من غزة إلى طهران… رسالة لقاء قادة حماس مع المرشد الإيراني الأعلی
![](https://www.21sep.net/wp-content/uploads/2025/02/66-40.jpg)
استضاف مكتب القائد الأعلى للثورة في إيران مؤخراً لقاءً مع الكوادر القيادية العليا لحركة حماس، وخلال هذا اللقاء، عبّر كبار قادة الحركة في حضرة سماحة السيد الخامنئي عن بالغ الامتنان والتقدير للدعم الاستراتيجي المتواصل الذي تقدمه الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمحور المقاومة، مقدّمين التهاني بالانتصار التاريخي الذي حققته المقاومة الباسلة في غزة.
من هم قادة حماس الذين التقوا بالمرشد الإيراني الأعلی؟
في اللقاء الأخير بين القيادة العليا لحركة حماس والقائد الأعلى للثورة في إيران، ضمَّ الوفد الفلسطيني رفيع المستوى شخصيات قيادية بارزة، منهم:
محمد إسماعيل درويش – رئيس المجلس القيادي لحركة حماس: شخصية فلسطينية مرموقة، المعروف أيضاً باسم “أبو عمر حسن”، تولى رئاسة المجلس القيادي للحركة خلفاً للشهيد أسامة المزيني الذي ارتقى إلى العلا في السادس عشر من أكتوبر 2023 إثر عدوان صهيوني غاشم.
خليل الحية – نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس: قامة سياسية ونضالية فلسطينية مرموقة، تولى منصب نائب رئيس المكتب السياسي للحركة خلفاً للشهيد صالح العاروري، في أعقاب استشهاد القائدين يحيى السنوار وإسماعيل هنية العام الماضي، تصفه وسائل الإعلام الفلسطينية، إلى جانب خالد مشعل ويحيى السنوار وظاهر جبارين، بأحد العقول العسكرية الفذة في حماس.
يشغل الحية أيضاً منصب ممثل مدينة غزة في المجلس التشريعي الفلسطيني منذ العام الماضي، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، قدَّم الحية تضحيات جسام في مسيرة المقاومة، حيث استشهد سبعة من أفراد عائلته في عدوان صهيوني على منزله عام 2007، كما ارتقى نجله شهيداً عام 2008 أثناء قيادته لإحدى الكتائب الصاروخية في غارة جوية إسرائيلية.
عُرف الحية لعقود طويلة كأحد أبرز قيادات حماس والمقربين من دائرة يحيى السنوار الضيقة، وقد وصفته وسائل الإعلام الفلسطينية والإنجليزية بأنه “أحد القلة الذين كان السنوار يضع ثقته الكاملة فيهم”.
“زاهر جبارين” رئيس حركة حماس في الضفة الغربية: يُعدّ زاهر جبارين أحد أبرز أعضاء المكتب السياسي ونائب رئيس حركة حماس في الضفة الغربية، حيث يتولى مسؤولية ملف الأسرى، ويُعتبر جبارين من المؤسسين البارزين للجناح العسكري لحركة حماس، حيث لعب دوراً محورياً منذ أيام دراسته الجامعية، إذ نجح في استقطاب العديد من الطلاب إلى صفوف الحركة، كما تولى مسؤولية توزيع المنشورات خلال الانتفاضة الأولى في الضفة الغربية.
اضطلع جبارين بمسؤولية تنفيذ عدة عمليات عسكرية ضد الكيان الصهيوني في تسعينيات القرن العشرين، وفي عام 1993، أصدرت سلطات الاحتلال حكماً بحقه بالسجن المؤبد مع 35 عاماً إضافية، إلا أنه نال حريته ضمن صفقة تبادل الأسرى عام 2011، ليتم إبعاده خارج فلسطين، وخلال الحرب المستمرة على غزة منذ خمسة عشر شهراً، تحمّل قادة حماس وكوادرها العليا مسؤوليات جسيمة، تركزت في محورين متوازيين:
القيادة العسكرية: على مدار فترة الحرب على غزة، وخاصةً بعد استشهاد يحيى السنوار، نجحت القيادة العليا لحركة حماس في إدارة دفة المعركة وتخطيط وتنفيذ العمليات الضرورية ضد قوات الاحتلال، ونظراً لما يتمتع به قادة حماس من خبرات عسكرية وكفاءة قتالية مكتسبة عبر عقود من المواجهة مع الاحتلال الصهيوني، فقد تمكنوا خلال خمسة عشر شهراً من حرب غزة من إدارة العمليات العسكرية والمقاومة بكفاءة عالية، محقّقين إنجازات تاريخية غير مسبوقة.
الإجراءات الأمنية: تركز الجانب الآخر من نشاط القيادة العليا لحماس على متابعة الإجراءات التأمينية لحماية أرواح القادة المتبقين من المقاومة الفلسطينية، مع إدارة المفاوضات المتزامنة مع الأطراف الوسيطة، فضلاً عن الإشراف الميداني على توزيع المساعدات الإغاثية المحدودة خلال الحرب على غزة، وفي هذا السياق، نجحت القيادة السياسية لحماس في إدارة وضبط الأوضاع في غزة بكفاءة عالية، مع ضمان استمرارية عمل قيادات الحركة وحماية الأسرى الإسرائيليين، بهدف إتمام عمليات التبادل مع قوات الاحتلال.
