المعركة البحرية والضعف الغربي
21 سبتمبر || تقرير :
منذ انطلاق عملية إسناد معركة طوفان الأقصى، كان اليمن واضحاً في الموقف، رافعاً لسقف المناصرة، وثابتاً عليه بوتيرة تصعيدية. تبدو المواجهات البحرية التي يخوضها اليمن مع القوات الأمريكية وتحالفها الدولي ومع الأوروبي وحلفه الغربي تبدو أكبر بكثير مما نتصوره أو مما تتناقله وتتداوله وسائلُ الإعلام، يظهر ذلك عبر سلسلة التصريحات المتتالية التي يُطلقها قادة في البحرية الأمريكية والأوروبية من جنسيات مختلفة.
في البحار خاض اليمن أعنف اشتباك مع الأساطيل والقطع البحرية الأمريكية والبريطانية في معارك وصفتها الأوساط الغربية بغير المسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، هذا الاشتباك التاريخي لم يكن اليمن فيه فقط هو السباق عالمياً إلى مهاجمة حاملات الطائرات الأمريكية، بل استطاع اليمن تغيير قواعد الاشتباك بنحو أذهل كُبريات القوى التقليدية.. صواريخ برٍ تضرب لأول مرة مواخر في البحر، ومسيرات وزوارق مسيرة وغواصات، مما جعل من هذه المواجهات محطة فاصلة في تاريخ الحروب البحرية.
211 سفينة
وفي مدار معركة اليمن الإسنادية لغزة بلغ عدد القطع البحرية المستهدفة في مجملها زهاء (211) سفينة وبارجة، شملت:
(103) سفن تجارية ونفطية من جنسيات متعددة، 74 سفينة تجارية ونفطية أمريكية وبريطانية وإسرائيلية، 34 قطعة حربية أمريكية وبريطانية ما بين بارجات ومدمرات وحاملات طائرات أجبرت على مغادرة مسرح العمليات في البحر الأحمر والعربي والمتوسط، عبر سلسلة من العمليات القتالية.
من أبرز المحطات في هذه المواجهات كانت الاشتباكات مع حاملة الطائرات الأمريكية “آيزنهاور” التي تعرضت لهجمات القوات اليمنية أربع مرات، ما أجبرها على انسحاب وصفه المراقبون بـ”المخزي وغير المسبوق” في تاريخ البحرية الأمريكية. أعقب ذلك انسحاب حاملة الطائرات “روزفلت”، التي لم تجرؤ على دخول مناطق عمليات القوات المسلحة اليمنية، ثم “إبراهام لنكولن”، والتي لا تزال تداعيات فرار الأخيرة تحت ضربات اليمن محل اهتمام القادة العسكريين وحديث وسائل الإعلام، باعتبارها ثالث حاملات طائرات تغادر المنطقة.
ومع كل انسحاب تنجو به القطع الحربية الأمريكية من النيران اليمنية، يمثل تآكلاً وتناقصاً لمنسوب هيبة واشنطن في العالم وتتسع شروخ تحالفها البحري في المنطقة، الذي طالما قدم نفسه كقوة لا تقهر. ومع كل ضربة يمنية، يتكشف للعالم مدى هشاشة وضعف ما أطلق عليها “أسطورة البحار والمضائق” أمريكا وبريطانيا وتحالفهما البحري، وأن الإرادة الصلبة والابتكار العسكري يمكنهما زعزعة أقوى التحالفات وإعادة صياغة ملامح الصراع الإقليمي والدولي.
وعلى وقع عمليات القوات المسلحة اليمنية يتشكل واقع عالمي جديد على الأقل في المنطقة العربية.. واقع يتربع اليمن فيه “قلب المعادلات” وعلى رأس صناع المتغيرات.
هذه الحقائق ليست من الخيال بل باتت من المسلمات التي اعترف بها العدو نفسه، وسنورد في هذا التقرير بعضاً من تلك الحقائق التي قيلت على ألسن القادة الأمريكيين والبريطانيين وفي وسائل إعلامهم.
قائد التحالف الأوروبي يقر بالفشل
حين تحركت الولايات المتحدة في البحر لوقف عمليات اليمن البحرية، حرصت على حشد المجتمع الدولي إلى صفها في مواجهة اليمن، وتم تشكيل تحالف أمريكي بريطاني مع 12 دولة أخرى أسمي “حارس الازدهار”، فيما شكلت الدول الأوروبية تحالفاً بحرياً آخر أطلق عليه “أسبيدس”، وهذا التحالف أدرك منذ الوهلة الأولى صعوبة المعركة مع اليمن، وبالتالي أعلن أن دوره سيقتصر على التصدي للأسلحة اليمنية دون المشاركة في العدوان على اليمن.
