الهجوم الأميركي على إيران.. التحضيرات والاحتمالات والتداعيات

اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الآونة الأخيرة، خطوات تصعيدية تجاه الجمهورية الإسلامية، مما يشير إلى تهيئة إعلامية وسياسية لاحتمال اتخاذ إجراءات أكثر حدة، فقد وقّع ترامب مذكرة رئاسية لإعادة فرض العقوبات الصارمة مؤكداً على ضرورة أن تكون الولايات المتحدة قوية وحازمة في تعاملها مع التهديدات الإيرانية، وقد أعاد ترامب تفعيل سياسة “الضغط الأقصى” التي انتهجها خلال ولايته الأولى بهدف خنق صادرات النفط الإيرانية وتقويض دعم الجهورية الإسلامية لمحور المقاومة، ووقف برنامجها النووي، وهذه الخطوات تأتي في سياق تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران خاصة مع التقدم الذي أحرزته طهران في برنامجها النووي، وكما يبدو فإن الإدارة الأمريكية تسعى من خلال هذه التحركات إلى إرسال رسائل تحذيرية لإيران مفادها أن الخيارات العسكرية ليست مستبعدة إذا استمرت في سياساتها الحالية، ومن خلال مجموعة من الإجراءات يعمل ترامب على تهيئة الرأي العام المحلي والدولي لتقبل أي تصعيد محتمل مع إيران مع التركيز على إبراز التهديدات الإيرانية للأمن القومي الأمريكي ولحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
في مقاله لمجلة فورين آفيرز يقول إليوت أبرامز:
“إن الولايات المتحدة لديها الآن فرصة لإبقاء إيران وحلفائها خارج التوازن، ولأن الحل الحقيقي الوحيد لمشكلة الجمهورية الإسلامية هو زوالها، فإن الولايات المتحدة وحلفائها لا بد وأن يشنّوا حملة ضغط نيابة عن الشعب الإيراني الذي يتمنى نهاية النظام بحماسة أكبر من أي أجنبي، ولابد وأن تشمل هذه الجهود فضح القمع الذي يمارسه النظام وانتهاكاته لحقوق الإنسان، وشن حرب سياسية على النظام: الانتقاد المستمر لإخفاقاته الاقتصادية ووحشيته، ودعم جيران إيران إذا هددتهم إيران، وتقديم المساعدة (العلنية والسرية) للجهود التي يبذلها الإيرانيون للاحتجاج على نظام يكرهه أغلبهم بوضوح”.
وبينما كان ترامب متشدداً بشأن إيران ووقع على سياسة الضغط الأقصى مرة أخرى، وجعلها في أحد أوامره التنفيذية، قال إنه متردد بشأن القيام بذلك وأنه يفضل التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي على الاضطرار إلى التفكير في دعم الكيان الصهيوني بتوجيه ضربة الى الجمهورية الإسلامية.
في هذا السياق، نقدم لكم دراسة بعنوان “الهجوم الأمريكي على إيران: التحضيرات والاحتمالات والتداعيات” ويمكنكم تحميلها في أسفل التحليل الموجز أدناه.
تحليل موجز
إذا انتهت الحرب في أوكرانيا بانتصار غربي أو تسوية تضمن إضعاف روسيا، فقد يمنح ذلك واشنطن فرصة أكبر للتركيز على إيران واتخاذ خطوات أكثر عدوانية ضدها مستغلةً تفوقها الاستراتيجي وتقليص نفوذ موسكو في دعم طهران، وفي المقابل إذا أسفرت الحرب عن تعزيز المحور الروسي-الإيراني-الصيني، فقد تميل الولايات المتحدة إلى تجنب مواجهة مباشرة مع إيران، خشية إشعال صراع أوسع يشمل قوى عظمى أخرى مما يفرض عليها إعادة تقييم خياراتها، فإن إنهاء الحرب في أوكرانيا لن يكون العامل الوحيد في قرار واشنطن بشن حرب على إيران لكنه سيؤثر بشكل كبير في الحسابات الاستراتيجية الأمريكية بحيث تصبح المواجهة مع طهران خياراً أكثر قابلية للتحقيق إذا توافرت الظروف السياسية والعسكرية الملائمة.
