الجبن الصهيوني ومصادرة الفرح الفلسطيني… مفارقة لا تحدث إلا في “إسرائيل”
![](https://www.21sep.net/wp-content/uploads/2025/02/66-19-780x470.jpg)
21 سبتمبر
العدوان الأخير على غزة أوصل القادة الصهاينة إلى حد الجنون، إذ لم يعودوا قادرين حتى على احتمال رؤية عائلة فلسطينية تعبر عن سعادتها بعودة ابنها الأسير، إنهم يريدون مصادرة الفرح الفلسطيني كما صادروا الأرض، ويريدون أن يحرموا الفلسطينيين من أبسط المشاعر الإنسانية، لأنهم يعرفون أن الفرح بحد ذاته هو شكل من أشكال المقاومة، وأن أي ابتسامة ترتسم على وجه فلسطيني محرر هي هزيمة جديدة لمشروعهم القائم على القمع والاستبداد.
يعكس هذا السلوك الفاشية الصهيونية والشعور بالتعالي اليهودي والاعتقاد بأن مشاعر اليهود فقط لها أهمية، ويتعزز هذا الشعور بالتعالي على الإنسانية الفلسطينية من خلال الحصانة التي تمنحها الحكومات الغربية لـ”إسرائيل”، ما يسمح لها بأن تضع مصالحها فوق كل اعتبار.
يظهر ذلك جلياً من خلال تغطية وسائل الإعلام الكبرى لمعاناة الأسرى الإسرائيليين وعائلاتهم بالتفصيل، ونقل شهاداتهم الملفقة، والإشارة إليهم بأسمائهم، بينما يتم تصوير الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية على أنهم هم المجرمون وهم المحتلون.
وهنا يستدعي الأمر أن نتوقف قليلاً ونقرأ أبعاد ذلك بالإجابة على السؤال: ما الذي تعنيه محاولة منع إظهار الفرح بشكل علني؟ هذه الأوامر التي تتناقض بشكل صارخ مع الفرحة العارمة في “إسرائيل” بعد إطلاق سراح رهائنهم من غزة.
صفعة قوية
منذ السابع من أكتوبر الفائت، والكيان الإسرائيلي يعيش في حالة من الذهول والارتباك غير المسبوق، فقد جاءت عملية “طوفان الأقصى” كضربة صاعقة هزت أركانه وكشفت هشاشته الأمنية، ما جعله يتصرف كمن لم يستفق بعد من أثر الصدمة التي تلقاها، قبل ذلك اليوم، كان الكيان الصهيوني ينعم بوهم السيطرة الكاملة على الفلسطينيين، مستغرقًا في شعور زائف بالأمن والاستقرار، فقد اعتقد قادته أنهم أحكموا قبضتهم على الشعب الفلسطيني، وتمادوا في غرورهم إلى حد الاعتقاد بأنهم باتوا سادة المنطقة، وخاصة بعد أن اندفعت بعض الأنظمة العربية نحو التطبيع معهم، ما منحهم شعورًا بالانتصار السياسي والدبلوماسي، هذا الاعتقاد المبالغ فيه بالأمان جعل رئيس وزرائهم، بنيامين نتنياهو، يشكل حكومة من أقصى اليمين المتطرف، تضم سياسيين مهووسين بقتل الفلسطينيين، ثم ذهب إلى الأمم المتحدة ليعرض خريطة تضم كل فلسطين التاريخية بالإضافة إلى أجزاء من الأردن وسوريا وجنوب لبنان، متجاهلًا تمامًا وجود الشعب الفلسطيني، وكأن القضية قد طويت نهائيًا.
لكن ما حدث في السابع من أكتوبر قلب الطاولة على هذه الأوهام، إذ أيقظ الكيان الصهيوني من أحلام يقظته وأجبره على مواجهة الواقع، فالضربة التي تلقاها لم تكن مجرد هجوم عسكري، بل صفعة أظهرت له أن مشاريعه التوسعية ليست سوى خيال، ما دام هناك شعب فلسطيني يرفض الاحتلال ويقاومه، وعلى الرغم من رد الفعل العنيف الذي لجأ إليه، من قصف عنيف ومجازر وحصار خانق، إلا أن كل ذلك لم يحقق له الهدف الذي سعى إليه، بل زاد من تعقيد أزمته، لقد استخدم الكيان الصهيوني في عدوانه على غزة قوة تدميرية هائلة، أسقط على القطاع أطنانًا من المتفجرات تعادل قوتها قنبلتين نوويتين من نوع القنبلة التي ألقيت على هيروشيما، ومع ذلك لم ينجح في إخضاع الفلسطينيين أو إجبارهم على الاستسلام، وظل الشعب الفلسطيني صامدًا في وجه القصف والدمار، واستمرت المقاومة في توجيه الضربات إلى الاحتلال، ما أجبره في النهاية على القبول بالهدنة، رغم كل محاولاته لتجنب ذلك.
الخوف الصهيوني من الفرح الفلسطيني!
قبول الكيان بهذه الهدنة والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين جاء نتيجة لفشله في تحقيق أي من الأهداف التي وضعها عند بدء الحرب، فمنذ اللحظة الأولى، تعهد قادته بمسح آثار السابع من أكتوبر، وإعادة ترميم صورة “الردع الإسرائيلي”، وإثبات قدرتهم على فرض إرادتهم بالقوة، لكن الوقائع على الأرض كشفت عجزهم عن تنفيذ وعودهم، وهذا الفشل لم يقتصر على الجانب العسكري، بل امتد إلى المستوى النفسي والسياسي، حيث بات كيان الاحتلال الإسرائيلي عاجزاً عن تحمل رؤية الفلسطينيين وهم يحتفلون بالإفراج عن أبنائهم الأسرى، فالفرح الفلسطيني بتحرير الأسرى يمثل بالنسبة لهم دليلًا حيًا على صمود الفلسطينيين، ويعيد تأكيد فشل الاحتلال في فرض هيمنته الكاملة.
