اخبار دولية وعربيةالعرض في السلايدرتقارير

الساحل السوري.. ذعر منظم لتهجير الأقليات

عبير بسام

لن نخوض في المعطيات المختلفة حول مغادرة الرئيس السوري، بشار الأسد، سورية في الثامن من العام 2024، حتى لا يخوننا التحليل حول ما حدث، غير أن انتشار خبر ترك الأسد للبلاد، كالنار في الهشيم، وضع الجميع في حالة من الصدمة. فمهما كانت الروايات مضللةً أو “دقيقة”، إلا أن تأثيرها على الجيش العربي السوري وبين المواطنين السوريين كان مهولاً. ومنذ لحظات اجتياح دمشق، بدأ السؤال حول مصير الأقليات في سورية، ولا نخطئ حين نقول الأقليات، وليس الطائفة العلوية فقط.

سبب خروج الأسد حالة من الإحباط والقلق، وهذا ما عبر عنه العديد من السوريين الذين تحدثت معهم، حتى أبناء الطائفة السنية منهم، وخاصة ما بين المعتدلين. وانغلق أهل السويداء على أنفسهم وتمنعوا عن تسليم السلاح. شكل ذلك بداية حالة من الإحباط السياسي بين الأغلبية الدرزية، وحتى بين أفراد المعارضة ممن حمل السلاح ضد الدولة في عهد الرئيس الأسد منذ العام 2015. يومها كان سلاح الميليشيات المدعومة دولياً وعربياً وتركياً، حقاً موصوفاً، وراوغ الجميع حول ما ارتكبت من جرائم قتل وتنكيل على يد الإرهابيين من “داعش” و”الجيش الحر” و”النصرة”، وتزعم واحد من تنظيمات الأخيرة، “جبهة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، والذي أصبح الرئيس المؤقت لسورية ولمدة أربع سنوات، ووصفت المعارضة بالسلمية. ثم احتل العدو الصهيوني في الثالث من شباط/ فبراير 2025، جميع المناطق التي حررها الجيش السوري في العام 1973: قمة حرمون والقنيطرة وتمدد حتى سعسع ومشارف القطيفة شرق دمشق. ومن الجنوب اجتاح الصهيوني الريف الغربي لمدينة درعا، الغني بالمياه العذبة، والذي يغذي نهر اليرموك الذي يصب في نهر الأردن.

نتحدث في هذا الأمر لنفهم جيداً الخطة المتعلقة بسلسلة المجازر الأخيرة في الساحل السوري. فبعد سيناريو تحرير سورية من “عصابات الأسد”، كما يتم توصيفها منذ العام 2011 وحتى اليوم، أعلن الحكم الجديد أن جميع المواطنين السوريين متساوون أمام القانون. ومن يراقب يعلم أن عمليات تسوية أوضاع العسكريين وتسليم سلاحهم الفردي، ترافقت مع حملات اعتقالات وخطف وتنكيل بعلويي الساحل والداخل في ظل ترقب وصمت عالمي وعربي مخيف. حملات التنكيل استهدفت 400 ألف موظف، سرحوا من أعمالهم، يطعمون على الأقل مليونين من أهاليهم. ثم بدأ الحديث عن الخوف من الحوادث “الفردية”، كما أطلق عليها. روى زميل علوي لنا عن اختفاء ابن عمه، وهو مدني، في دمشق، وعن محاولة اختطاف نجا منها وبعدها لم يعد يغادر منزله. وتصاعد الأمر وباتت مهاجمة أهل الساحل في المدن والطرقات المتفرعة حدثاً يومياً ترافق مع نشر صور مشينة من قبل المسلحين على وسائل التواصل الإجتماعي لطرق تعذيب العلويين على أيديهم وتشليحهم سياراتهم حديث الساعة. الوضعان الأمني السيء والاقتصادي الأسوأ دفع المواطنين للخروج في مظاهرات مطالبة بدفع الرواتب، وإيقاف إجراءات الطرد التعسفي من وظائف الدولة، وتحمل “الدولة” لمسؤولياتها.

