الجولاني وافتراءات خلاف عمره 1400 عام
منذ تطور الأحداث في سوريا، كشفت تصريحات قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني المتعددة، لا سيما خلال لقائه بزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، بعضاً من أفكاره وثقافته التي تعكس كيفية رؤيته لعلاقات سلطته مع محور المقاومة، وخاصةً مع الجمهورية الإسلامية في إيران والمقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله.
فقد زعم الجولاني خلال لقائه مع جنبلاط، بأن هناك جهات تستغل “القضايا التاريخية لإشعال الفتن واحتلال أراضي الدول”، متسائلاً عما علاقتهم “بأحداث حدثت منذ 1400 عام؟”، ومتهماً إيران وحلفاءها بأن حربهم للدفاع عن سوريا منذ العام 2011، كانت في هذا الإطار. فيما الوقائع والتطورات التي حصلت ولا تزال تحصل (الاحتلال الإسرائيلي الجديد لمناطق في الجنوب السوري وصولاً الى مسافة تبعد 15 كم عن الحدود اللبنانية السورية)، تكشف بأن مشاركة إيران وحلفاءها في محور المقاومة في الدفاع عن سوريا، كان هدفها المركزي تحصين جبهة المقاومة بمواجهة الكيان المؤقت، بعكس الواقع الحالي الذي يشير الى مكاسب إسرائيلية قد تصل الى حد تطبيع الحكام الجدد في دمشق مع تل أبيب، في سبيل حصولهم على “اعتراف دولي” بهم بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية.
وبالعودة الى تصريحات الجولاني خلال ذلك اللقاء، أوضح الأخير بأن “أهل الشام مسالمون ولا علاقة لهم بأحداث عمرها 1400 عاما”، مشيرًا إلى أن استحضار “هذه القضايا خاصة من قبل إيران وميلشياتها، يهدف لإثارة النزاعات الطائفية”، منتقداً ما وصفه بـ “استغلال قضايا مثل فلسطين وصراعات تاريخية لخلق حجج للسيطرة على دول عربية”، محذرًا من “سقوط عواصم عربية في قبضة إيران”.
تصريحات الجولاني هذه تتناقض بشكل لافت وواضح، حينما تكون إسرائيل هي الطرف المعني بحديثه، وهي العدو المركزي للأمتين العربية والإسلامية، فيتحول من ناحية التعابير والمواقف والحدة الى موقف “مسالم”. وهذا ما برز بشكل واضح خلال الأسابيع الأولى لتسلمه السلطة الانتقالية حينما صرّح في حوار مع صحيفة “تايمز” البريطانية، بأنه لا يريد “أي صراع سواء مع إسرائيل أو مع أي طرف آخر”. مطالباً إسرائيل بـ “أن تنهي ضرباتها الجوية في سوريا وتنسحب من الأراضي التي احتلتها مؤخرا”، ومعتبراً أن “مبرر إسرائيل كان وجود حزب الله والمليشيات الإيرانية، وهذا المبرر انتهى الآن”.
تتناغم تصريحات محافظ دمشق ماهر مروان للإذاعة الوطنية العامة الأميركية “إن بي آر”، مع مواقف قائده الجولاني، حينما برّر لكيان الاحتلال الإسرائيلي قيامه باعتداءاته الجوية والبرية، حيث قال مراون بأن إسرائيل “عندما تقدمت وقصفت”، قد تكون شعرت بالقلق بعد تغيير النظام في دمشق بسبب “فصائل معينة”، معتبرا بأن هذه المخاوف كانت “طبيعية”. ومعتبراً بأن بلاده “ليس لديها أي خوف تجاه إسرائيل”، وأن “المشكلة ليست مع إسرائيل!”. كما صرّح مروان بأن قيادته “لا تسعى للتدخل في أي أمر يهدد أمن إسرائيل أو أمن أي دولة أخرى في المنطقة”، مشيرا إلى أن هذا الموقف “يتماشى مع سياسة الحكومة الجديدة” التي تتركز أولوياتها على “تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة”، وأن “الشعب السوري يسعى للسلام ولا يرغب في النزاعات”.
وجود إيران والمحور هو بهدف مقاومة إسرائيل
إن الهدف من الوجود العسكري بالنسبة لإيران ولباقي أطراف محور المقاومة، لم يكن إلا لتعزيز جبهات المواجهة مع كيان الاحتلال، ومنعاً لتحقيق أطماع إسرائيل في هذا البلد. وهذا ما يمكن الاستدلال عليه بسهولة من السلوك الإسرائيلي مع التطورات التي حصلت في سوريا، منذ تنحي الرئيس الأسد عن السلطة، حينما قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بمهاجمة أكثر من 230 هدفاً في سوريا، كان يعتبرها تشكل خطراً عليه وعلى الكيان، ويخاف من وصولها الى المقاومة في لبنان. وحينما قام الإسرائيليون باستغلال التطورات السورية، لاحتلال مساحة جديدة في منطقة الجنوب السوري، تتضمن المنطقة العازلة في هضبة الجولان المحتل، ومنطقة جبل الشيخ التي تشكل السيطرة عليها حلماً أمنيا إسرائيلياً كبيراً.
