“إسرائيل” بين عنجهية القوة واستحالة الحسم: هل يقود تجدد الحرب على غزة إلى احتلال دائم؟

محمد الأيوبي
مع استئناف العدوان “الإسرائيلي” على غزة؟ تدخل المنطقة مرحلة أكثر خطورة من أي وقت مضى، إذ يبدو أن بنيامين نتنياهو، مستندًا إلى الدعم الأميركي، يراهن على سيناريوهات متعددة، تتراوح بين الضغط العسكري الكثيف والاحتلال التدريجي لمناطق معينة في القطاع. لكن كما كشفت التجارب السابقة، لا يمكن القضاء على حماس لا بالحرب ولا بالصفقات، مما يضع الاحتلال أمام معضلة لا مخرج واضح منها.
الحرب كأداة للضغط السياسي: واشنطن تدعم ونتنياهو يناور
يبدو أن القرار “الإسرائيلي” باستئناف العدوان لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة حسابات سياسية وإستراتيجية، دفعتها عوامل متعددة، أهمها:
1. الدعم الأميركي غير المشروط: أعطت إدارة دونالد ترامب، عبر مبعوثها ستيفن ويتكوف، الضوء الأخضر لاستمرار الحرب، تحت غطاء الضغط على حماس لتقديم تنازلات في ملف الأسرى. هذه المقاربة تقوم على فرضية “السلام من خلال القوة”، وهو مبدأ فشل تاريخيًا في تحطيم إرادة الحركات المقاومة.
2. الأزمة الداخلية في “إسرائيل”: يعاني نتنياهو من ضغوط داخلية هائلة، تهدد بتفكك حكومته. لذا، فإن إعادة إشعال الحرب تبدو وسيلة للهروب من الأزمات الداخلية عبر تحويل الأنظار نحو “العدو الخارجي”، في محاولة لتوحيد الصف “الإسرائيلي” المتصدع.
3. تعثر المفاوضات: كانت “إسرائيل” تأمل في فرض شروطها على حماس عبر اتفاق يتضمن الإفراج عن الأسرى “الإسرائيليين” بشكل تدريجي، لكن رفض الحركة لشروط الابتزاز “الإسرائيلي” دفع نتنياهو إلى اللجوء للخيار العسكري مجددًا.
السيناريوهات المحتملة للحرب: نحو احتلال تدريجي؟
تبدو الحرب الحالية مختلفة عن سابقاتها، إذ تحمل ملامح إستراتيجية جديدة، قد يكون الهدف منها تمهيد الأرض لاحتلال دائم، وليس مجرد عملية عسكرية محدودة. يمكن استقراء السيناريوهات القادمة بناءً على عدة عوامل:
1. سيناريو الضغط العسكري المكثف لإجبار حماس على التفاوض بشروط “إسرائيلية”
• استمرار القصف العنيف على مختلف مناطق غزة، بهدف استنزاف المقاومة وإجبارها على تقديم تنازلات.
• التركيز على استهداف القادة العسكريين والمدنيين المؤثرين في حماس.
• منع دخول المساعدات الإنسانية بشكل كامل، لجعل الوضع المعيشي في غزة لا يُحتمل، ما قد يؤدي إلى ضغوط داخلية على حماس للقبول بشروط التهدئة.
احتمالات نجاح هذا السيناريو: منخفضة، لأن حماس أثبتت تاريخيًا أنها قادرة على الصمود، وأنها لن تقدم تنازلات جوهرية تحت الضغط العسكري.
2. سيناريو الاجتياح البري المحدود
• تنفيذ عمليات عسكرية برية في مناطق محددة، مثل جنوب القطاع، من أجل السيطرة على أراضٍ يُنظر إليها على أنها ذات أهمية إستراتيجية.
• البقاء في هذه المناطق لفترة طويلة، وإنشاء نقاط عسكرية دائمة، لمحاولة فرض معادلة أمنية جديدة.
• محاولة فرض سيطرة عسكرية مباشرة على معابر غزة، لمنع أي شكل من أشكال التسلح أو الإمداد للمقاومة.