إنجازات حماس
استناداً إلى تصريحات المرشد الإيراني الأعلی في لقائه مع قيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، يتجلى لنا مشهد استثنائي من الإنجازات الاستراتيجية التي حققتها المقاومة الفلسطينية في معركة غزة الأخيرة:
النصر الدبلوماسي لحماس في المفاوضات:
أشاد القائد الأعلى للثورة في إيران، خلال استقباله للقيادة العليا لحركة حماس، بالأداء الدبلوماسي المتميز لمفاوضي الحركة، واصفاً ما تحقق من اتفاق بأنه إنجاز استراتيجي استثنائي، وفي كلمته، خاطب قادة حماس بعبارات ذات دلالات عميقة قائلاً: “لقد حققتم نصراً مؤزراً على الكيان الصهيوني، وفي جوهر الأمر على الولايات المتحدة، وبفضل من الله العلي القدير، أحبطتم جميع مخططاتهم، ولم تمكّنوهم من تحقيق أي من أهدافهم المرسومة”.
إن تأكيد المرشد الإيراني الأعلی على الانتصار الدبلوماسي لحماس يكتسب أهميةً بالغةً، إذ يأتي في سياق محاولات محمومة من قبل الكيان الصهيوني، المدعوم بكل ثقل القوة الأمريكية، لفرض شروطه وإملاءاته على حركة المقاومة، غير أن حماس، وبحنكة استراتيجية فائقة، لم تقدم أي تنازلات جوهرية، بل نجحت في تحويل المفاوضات إلى منصة لتحقيق مكاسب تاريخية للقضية الفلسطينية.
وقد تجلت ثمار هذا النجاح الدبلوماسي في تحرير نخبة من أبرز قادة المقاومة وكوادرها، وعلى رأسهم المناضل البارز أشرف زغير، الذي اختطف في تشرين الأول/أكتوبر 2002، إلى جانب القيادات النوعية: إياد جرادات، وبلال غانم، وأحمد البرغوثي، وغيرهم من الرموز المؤثرة في مسيرة المقاومة الفلسطينية، وقد جاء هذا الإنجاز التاريخي ثمرةً للمفاوضات الاستراتيجية التي أدارتها حماس بكفاءة عالية، في إطار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
النجاح الإعلامي
في اللقاء مع قيادة حماس، أكد سماحة السيد الخامنئي على الأهمية القصوى للعمل الثقافي والإعلامي، مشدداً على ضرورة مواصلة النهج الإعلامي الحالي جنباً إلى جنب مع العمليات العسكرية وإعادة إعمار غزة، وأشاد سماحته بالأداء الاستثنائي لقوى المقاومة وحماس في المجال الإعلامي والدعائي، مؤكداً أهمية استمرار هذا النهج الاستراتيجي.
إن عناية القائد الأعلى للثورة في إيران بالنشاط الإعلامي لحماس، تستند إلى النموذج الناجح الذي قدمته المقاومة في مواجهة الحرب النفسية التي شنّها المحتل، فعلى الرغم من القصف الإعلامي الكثيف الذي مارسته قوات الاحتلال، إلا أن النصر الحقيقي في الحرب النفسية، بالتوازي مع المعركة العسكرية في غزة، كان حليف المقاومة الفلسطينية.
وقد تجسد هذا النجاح في المظاهرات العالمية الحاشدة المناهضة للعدوان على غزة، والاعتصامات الاحتجاجية في العديد من الجامعات العالمية، بما فيها 41 جامعة أمريكية، تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وقد عكست هذه التحركات نجاعة التكتيكات المدروسة التي اتبعتها المقاومة في مواجهة الحرب النفسية الصهيونية.
کما برز التفوق الإعلامي لحماس حتى خلال عملية تبادل الأسرى في الهدنة، فقد أثار عرض عبارتي “النصر المحتوم” و”اليوم التالي” خلال عملية تحرير الأسرى في غزة غضب الصهاينة، إذ كانت هاتان العبارتان تحاكيان بسخرية ادعاءات نتنياهو خلال العدوان على غزة، والتي لم يتحقق منها شيء، لا النصر المطلق ولا اليوم التالي لهزيمة حماس.
وبهذا الأداء الإعلامي المتميز، نجحت قوى المقاومة الفلسطينية في تسليط الضوء مجدداً على هزيمة المحتل في غزة، مؤكدةً أن المستقبل المشرق ينتظر غزة بعد إجبار المحتل على قبول وقف إطلاق النار.
أهمية حضور قادة حماس في طهران
في سياق تحليل أهمية تواجد قيادات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في طهران، يمكن استعراض النقاط الجوهرية التالية:
توقيت اللقاء:
جرى لقاء القيادة العليا لحركة حماس مع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في طهران في توقيت بالغ الأهمية، حيث نجحت قوات المقاومة الفلسطينية في فرض وقف إطلاق النار على الكيان الصهيوني المحتل، وإيقاف العمليات العسكرية في غزة، وتنفيذ اتفاقية تبادل الأسرى بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وعليه، فإن هذا اللقاء الأخير لأعضاء حماس في طهران، يتزامن مع انتصار المقاومة في فرض معادلاتها في غزة، ما يضفي عليه أهميةً استراتيجيةً من حيث التوقيت.
الدلالات العميقة لحضور قيادات حماس في طهران:
يحمل حضور قيادات حماس في طهران، رسالةً واضحةً حول متانة العلاقة بين المقاومة الفلسطينية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، فخلال الحرب على غزة، روّجت بعض وسائل الإعلام والمصادر المرتبطة بتل أبيب، لمزاعم حول وجود فجوة بين إيران وحماس، إلا أن هذه المزاعم تبددت تماماً مع حضور القيادة العليا لحماس في طهران عقب الانتصار في غزة، وفي الواقع، فإن حضور كبار قادة حماس في مكتب المرشد الأعلى، أكد أن المقاومة الفلسطينية ما زالت تعتبر نفسها مدينةً ومطمئنةً لدعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية في إنجازاتها وانتصاراتها الأخيرة.