مصير مجهول.. ماذا تعرف عن القواعد الروسية في طرطوس وحميميم؟
استهدفت الشظايا الأولى لسيطرة المعارضة المسلحة على دمشق، إسقاط المعقل الرئيسي للوجود الروسي في تطورات غرب آسيا وشمال أفريقيا، وكانت سوريا قد أعلنت، نقلاً عن “مسؤول أمني سوري”، عن بدء عملية سحب القوات والمعدات الروسية من قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، وفي الوقت نفسه، تتردد معلومات غير مؤكدة عن اتفاق بين موسكو وقادة الجماعات المسلحة على الاحتفاظ بقاعدتين روسيتين على الساحل السوري.
وتعد قاعدة طرطوس البحرية الروسية وقاعدة حميميم الجوية في سوريا من المرافق الأساسية للحفاظ على نفوذ موسكو في غرب آسيا والبحر الأبيض المتوسط حتى أفريقيا، وذكرت وكالة أنباء انترفاكس الروسية يوم الخميس الماضي نقلا عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن موسكو أجرت اتصالات مباشرة مع المكتب السياسي للمعارضة الذي يقوده الوفد، كما أعلن بوجدانوف أن موسكو تهدف إلى الحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا لمواصلة “الحرب ضد الإرهاب الدولي” في ذلك البلد.
كما نقلت انترفاكس عن بوجدانوف قوله: “القاعدتان ما زالتا موجودتين، ولم يتم اتخاذ قرارات جديدة في الوقت الحالي”، وأضاف: “(هاتين القاعدتين) موجودتان بطلب من السوريين لمحاربة إرهابيي داعش، وما زلت متمسكاً برأي أن الحرب على الإرهاب ولم يستنفد رصيد تنظيم الدولة الإسلامية بعد”، وذكر: “أن استمرار هذه المعركة يتطلب جهداً جماعياً، وفي هذا الصدد لعب تواجدنا وقاعدة حميميم دوراً مهماً في الحرب الشاملة ضد الإرهاب الدولي”.
وكانت وزارة الخارجية الروسية قد أشارت في وقت سابق إلى نية موسكو رفع اسم هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية، وقالت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية: “روسيا لديها قضاياها الخاصة، وعلى أساسها رفعت تنظيم (هيئة تحرير الشام) من قائمة التنظيمات الإرهابية”.
كما نقلت وكالة “بلومبرغ” عن مصادر مطلعة في موسكو وأوروبا والشرق الأوسط، لم تسمها، قولها: “تعتقد وزارة الدفاع الروسية أنه تم التوصل إلى تفاهم غير رسمي مع هيئة تحرير تحرير الشام”، وأضاف إن “الروس سيبقون في قواعدهم في سوريا، لكنه حذر في الوقت نفسه من أن الوضع قد يتغير وسط عدم الاستقرار في سوريا”.
من ناحية أخرى، أعلنت القناة الرابعة للتلفزيون الإخباري البريطاني أن مصادر إخبارية لهذا الإعلام “شاهدت قافلة مكونة من 150 مركبة عسكرية روسية تتحرك وخلص من ذلك إلى أنه من المحتمل أن يكون الجيش الروسي قد توصل إلى اتفاق مع المعارضة يسمح بخروج منظم وآمن من سوريا”.
قاعدة طرطوس البحرية
أنشئت قاعدة طرطوس عام 1971 بناء على اتفاق بين حافظ الأسد، الرئيس السابق ووالد بشار، والاتحاد السوفييتي في ميناء طرطوس، وهذه هي القاعدة الدائمة الوحيدة، وبقيت روسيا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وتعتبر هذه المنشأة مجمعاً استراتيجياً ومركز الصيانة الوحيد للسفن الروسية في البحر الأبيض المتوسط، حيث يستطيع الأسطول الروسي الإبحار من خلالها دون عبور المضائق الخاضعة للسيادة، وتتردد تركيا في مياه البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى قواعد الكرملين في البحر الأسود.
ووفقا لبلومبرج، فإن القوات الروسية استخدمت هذا الميناء لدعم مصالحها الأمنية في أفريقيا، كما أن الوجود العسكري في هذا الميناء يتيح لها نفوذا سياسيا وتطوير اقتصادهم في أفريقيا واستعادة بعض سلطاتهم في حقبة الحرب الباردة في هذه القارة، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، أغلقت العديد من المنشآت العسكرية السوفييتية أبوابها، لكن موسكو احتفظت بقاعدتها البحرية في طرطوس، رغم أنها قللت من قدرتها ومهامها.
