ماذا يحدث في سوريا؟!
أنس القاضي
في أقل من أسبوع جرت أحداث متسارعة في الساحة السورية، بداية من سيطرة الجماعات المسلحة المتطرفة على حلب وصولاً إلى السيطرة على العاصمة السورية دمشق، دون مواجهات عسكرية تذكر بين الجيش الســـــوري وهذا الجماعات المسلحة، بل عمليات تسليم واستلام، تشير ربما إلى وجود صفقة معينة دولية أو إقليمية، وحتى ينزاح الغموض عن كيفية حدوث ما حدث في سوريا، فإن ما يهمنا معرفة ما الذي حدث في سوريا؟ ولماذا؟
أما لماذا؟ فعلى الصعيد الخارجي وبعيدا عن الأوضاع المحلية وتجربة حكم حزب البعث وقضايا تداول السلطة والحريات السياسية، فإن الجمهورية العربية السورية كدولة تدفع ثمن عدم قبولها صفقة مع «إسرائيل» في الجولان على غرار «كامب ديفيد» و«وادي عربة» و«أوسلو»، ولو كانت صديقة لأمريكا ما كان لدى الغرب والخليج مشكلة مع نظام الحكم وطبيعته والعائلة الحاكمة والحزب… الخ، هذا البُعد المتعلق بالصراع مع الإمبريالية والصهيونية هو ما جعلها مستهدفة على الدوام، وهو المحرك للحملة العدوانية الجديدة التي قادها أردوغان، والتي تخدم كلا من تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة بصورة مباشرة.
الكيان الصهيوني اليوم وبعد سيطرة الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا على العاصمة السورية دمشق يتمدد عسكريا في سوريا ويخترق «الحدود» لأول مرة منذ عام 1974م ، وأي دولة سورية مقبلة لن يقبل الكيان إلا أن تكون منزوعة السلاح كجيش لبنان، أو جيش ينسق مع الكيان كجيش مصر، أو جيش من المخبرين كقوات سلطة محمود عباس، نحن نخسر سوريا بهذا المعنى.
إن ما يحدث في سوريا جزء من مشروع إمبريالي صهيوني لإعادة تشكيل الشرق الأوسط كما كرر نتنياهو مراراً، وهو يقطع صلة دول وفصائل محور المقاومة من طهران إلى بيروت، كما أنه من جهة أُخرى يعني توسعا جديدا للمعسكر الغربي في البحر المتوسط، وخلق بؤرة أمريكية جديدة داخل هذه المنطقة، وفي المآل الأخير يعني خلق ظروف أفضل للكيان الصهيوني، الذي يشعر بارتياح كبير، لتخففه من إحدى أبرز جبهات المقاومة، فرغم أن سوريا لم تشتبك مع العدو مباشرة منذ عام 1973م إلا أنها كانت بمثابة معسكر خلفي للمقاومة اللبنانية والفلسطينية، ومصدراً للأسلحة ومنصة سياسية، هذا الحضن العربي الداعم للمقاومة بشجاعة ووضوح، سقط في تطورات الأحداث الأخيرة.
حكم حزب البعث في سوريا تجربة وليس نهاية التاريخ السوري، وبقدر ما كان في السياسة الخارجية داعما للمقاومة وصاحب صوت عربي قومي وازن، وفي الاقتصاد مهتما بالتنمية المحلية وصفر ديون خارجية؛ فقد كان في السياسة الداخلية مستبدا، وهذا التناقض بين السياستين مدمر، وهو المنفذ الذي تسلل الأعداء منه للنفاذ إلى سوريا.
منذ هذا اليوم انتهت تجربة البعث في سوريا، وذلك خسارة للمقاومة، لكن الحركة الوطنية والديمقراطية والمقاومة في سوريا أصيلة وسوف تستمر، نخشى على سوريا من نظام سياسي طائفي منقوص السيادة على غرار العراق ومن دوامة صراعات عرقية مذهبية دينية، ونأمل لهم غدا أفضل في ظل سوريا موحدة ديمقراطية علمانية تحترم التنوع الديني والمذهبي كاملة السيادة.
ففي العام 2003 لم يسقط الحزب الحاكم في العراق فحسب بل سقطت الدولة وتفكك الجيش وتفجرت العصبيات العرقية والطائفية والدينية ولم تقم للعراق حتى اليوم قائمة، فما حدث في العراق لم يكن تغييرا ديمقراطيا، بل كان تدميرا استعماريا، فالمسألة ليست محصورة في تغيير السلطة الحاكمة حزب «البعث»، بل في تدمير مؤسسات الدولة وتمزيق المجتمع ونهب الثروات، وإعادة تشكيل النظام السياسي على أسس قوميات ومذهبية ودينية تجعله نظام فوضى لا تنتهي، وهذا ما لا نريده لسوريا.