وتعتمد الولايات المتحدة على إستراتيجية متكاملة لتبرير وتسهيل أي تدخل عسكري تبدأ بتصعيد إعلامي مكثّف يُركز على خلق صورة التهديد الإيراني الوشيك تدعم بتسريبات استخباراتية، وعقوبات اقتصادية خانقة، وبالتوازي تُمارس واشنطن ضغوطاً دبلوماسية لفرض عزلة دولية على الجمهورية الإسلامية مع دعم الاحتجاجات الداخلية لزعزعة الاستقرار لإظهارها كـ”نظام فاشل”، وفي مرحلة لاحقة، تُفتعل ذرائع أمنية، مثل الهجمات على سفن أو منشآت حيوية، لإضفاء الشرعية على أي رد عسكري بينما يجري تحريك الحلفاء والقوات العسكرية إلى مناطق قريبة، وقبل تنفيذ اي ضربة تُصدر الولايات المتحدة إنذارات أخيرة لإظهار أنها تمنح الفرصة للحل السلمي، لكن مع استمرار التصعيد الممنهج لضمان تهيئة الرأي العام للتحرك العسكري، فالهدف النهائي للولايات المتحدة تجاه إيران يتجاوز مجرد احتوائها أو الحد من نفوذها الإقليمي، بل يتمحور حول إعادة تشكيل التوازن الجيوسياسي في الشرق الأوسط بما يخدم المصالح الأمريكية وحلفاءها، لذا تسعى واشنطن إلى إضعاف النظام أو تغييره إن أمكن عبر الضغوط الاقتصادية، ودعم الحركات الاحتجاجية أو من خلال عمليات مباشرة وغير مباشرة، كما تركز على تحجيم النفوذ الإيراني في العراق ولبنان واليمن، وبناء تحالفات إقليمية جديدة مثل اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية لتعزيز جبهة موحدة ضد طهران، وإلى جانب ذلك، تهدف الولايات المتحدة إلى السيطرة على الموارد الاستراتيجية ومسارات الطاقة خاصة في مضيق هرمز لمنع إيران من استخدام ورقة النفط كأداة ضغط، وتحرص أيضاً على إبقاء الاقتصاد الإيراني تحت ضغط دائم من خلال العقوبات مما يحد من قدرة طهران على تطوير قدراتها العسكرية، ودعمها لقوى محور المقاومة، وبالطبع تبقى استراتيجية منع إيران من امتلاك قدرة نووية أولوية قصوى سواء عبر الاتفاقيات أو التهديدات العسكرية أو العمليات السرية، وفي الأخير تطمح واشنطن إلى تحييد إيران كقوة إقليمية منافسة، وضمان تفوق إسرائيل واستمرار النفوذ الأمريكي في المنطقة، بما يحقق استقراراً يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية.
ويبقى أنّ شن أي ضربات أمريكية على الجمهورية الإسلامية يحمل مجموعة من التداعيات الإقليمية والدولية، وقد تؤدي الهجمات الى إشعال صراع واسع يمتد الى كامل غرب آسيا، ويعرّض القوات والتواجد الأمريكي للخطر بشكل كبير، وكذلك حلفاء الولايات المتحدة خاصة الدول النفطية منها، وكذلك يهدد الصراع حركة الملاحة في مضيقي هرمز وباب المندب مما يؤثر على الاقتصاد العالمي ويزيد من التضخم الاقتصادي العالمي، وقد تواجه الولايات المتحدة مواقف دوليه مضادة لتحركاتها خاصة إذا كانت هذه الضربات غير مدعومة بغطاء دولي، وقد تستغل روسيا والصين هذا الموقف لتعزيز سردية فشل النظام العالمي القائم على القطب الواحد وستسعى لتعزيز وتوسيع نفوذها في المناطق المتأثرة بالصراع، كما قد تعزز الصين وروسيا دعمهم الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي لإيران.
أما داخل الولايات المتحدة فقد يواجه القرار بردود فعل متباينة، خاصةً إذا كانت العملية طويلة الأمد، أو ذات تكلفة بشرية ومادية كبيرة، وتؤثر على الانتخابات والسياسات الداخلية مع احتمال التأييد الشعبي لهكذا قرار، لذا فإن قرار شن ضربات على إيران يتطلب من إدارة ترامب حسابات دقيقة بناءً على التداعيات المحتملة، ووضع استراتيجيات للتخفيف من المخاطر وضمان تحقيق الأهداف الاستراتيجية بأقل خسائر ممكنة.
الفهرس:
مقدمة
التحضيرات الأمريكية لاحتمال تعرض إيران لهجوم عسكري
– الخطوات الأمريكية التحضيرية للهجوم العسكري
– الخطوات الحالية التي اتخذتها إدارة ترامب
المؤشرات في الداخل الإيراني للانتقال من مسار المفاوضات الى العمل العسكري عند الولايات المتحدة
– تزايد الاضطرابات الداخلية، وانقسام القيادة السياسية
– تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي
– أزمة أمنية داخلية نتيجة تصاعد نشاط الجماعات الكردية والبلوشية
تأثير العوامل الخارجية
– الصين وتأثيرها على مسار الصراع، والحسابات الأمريكية
– تأثير وقف الحرب في أوكرانيا على قرار الولايات المتحدة بشن هجوم على إيران