اخبار دولية وعربيةالعرض في السلايدرتقارير

جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة.. نزوح قسري وكارثة إنسانية مستمرة

بعد شهورٍ من الدمار والقصف، وبعد أن سكن هدير الطائرات والمدافع، لم يكن وقف إطلاق النار في غزة بدايةً للراحة، بل مرحلةً جديدةً من المعاناة، كان من المفترض أن يكون الصمت الذي خيّم على الركام بدايةً لعودة الحياة، لكن “إسرائيل” وجدت في تجويع الفلسطينيين حربًا بديلةً لا تحتاج إلى صواريخ، بل إلى قرارات تعسفية تمنع عنهم الغذاء والدواء والمأوى.

بعيونٍ منهكة وقلوبٍ يائسة، يترقب أهالي غزة قوافل المساعدات، لكن القيود الإسرائيلية تمنعها من الوصول، وكأن الاحتلال قرر أن يجعل كل لحظة بعد الحرب استمرارًا لوجعها، الأطفال الذين نجوا من القصف يواجهون الآن شبح الجوع والمرض، والمشافي التي كانت تمتلئ بالجرحى باتت عاجزةً عن تقديم العلاج، لأن “إسرائيل” لم تكتفِ بما فعلته صواريخها، بل قررت أن تواصل الحرب بوسيلةٍ أخرى: حصارٌ يمنع عن غزة شريان الحياة.

وقف إطلاق النار لم يكن نهايةً للألم، بل بدايةً لحرب التجويع والتضييق، حيث يحاول الاحتلال قتل الأمل في عيون الفلسطينيين، بينما يقف العالم متفرجًا، وكأن الموت حين يكون بلا صوت أو انفجار، يصبح أقل إلحاحًا على الضمير الإنساني.

المأساة التي تشهدها غزة اليوم غير مسبوقة في تاريخها الحديث، حيث يتعرض سكانها لعمليات نزوح متكررة نتيجة القصف الإسرائيلي العنيف الذي لم يترك أي زاوية من القطاع دون دمار، وفقًا لتصريحات باولا غافيريا بيتانكور، مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للنازحين، فإن أهالي غزة نزحوا عدة مرات خلال الأشهر الـ 16 الماضية، في ظل أوضاع كارثية تتفاقم يومًا بعد يوم.

نزوح متكرر وواقع معيشي كارثي

تؤكد بيتانكور أن 90% من سكان غزة اضطروا لمغادرة منازلهم، حيث يعيش معظمهم في خيام مكتظة أو في العراء بلا مأوى، بينما يعاني 47% من السكان من فقر مدقع، وتضيف أن البنية التحتية للقطاع الصحي دُمرت بالكامل، ما أدى إلى تفشي الأمراض وازدياد عدد المصابين، حيث أصبح 20% من السكان يعانون من إصابات أو إعاقات مستدامة، ولا يزال نحو 10 آلاف شخص تحت الأنقاض بسبب القصف الإسرائيلي المستمر.

تصف المسؤولة الأممية الوضع بأنه “كارثة إنسانية محققة”، مؤكدة أن سكان غزة لا يواجهون مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل عملية تدمير ممنهجة تشمل الصحة، التعليم، الزراعة، والاقتصاد، ما يهدد مستقبل الأيال القادمة.
ويقول أحمد قمر (34 عاماً) الذي عاد للعيش في أنقاض منزله السابق في جباليا، إن منطقته لم تشهد سوى بضع عشرات من شاحنات المساعدات.

وأضاف:”مئات العائلات هنا تنام في العراء وفي البرد، ونحن بحاجة إلى الكهرباء والمأوى، وفي الوقت نفسه تغمر الأسواق الشوكولاته والسجائر”.

ورغم أن عمال الإغاثة يقولون إن عملية التفتيش الإسرائيلية تسارعت، فإن إدخال أنواع معينة من المساعدات إلى غزة لا يزال يشكل تحدياً.

وتعتبر بعض المواد «ذات استخدام مزدوج»، ما يمنعها من دخول غزة بسبب المخاوف من تحويلها لأغراض عسكرية.

القيود الإسرائيلية على المساعدات: سياسة تجويع ممنهجة

بالإضافة إلى القصف والدمار، تفرض حكومة الاحتلال قيودًا صارمة على دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ما يزيد من تفاقم الأزمة، وتقول بيتانكور إن حجم المساعدات الذي يصل فعليًا إلى غزة غير كافٍ إطلاقًا، حيث تمنع “إسرائيل” إدخال الإمدادات الحيوية مثل الغذاء، المياه، والأدوية، ما يجعل السكان في مواجهة مباشرة مع المجاعة والمرض.

وتضيف إن الجهود الأممية تسعى إلى التفاوض من أجل تعليق هذه القيود، مع التركيز على إدخال الخيام والمنازل المتنقلة لحماية النازحين من برد الشتاء القارس، لكن هذه الجهود تصطدم بتعنت إسرائيلي واضح يهدف إلى إبقاء سكان غزة في حالة عوز دائم، كجزء من سياسة العقاب الجماعي التي تتبعها تل أبيب.

إيقاف الأونروا: ضربة قاسية للفلسطينيين في أشد أوقات الحاجة

وسط هذه الأزمة الإنسانية الحادة، جاء القرار الدولي بوقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ليضاعف من معاناة السكان، فقد أوقفت الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية تمويل الوكالة استجابةً لمزاعم إسرائيلية غير مؤكدة حول تورط بعض موظفيها في أنشطة مسلحة.

يعتبر قرار وقف تمويل الأونروا بمثابة حكم بالإعدام على آلاف العائلات التي تعتمد على مساعداتها في الغذاء والصحة والتعليم، فالأونروا تمثل شريان الحياة الأساسي للفلسطينيين، وحرمانهم من خدماتها يعني دفع القطاع إلى مجاعة محققة وزيادة أعداد الوفيات نتيجة انعدام الرعاية الطبية.

دعوات عاجلة لإنقاذ غزة من استمرار الكارثة

تؤكد بيتانكور أن المجتمع الدولي لا يمكنه الاستمرار في الصمت حيال ما يحدث في غزة، وتدعو إلى تحرك فوري لرفع الحصار عن المساعدات، واستئناف دعم الأونروا، والشروع في إعادة إعمار القطاع، فاستمرار الاحتلال في تدمير البنية التحتية، وفرض الحصار، وتجويع السكان، يجعل من الصمت الدولي شراكة غير مباشرة في هذه الجريمة المستمرة.

ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية، بل هو اختبار لمصداقية المنظومة الدولية بأكملها في مواجهة الجرائم ضد الإنسانية، لقد حان الوقت لتحمل المسؤولية واتخاذ إجراءات حاسمة تمنع استمرار هذه المجازر وتعطي الفلسطينيين حقهم في العيش بكرامة وأمان.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com