محور الإنذار: كيف ستؤدي خطة ترامب الى تهديد الدول العربية وإسرائيل معاً
![](https://www.21sep.net/wp-content/uploads/2025/02/dc3db088927e10524920d01040d855211738930638-780x470.jpg)
يتوقع هذا المقال الذي نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، أن خطة ترامب لتهجير مليوني فلسطيني ستضع كل زعماء دول الشرق الأوسط، وليس فقط مصر والأردن، في مأزق محفوف بالتهديدات.
لكن المقال أثار نقطة إيجابية تُحسب لصالح القضية الفلسطينية جراء خطوة ترامب الرعناء، حيث قال بأن الرئيس الأميركي بكلمات قليلة مغرورة، أعاد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى قلب الخطاب الدولي، فانتشل قطاع غزة من فئة “الكارثة الإنسانية” وحوله إلى رمز لـ “الصمود” الوطني.
النص المترجم:
بكلمات قليلة مغرورة واثقة من نفسها، أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى قلب الخطاب الدولي، فانتشل قطاع غزة من فئة “الكارثة الإنسانية” وحوله إلى رمز لـ “الصمود” الوطني. وفي هذا السياق، عزز ترامب شعوراً جديداً بالوحدة العربية ــ ليس فقط للدفاع عن الفلسطينيين، بل وأيضاً في المقام الأول لحماية الدول العربية من الصراع الذي يمتد إلى أراضيها.
حتى الآن، تم تصنيف دول الشرق الأوسط حسب محاذاة جيوسياسية – المحور السني المعتدل، وهو المحور الموالي للولايات المتحدة، والمحور الشيعي أو ما يسمى بمحور الشر الإيراني. يوم الثلاثاء، قدم ترامب محورًا جديدًا: محور الخوف.
بعد أقل من ساعة من كشف ترامب عن خطته للنقل، والتي “كشف” فيها أن المملكة العربية السعودية لم تطالب بإقامة دولة فلسطينية، أصدرت وزارة الخارجية السعودية، نيابة عن ولي العهد محمد بن سلمان، ردًا حادًا لا لبس فيه.
وذكرت أن العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، أو كما يطلق عليها الآن – صفقة التطبيع – لن تحدث بدون إقامة دولة فلسطينية. ووفقًا للبيان، فإن هذا موقف حازم لن يكون مفتوحًا للتفاوض.
بعد فترة وجيزة، جرت سلسلة من المكالمات الهاتفية بين القادة الإقليميين. طار الرئيس الفلسطيني محمود عباس للقاء الملك الأردني عبد الله، الذي يرى الخطة تهديدًا وجوديًا لبلاده، لتنسيق مواقفهما قبل اجتماع الملك مع ترامب يوم الثلاثاء التالي.
وصرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأن خطة ترامب لطرد نحو مليوني فلسطيني “غير مقبولة”. ومن المتوقع أن تعقد قمة عربية في الأيام المقبلة لتتخذ مرة أخرى موقفا صارما ضد ما يسمى “الهجرة القسرية” لسكان غزة.
كما ستمهد القمة الطريق لقمة عربية أميركية محتملة، والتي قد تعقد، وفقا لمصادر عربية، في وقت مبكر من نهاية الشهر في المملكة العربية السعودية بمشاركة ترامب.
إن خطة ترامب تفترض أن الفلسطينيين، دون التشاور معهم، سوف يغتنمون الفرصة التي لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر ــ وهي فيلا بها ملعب غولف وحمام سباحة في صحراء سيناء. وفي الوقت نفسه، فإنها تضع زعماء الدول المجاورة، وليس مصر والأردن فقط، في معضلة محفوفة بالتهديدات.
إن إعادة التوطين الدائم لنحو مليوني لاجئ فلسطيني يعني نقل ما يسمى بالقضية الفلسطينية إلى أراضيهم، إلى جانب العواقب الوطنية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة على ذلك ــ سواء على مستوى الدولة أو على المستوى العربي الأوسع.
بالنسبة للأردن، حيث يشكل الفلسطينيون ثلثي المواطنين، فإن هجرة مئات الآلاف من الفلسطينيين الإضافيين تمثل زلزالا ديموغرافيا من شأنه أن يؤدي إلى اضطرابات داخلية، وربما ينهي حكم الأسرة الهاشمية.
ولا تزال المملكة تتذكر بوضوح أحداث أيلول الأسود في عام 1970 ــ الصراع الدموي الذي هدد حكم الملك حسين وحياته. ولم يتمكن الملك من طرد منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن إلا بعد صراع شرس وكاد أن يهزم فيه.
وحتى الآن، ورغم أن الفلسطينيين من الضفة الغربية يحملون الجنسية الأردنية، وأن “الفلسطينيين الأردنيين” ـ أولئك الذين ولدوا ونشأوا في الأردن ـ يشغلون بعضاً من أعلى المناصب، فإن الجالية الفلسطينية في المملكة لا تزال تعتبر “عنصراً مشبوهاً”.
إن الأردن يسمح بالأنشطة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، التي يشغل ممثلوها أيضاً عضوية البرلمان، ولكنه يحظر حركة حماس ولا يسمح حتى بالزيارات العائلية لزعمائها.
إن إعادة توطين مئات الآلاف من سكان غزة، الذين كان كثيرون منهم على صلة بحماس، من شأنه أن يحول الأردن إلى دولة صراع مع إسرائيل، على غرار نموذج الستينيات والسبعينيات، أو لبنان، حيث خلقت الموجة الثانية من اللاجئين الفلسطينيين في السبعينيات التهديد المستمر المعروف باسم “فتح لاند”.