وقد عبّر مسؤولو الكيان علناً عن أطماعهم في سوريا، وفي مقدمتهم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي صرّح من قمة جبل الشيخ الذي احتلّ جزءً جديداً منه، بأن قواته ستبقى في المناطق المحتلة الجديدة وتحديداً على قمة جبل الشيخ، “حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل”، مشيراً الى أن أهمية القمة لـ”أمن إسرائيل زادت، خاصة في ضوء الأحداث الأخيرة”.
وما لم يفصّله نتنياهو عن أطماع إسرائيل في سوريا، نقله موقع “والا” الإخباري الإسرائيلي عن وزير الحرب، يسرائيل كاتس، الذي قال بأن “جبل الشيخ بات عين إسرائيل لتحديد التهديدات القريبة والبعيدة”. مضيفاً بأنه من جبل الشيخ يمكن النظر “إلى (حزب الله) في لبنان، وعلى اليسار في دمشق، ونرى في المقابل دولة إسرائيل، والجيش الإسرائيلي موجود هنا لحماية مجتمعات الجولان ومواطني دولة إسرائيل من أي تهديد، من أهم مكان يمكن القيام به”. متابعاً بأنه “سنبقى هنا طالما كان ذلك ضرورياً، إن وجودنا هنا على قمة جبل الشيخ يعزز الأمن ويضيف بعداً من المراقبة والردع على معاقل (حزب الله) في سهل البقاع في لبنان”.
الجماعات المسلحة حالياً وسابقاً تستخدم التاريخ كذريعة
في المقابل، ومن خلال التدقيق فيما حصل مؤخراً بعد استلام الجماعات المسلحة للحكم بقيادة الجولاني، وما سبقه من أحداث على مر السنوات منذ نشوء جبهة النصرة، فإنه يمكننا اتهام الأخير بما قاله خلال لقائه بجنبلاط، من استخدام لحوادث تاريخية كذريعة لارتكاب أفعال غير مبررة وجرائم بحق الإنسانية، والشواهد على ذلك كثيرة:
_استهداف الأقليات الدينية: انطلاقاً من الهجمات واسعة النطاق ضد العلويين، التي تخللها إعدامات بشكل منهجي على أساس الهوية الطائفية أو بذريعة الانتماء للنظام السابق (مثلما حصل في ريف اللاذقية سابقاً خلال سنة 2013 وما يجري فيها حالياً)، بالإضافة الى القيام بتهجير المجتمعات العلوية والشيعية قسراً من منازلها بسبب التهديدات والعنف (مثلما حصل في قريتي النبل والزهراء سابقاً ولاحقاً في قرى ريف القصير). وفي سنة 2015، قتلت جبهة النصرة 20 قرويًا درزيًا في قرية قلب لوزة بإدلب، وحاولت إجبار المجتمع على التخلي عن معتقداته.
_الهجمات على الكنائس والمواقع الدينية الخاصة ببعض المذاهب والطوائف: لطالما هاجمت جبهة النصرة الكنائس المسيحية ودنستها، كما حدث في معلولا، وهي بلدة مسيحية تاريخية.
ومؤخراً قام مسلحو هيئة تحرير الشام بإحراق رموز للمسيحيين، ما أثار غضب الشبّان المسيحيين خاصةً في العاصمة دمشق، ودفعهم للاحتجاج والاعتراض.
أما درزياً، قامت حركة الجولاني بتدمير الأضرحة الدينية الدرزية أو تدنيسها في المناطق الخاضعة لسيطرة جبهة النصرة.
وهنا لا بد الإلفات، بأن الجماعات المسلحة – التي من ضمنها جبهة النصرة ولاحقاً هيئة تحرير الشام – في بداية الحرب على سوريا، هي التي قامت بالاعتداء على مقامات شيعية ومنها مقام السيدة زينب (ع) التي كتب المسلحون على جدرانه عبارة: “سترحلين مع النظام”، فكان هدف حماية المقامات والرموز الدينية حصراً، هو أحد الأهداف الأخرى لمشاركة إيران وفصائل المقاومة في المنطقة، منعاً لنشوب فتنة مذهبية تكون إسرائيل هي المستفيد الأكبر منها.
_الاختطاف: اختطفت جبهة النصرة سابقاً رجال الدين ومدنيين مسيحيين، وتعرض بعضهم لمطالبات بفدية أو القتل بسبب إيمانهم.
وكان لجبهة النصرة دور كبير أيضاً، في قضية احتجاز الزوار اللبنانيين للعتبات المقدسة، التي استمرت ما بين عامي 2011 و2013.
هذا غيض من فيض ما ارتكبته هذه الجماعات من منطلق تاريخي وديني وخلاف عمره 1400 سنة، وقد ظن الجولاني انه مع المظهر الجديد الخارجي ومحاولة الايحاء للناس انه تغير، يمكنه إقناع الرأي العام ببساطة انه لم يشارك في العراق وسوريا مع التنظيمات الجهادية من اجل خلاف عمره 1400 سنة! فيما لم يقتنع أحد حتى اللحظة أنه تغير حقيقة بانتظار الأفعال لا الأقوال.