احتمالات نجاح هذا السيناريو: متوسطة، لكن ستكون كلفته باهظة جدًا، إذ ستواجه القوات “الإسرائيلية” مقاومة شرسة، وسيؤدي إلى خسائر كبيرة قد تدفع إسرائيل للتراجع.
3. سيناريو الاحتلال التدريجي لقطاع غزة
• تنفيذ اجتياح بري واسع يشمل جميع مناطق القطاع، مع إقامة إدارة عسكرية مباشرة تحت إشراف “الجيش الإسرائيلي”.
• محاولة استبدال حكم حماس بقوة محلية مدعومة من أطراف عربية، تتعاون مع الاحتلال تحت ذريعة “إعادة الاستقرار”.
• تحويل غزة إلى كيان منزوع السلاح تمامًا، مع إبقاء الاحتلال العسكري لفترة غير محددة.
احتمالات نجاح هذا السيناريو: شبه مستحيلة، لأن الاحتلال سيواجه مقاومة عنيفة، كما أن المجتمع الدولي لن يتقبل خطوة بهذا الحجم دون تداعيات خطيرة على “إسرائيل” نفسها.
حماس والمقاومة: معركة وجود لا معركة شروط
تدرك حماس والمقاومة الفلسطينية أن هذه الحرب ليست مجرد مواجهة جديدة، بل هي محاولة لتصفية مشروع المقاومة ككل. لذلك، فإن خياراتها واضحة:
• عدم التفريط بورقة الأسرى، لأنها آخر ورقة ضغط تملكها الحركة في مواجهة الاحتلال.
• الاستعداد لمعركة استنزاف طويلة، تعتمد على الهجمات النوعية والكمائن لاستهداف القوات “الإسرائيلية” في حال حدوث اجتياح بري.
• رفض أي صفقة تقوم على إخراج قادة حماس من غزة، لأن ذلك سيُنظر إليه على أنه استسلام سياسي كامل.
المعادلة الدولية: “إسرائيل” تفقد الدعم وتزداد عزلة
بينما تستمر الولايات المتحدة في دعم “إسرائيل”، بدأت القوى الدولية الأخرى في تغيير موقفها تدريجيًا.
• الاتحاد الأوروبي أدان العدوان بشكل غير مسبوق، واعتبره جريمة ضد الإنسانية.
• الأمم المتحدة أكدت أن “إسرائيل” انتهكت اتفاق وقف إطلاق النار، مما يزيد من الضغوط عليها دوليًا.
• بعض الدول العربية أبدت تحفظات على العدوان، لكنها لا تزال غير قادرة على اتخاذ موقف حاسم.
“إسرائيل” في مأزق: لا نصر عسكري ولا حل سياسي
يبدو أن نتنياهو قد دخل حربًا بلا مخرج واضح. فالعدوان العسكري لن يحقق أهدافه، بل سيؤدي إلى:
1- مزيد من العزلة الدولية “لإسرائيل”، بسبب الانتهاكات المستمرة ضد المدنيين في غزة.
2- تعميق أزمة القيادة “الإسرائيلية”، إذ قد يدفع الفشل العسكري إلى تصاعد الضغوط لإقالة نتنياهو.
3- تقوية المقاومة الفلسطينية التي ستخرج من هذه الحرب أكثر خبرة وقدرة على المواجهة.
حرب بلا نهاية، واحتلال مستحيل
في ظل هذه المعطيات، تبدو الحرب “الإسرائيلية” على غزة أشبه بحلقة مفرغة، حيث لا يستطيع الاحتلال تحقيق نصر حاسم، ولا تستطيع المقاومة التوقف عن القتال. وبينما يواصل نتنياهو مغامرته العسكرية بدعم أميركي، تتجه “إسرائيل” نحو كارثة إستراتيجية، حيث يتحول الاحتلال من مجرد اعتداء عسكري إلى مستنقع لا يمكن الخروج منه بسهولة.
إن “إسرائيل” قد تربح معركة هنا أو هناك، لكنها تخسر الحرب الأكبر: حرب الشرعية، وحرب الوجود على المدى البعيد.