ولم ينته هذا التهديد بحرب لبنان الأولى، ومن الجدير بالذكر أن كميات كبيرة من الأسلحة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ـ والتي نشأت منها أيضاً هجمات متفرقة ضد إسرائيل ـ كانت موجودة بالفعل. ومن الجدير بالذكر أيضاً أن حماس أنشأت قواعد تدريب في لبنان وواحداً من أقوى مكاتبها السياسية. ولكن هل هذا هو الاتجاه الذي يتصوره ترامب عندما يقترح الأردن كملاذ لسكان غزة؟ قد تواجه مصر تطوراً مماثلاً، حيث ستزداد حربها الطويلة والمستمرة ضد الجماعات الإرهابية الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين تعقيداً بسبب وصول الآلاف من أعضاء حماس إلى سيناء ــ وهي المنطقة حيث يشكل التحكم في تدفق الأسلحة والذخيرة ومراقبتها تحدياً يكاد يكون مستحيلاً. وسوف يكون العبء الاقتصادي الذي قد تواجهه مصر مصدر قلق ثانوي، مقارنة بالارتباط المباشر الذي من المرجح أن ينشأ بين حماس وجماعة الإخوان المسلمين. وقد تؤدي هذه الشراكة إلى إنشاء جناح عسكري ماهر وذوي خبرة من شأنه أن يشكل تهديداً لكل من مصر وإسرائيل. ومثل الأردن، قد تخاطر مصر بالتحول إلى دولة صراع.
وعندما تظهر “ريفييرا الشرق الأوسط” التي يخطط لها ترامب والمنشآت الصناعية التي سيتم بناؤها في غزة أمام أعين مئات الآلاف من سكان غزة، الذين سيتم استبدال منازلهم بمواقع لقضاء العطلات، فسوف يضطرون إلى العيش تحت هذا التهديد الحقيقي للغاية. ويبدو أن هذا الحلم الوردي سوف يتحول بسرعة إلى كابوس.
ولكن الجهود المبذولة لإحباط التهديد الذي يشكله نقل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى أراضيهما، تضع الأردن ومصر تحت أنظار ترامب الوشيكة، حيث يقدم لهما إنذارًا اقتصاديًا. تعتمد مصر والأردن، اللاعبان الرئيسيان في المحور المؤيد للغرب وخاصة المؤيد للولايات المتحدة، بشكل كبير على المساعدات الاقتصادية الأمريكية، والتي تتجاوز مجرد المبالغ الاسمية التي تتلقاها.
كما تعمل هذه المساعدات الثابتة كدعم سياسي، وتعمل كضمانة حاسمة للحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي. بالإضافة إلى ذلك، فهي تضمن اتفاقيات تجارية مواتية، ومساعدات عسكرية والحماية التي توفرها الولايات المتحدة لكلا البلدين.
ولكن هذه الدول تتلقى أيضا مساعدات سخية من دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ففي العام الماضي وحده، استثمرت الدولتان عشرات المليارات من الدولارات في مصر وملايين الدولارات في الأردن.
ونظريا، إذا اختارت المملكة العربية السعودية إحباط تهديد ترامب وحماية “أخواتها” من ضغوطه، فيمكنها التدخل ماليا، لتحل محل الولايات المتحدة فعليا بتكلفة أقل بكثير مما قد يكون مطلوبا لبناء ما يسمى ريفييرا ترامب في غزة.
وعلاوة على ذلك، أعلنت المملكة العربية السعودية قبل أسبوعين أنها تخطط لاستثمار ما يقرب من 600 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع المقبلة من رئاسة ترامب. وسوف يحتاج ترامب، الذي يثق في قدرته على انتزاع تريليون دولار من ولي العهد الأمير سلمان، إلى تقييم من يمتلك النفوذ الاقتصادي الأكبر.
ولكن لا أحد من هذه البلدان يريد مواجهة مع الولايات المتحدة، تماما كما من غير المرجح أن يتخلى ترامب عن الفوائد الاقتصادية التي تقدمها له المملكة العربية السعودية، ولا التطبيع الذي يسعى إليه بين السعوديين وإسرائيل.
ونظرا للموقف السعودي الحازم الحالي، والمعارضة الساحقة من جانب “الدول المضيفة” وغيرها من الدول الإقليمية، فضلا عن الانتقادات الصادرة عن الكونغرس بشأن خطة النقل، فمن المرجح أن يضطر ترامب إلى تبني مجموعة جديدة من الأولويات.
حتى التطبيع قد يتعين عليه الانتظار حتى يتم التوصل إلى حل معقد بما فيه الكفاية للدولة الفلسطينية – حل يرضي المملكة العربية السعودية مع الحفاظ على سلامة ائتلاف نتنياهو.
قد يكون من الأفضل الآن عدم حبس أنفاسنا في انتظار البيان بشأن ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، والذي وعد ترامب بتأمينه في غضون أربعة أسابيع.
لقد خدم الفشل في الضم في الجولة السابقة، الإمارات العربية المتحدة كمبرر لتوقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، ويمكن تكرار ذلك مع المملكة العربية السعودية، إلى جانب الوعد الأمريكي وليس الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في دولة.
حتى ذلك الحين، من الحكمة تبني النهج المدروس لرئيس الوزراء القطري، الذي امتنع عن التعليق على خطة نقل غزة واقترح التركيز على استكمال صفقة الرهائن أولاً.