لقد تغير هذا الوضع في عام 2010، وفي نهاية عام 2015، ذكرت وسائل إعلام روسية أن 1700 جندي روسي يتمركزون في القاعدة، إلا أن عدد الجنود الروس في القاعدة غير واضح، وفي الـ18 من كانون الثاني/يناير 2017، وقّعت روسيا وسوريا اتفاقاً يسمح لموسكو بتوسيع منشآتها البحرية في طرطوس لمدة 49 عاماً مجاناً.
وأجرى الجيش الروسي مناورات بحرية في أوائل ديسمبر/كانون الأول، قبل وقت قصير من الهجوم الخاطف الذي شنه المسلحون، وأعلن الجيش الروسي أن ألف جندي و10 سفن بينها فرقاطتان وغواصة وسفن دعم، بالإضافة إلى 24 طائرة، سيشاركون في هذه المناورات.
قاعدة حميميم الجوية
ومنذ بداية التدخل الروسي عام 2015 لدعم دمشق ضد الجبهة الإرهابية التكفيرية، أصبحت قاعدة حميميم في حوزة موسكو، وتتصل حميميم عن طريق البحر بميناء طرطوس على بعد حوالي 60 كيلومتراً جنوباً، ومن خلال نشر أنظمة دفاع جوي متقدمة مثل إس-400، كانت روسيا تحمي قاعدة حميميم، وبحلول نهاية يوليو/تموز، كان الروس قد نشروا “22 طائرة حربية ونحو 15 مروحية هجومية وطائرة من دون طيار” في القاعدة، كما يقول بيير رازو، المدير الأكاديمي لمؤسسة الدراسات الاستراتيجية للبحر الأبيض المتوسط.
والآن، ليس من الواضح بعد الحرب في أوكرانيا، هل تم تخفيض القوات والعتاد في قاعدة حميميم التابعة للجيش الروسي أم لا؟ ومع ذلك، يعتقد الخبراء أنه سيكون هناك انخفاض كبير في مستوى المعدات مقارنة بعام 2022، وتظهر الصور الملتقطة يوم الجمعة طائرتين من طراز AN-124، واحدة من أكبر طائرات الشحن في العالم، ذات أنوف مفتوحة في قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية الساحلية، ويقال إن طائرتي النقل الثقيل هاتين وصلتا إلى المطار لغرض تحميل المعدات، هذا فيما نشرت وسائل الإعلام، في الأيام الأخيرة، صوراً لخروج منظومة الدفاع الجوي “إس 400” من قاعدة حميميم الجوية.
علاقات سكراب موسكو وطرابلس
وبينما كان يُعتقد أنه بعد سوريا، ربما سيكون أحد الخيارات الأولى والرئيسية لتغيير موقع القوات والأسلحة الروسية في الشرق الأوسط الليبي، لكن حسب وسائل الإعلام، فإن حكومة الاستقرار الوطني بقيادة عبد الحميد آل خليفة -الدبيبة هذه الأيام مع تغير واضح في موقفه وترحيب سريع بإسقاط حكومة الأسد يتخذ خطوات لتقليص العلاقات مع موسكو؛ وهي مشكلة يبدو أن سببها ضغوط داخلية وخارجية.
وقبل التطورات الأخيرة في سوريا، تحسنت العلاقات بين طرابلس وموسكو بشكل ملحوظ، وخاصة في الأشهر الأخيرة، وزار مسؤولون تابعون لحكومة الدبيبة روسيا أكثر من مرة، وبعد أن أعادت روسيا فتح سفارتها في طرابلس في فبراير/شباط الماضي، أعلنت السفارة الروسية في ليبيا، في الـ 3 من يونيو/حزيران، البدء الرسمي للأنشطة القنصلية في طرابلس.
كما أعلن الكرملين، أنه استمرارًا لعملية تحسين العلاقات هذه، يعتزم افتتاح قنصلية عامة في بنغازي هذا العام، لكن بعد التطورات الأخيرة في سوريا، سارعت حكومة الدبيبة إلى الترحيب بإسقاط النظام السوري، الذي تأثر، حسب الخبراء، بمعادلات داخلية (ضغوط الإسلاميين وأمراء الحرب في المنطقة الغربية من ليبيا) ومعادلات خارجية (الدول الغربية).