توصيف الحالة العامة في الساحل وتصاعد مسيرة تفاقمها، عبر عنه العديد من الأصدقاء، فالخطف لم يطل الأقليات من العلويين والشيعة والمسيحيين في الساحل فقط، بل كانت هناك حالات خطف في محافظات دمشق ودرعا وحماة وحمص. ويبدو أن الخطة، وهذا ما نستشفه من حالة المتحدثين معنا من الساحل وباقي المدن، تقتضي بعد جمع السلاح نشر حالة من الخوف القاتل والقلق على مصير العائلات والأطفال، وهذا ما عبرت عنه المسيرات الشعبية في بانياس واللاذقية وحمص، والتي استغل خروجها لتنفيذ المزيد من المجازر العشوائية. والملفت من الأحاديث التي أجريت مع الناس هناك، أن المهاجمين والخاطفين غرباء. قال لي عدة أصدقاء، “أشكالهم غريبة وهم ليسوا من السوريين، منهم من يشبه الصينيين، ومنهم من هم ذوو بنية مختلفة ووجوه تنتمي إلى غرب آسيا، وخاصة الشيشان”، وقد أعلن رئيس الشيشان منذ أيام عن خروج 25 ألف شاب للقتال في سورية.

ومن الضروري أن نلفت هنا إلى ما قاله الكثير من اهل الساحل الذين يواجهون التحديات المتعلقة بضمان أمان حياتهم اليومية وأمنهم الاقتصادي والهجومات على البيوت الآمنة وقتل أصحابها في داخل المنازل، وتدل أغلب اللوائح استهداف الأطباء والصيادلة والمهندسين والأساتذة، من رجال ونساء، مع عائلاتهم، مما يدل على أن الاستهداف موجه لطبقة محددة وليس عشوائياً كما يبدو، إذ يراد إفراغ الساحل من الإختصاصيين والمتعلمين، فنسبة خريجي الجامعات في الساحل السوري قبل العام 2011 كانت 85%.

ابتدأت عمليات التنكيل ومهاجمة البيوت من الشمال، وأكد أكثر من شاهد خلال الفترة الماضية على أن المهاجمين كانوا من جنسيات من آسيا الوسطى، وسورية منذ العام 2011، امتلأت بالشيشان والجورجيين والقوقاز والكزخ الذين يبحثون عن مكان في الدولة الجديدة. ولكن ما هو ملفت الحديث عن البحرية السورية الجديدة والتي تمتلئ بعناصر الإيغور وهم من مقاطعة كزينغ يانغ في الصين، والذين اجتاحوا كما أجدادهم المغول الشمال السوري وبالتحديد مدينة جسر الشغور منذ العام 2012.

إنها عملية بث ذعر منظمة، لن تنتهي بجرائم الإبادة الجماعية في بانياس واللاذقية وجبلة، فمن أهم أهداف الحملة المنظمة تفريغ الساحل وتفريغ المنازل المأهولة. تختار المنازل بعناية، وهذا يظهر من خلال الفئات المستهدفة من ذوي الدخل المتوسط والعالي. وتترافق مجازر الساحل مع انتشار المداهمات في درعا ومنع أصحاب البيوت ممن ينتمون للطوائف الشيعية أو العلوية أو المرشدية أو الديانة المسيحية، واقتحامها واحتلالها لأسباب أمنية. واليوم وبعد توقيع الاتفاق ما بين قوات “قسد” الكردية وما بين الحكومة السورية الجديدة على تسليم أمن الساحل للأولى بدعم من الثانية، يظهر التوافق الكبير ما بين الأميركيين ورعاة الحكومة الجديدة. لا أحد يعلم إلى ما ستؤول الأمور، ولكن تبقى الحقيقة الثابتة، أن الساحل السوري يضم أكبر حقول الغاز على ساحل المتوسط، وهنا الكلام يحتاج إلى معطيات كثيرة حول الواقع “الجيولوجي” للحقول، ولكن في الواقع السياسي فإن كلاً من الأميركيين والأتراك يتسابقون للسيطرة على الساحل السوري ولو كان ثمن المكاسب حياة عشرات أو مئات الآلاف من سكانه.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com