواجهه كيان يرفض أغلب شبابه أن يكونوا وقوداً لحروبه”.
تبقى أزمة العنصر البشري اختباراً وجودياً للكيان الإسرائيلي، في ظل تنامي رفض داخلي لسياسات الاحتلال، وصعود مقاومة فلسطينية وعربية تزداد قدرة على تعميق هذه الأزمات، على مشارف الزوال المرتقب والانتصار الموعود.
موقع أنصار الله يحيى الشامي