من هنا يمكن فهم لماذا يحرص الكيان الإسرائيلي على منع الفلسطينيين من الاحتفال بتحرير أسراهم، إنه يدرك أن كل أسير فلسطيني يُفرج عنه هو شاهد جديد على عدم قدرته على سحق المقاومة، وأن الفرح الذي يعم العائلات الفلسطينية عند استقبال أبنائها يمثل صفعة جديدة لكيانه، الذي أراد عبر الاعتقال والإجراءات القمعية كسر إرادة الفلسطينيين، لكنه يجد نفسه الآن أمام واقع مختلف، حيث لا يزال الشعب الفلسطيني يحتفي بانتصاراته، مهما كانت صغيرة، ويرفض أن يُسلب منه حقه في الفرح والصمود.
ماذا يخفي هذا الخوف في طياته؟
حين تمنع “إسرائيل” الفلسطينيين من الاحتفال بتحرير أسراهم، فإنها لا تمارس فقط القمع والعدوان الذي أصبح سمة ثابتة لسلوكها الاحتلالي، بل تكشف عن جبن دفين، وهشاشة نفسية غير مسبوقة لدولة تدّعي القوة والهيمنة، أي دولة في العالم قد تخشى من ضحكة أم تحتضن ابنها العائد من الأسر؟ أي كيان قد يشعر بالتهديد من زغرودة فرح تتردد في بيت فلسطيني احتفاءً بتحرير أسير؟ إن “إسرائيل” ليست مجرد كيان عدواني، بل هي كيان خائف، مضطرب، مهزوز الثقة بنفسه إلى الحد الذي يجعله يرى في فرحة الآخرين خطرًا على وجوده.
في أي دولة أخرى، لا يمكن حتى تخيل أن تمنع السلطة عائلة من الابتهاج بخروج أحد أفرادها من السجن، مهما كانت الظروف، هل يمكن لأي طرف أن يمنع أسرة إسرائيلية من الاحتفال بعودة ابنها لو أفرجت عنه المقاومة الفلسطينية؟ بالعكس، العالم كله سيشاهد مراسم الفرح، وسيغطي الإعلام الإسرائيلي والعالمي هذه اللحظات بكل تفاصيلها، وسيُحتفى بالجندي الإسرائيلي العائد كأنه بطل قومي، فلماذا إذن تصبح هذه الفرحة الفلسطينية جريمة في نظر الاحتلال؟ لماذا يصبح التعبير عن الابتهاج خروجًا عن القانون في أعين الكيان الصهيوني؟
المفارقة العجيبة، أن الفلسطينيين، الذين يُتهمون زيفًا ووحشيةً بالإرهاب، لم يمنعوا الأسرى الإسرائيليين الذين كانوا في قبضة المقاومة من التعبير عن فرحهم بالحرية، لقد شاهد العالم بأسره كيف عامل رجال المقاومة الأسرى الإسرائيليين بإنسانية، وكيف قدموا لهم الماء، وساعدوا المرضى منهم، بل حتى أن بعض الأسرى شكروا آسريهم وأشادوا بمعاملتهم الراقية، لقد شاهدنا أسيرات وأسرى إسرائيليين يضحكون ويلوحون بأيديهم مودعين مقاومي غزة عند تسليمهم، فكيف يمكن لهذا المشهد أن يكون نقيضًا للمشهد الذي تصر “إسرائيل” على فرضه عندما تُجبر العائلات الفلسطينية على كبت مشاعرها، وتمنعها حتى من عناق أبنائها بحرية؟ هذه ليست مجرد ازدواجية معايير، بل هي سقوط أخلاقي يعكس الفرق بين من يناضل من أجل الحرية، ومن يقاتل فقط من أجل الاحتلال والقمع، لكن لماذا يخاف الكيان الصهيوني من فرحة الفلسطينيين؟ لماذا يثيرهم احتفال بسيط بأسير نال حريته؟ السبب واضح: لأن الاحتفال بخروج الأسير ليس مجرد فرح عابر، بل هو إعلان صريح أن السجن لم يكسر إرادته، وأن اعتقاله لم يكن وصمة عار بل وسام شرف، حين تحتفل أسرة فلسطينية بعودة أسيرها، فهي تعلن للعالم أن النضال مستمر، وأن التضحية لم تكن عبثًا، بل كانت جزءًا من طريق الحرية، هذه الاحتفالات تؤكد أن كل أسير خرج سيحمل معه رسالة المقاومة، وسيواصل المشوار، وأن كل فلسطيني مستعد لدفع الثمن من أجل وطنه، تمامًا كما دفعه من سبقوه.
حكومة الاحتلال الإسرائيلي تدرك ذلك جيدًا، وتخشى من أن يتحول الفرح الفلسطيني إلى طاقة نضالية جديدة، ولذلك تحاول مصادرته كما تصادر الأرض والحقوق، لكنها رغم كل محاولاتها، لن تستطيع أن تطفئ جذوة الفرح في قلوب الفلسطينيين، لأن هذا الفرح ليس مجرد لحظة احتفال، بل هو تأكيد أن الاحتلال لم ينتصر، وأن الحرية تظل الهدف الأسمى الذي لا يمكن لأحد أن يمنعه، مهما بلغت قوته العسكرية.