وبعد عام من محاولة التحالف الأوروبي اعتراض الأسلحة اليمنية، ظهر قائد هذا التحالف ليعترف بأنه ليس ساحراً ليتغلب على اليمن، ما يوحي بأن كل التكنولوجيا الغربية منيت بالفشل ولم يعد من خيار سوى الحلول السحرية الخارقة للعادة، وهذا إحدى تجليات النصر الإلهي.
واعترف قائد عملية “أسبيدس” الأوروبية في البحر الأحمر فاسيليوس لوكالة لويدز بالعجز عن التصدي للأسلحة اليمنية نظراَ لكثافتها وقلة الصواريخ على السفن الحربية وصعوبة تعويضها، وقال فاسيليوس: “أنا لست ساحرًا، ولا يمكننا حماية الجميع، لأن لدينا ثلاث سفن حربية فقط ” لافتاً إلى أن بعض الصواريخ تكلف ملايين الدولارات، وعلينا أن نفكر في هذا الأمر وفي عدد الصواريخ التي نطلقها، وإذا فعلنا ذلك، أين وكيف نستبدلها؟”.
وأضاف قائد عملية “أسبيدس” الأوروبية: “رسالتي إلى الصناعة البحرية هي أنه يجب عليهم العودة إلى بلدانهم الأصلية وزيادة الضغط من أجل زيادة المشاركة من جانب “أسبيدس”. ولفت إلى أن اتخاذ القرارات بشأن السفن التي يجب توفير الحماية المباشرة لها يتطلب تقييمًا يوميًا للمخاطر يأخذ في الاعتبار التكلفة بقدر ما يتعلق بالهجمات المحتملة. وأضاف: “لا يمكنك الذهاب إلى السوبر ماركت للحصول على هذه الأشياء، والتمويل يقع مباشرة على عاتق الدول التي توفر السفن”.
في ذات السياق، اعترف فاسيليوس بأن الجيش اليمني لا يستهدف سوى السفن الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية. داعيا جميع شركات الشحن إلى إعادة النظر في قراراتها بشأن تغيير مسار سفنها حول رأس الرجاء الصالح. وقال الأميرال فاسيليوس: “بالنسبة لشركات الشحن التي ليس لديهم اتصالات مع الأمريكيين أو البريطانيين أو الإسرائيليين، يمكن أن تعود بأمان شديد إلى البحر الأحمر، فهناك عدد هائل من السفن التي يمكن أن تمر دون أن يلحق بها أذى”.
وأكد فاسيليوس أن الهجمات التي ينفذها اليمنيون تستهدف بشكل رئيسي السفن التابعة لإسرائيل والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وليس هناك ما يبرر الخوف بالنسبة للسفن غير المرتبطة بهذه الدول. وأضاف: إنه يتعين على الرؤساء التنفيذيين لشركات الشحن أن يقوموا بتحليل المخاطر الخاصة بهم قبل أن يقرروا الاستمرار في تحويل مسار جميع سفنهم حول رأس الرجاء الصالح، لأن هناك العديد من السفن التي لا يتم تضمينها فعليًا في قائمة الأهداف لدى اليمن.
أمريكا تقر باستهداف بوارجها
بعد أن حاولت الولايات المتحدة الأمريكية التستر على عمليات استهداف سفنها، وجدت نفسها مضطرة للاعتراف أخيراً، حيث نقل موقع “بيزنس إنسايدر” الأمريكي عن مسؤول دفاعي أمريكي قوله: إن مدمرة تابعة للبحرية الأمريكية تعرضت لثلاث هجمات من قبل القوات المسلحة اليمنية خلال شهرين.
وأوضح المسؤول العسكري الأمريكي أن المدمّـرة (يو إس إس ستوكديل) تعرضت حتى الآن لثلاثة حوادثَ في غضون شهرين، وكانت عرضة لوابل كثيف من الصواريخ والطائرات بدون طيار في الـ27 من سبتمبر الماضي، وأن الهجوم الثاني كان في الــ12 من (نوفمبر) المنصرم، والثالث في الأول من ديسمبر، واعتبر الموقع أن “هذه الهجمات المتكرّرة تعكس رغبة “الحوثيين” في ضرب أي سفينة حربية أمريكية”.
وفي الــ 27 من سبتمبر 2024م أعلنت القوات المسلحة اليمنية تنفيذ عملية عسكرية نوعية استهدفتْ منْ خلالِها ثلاثَ مدمرات حربية أمريكية، كانت متجهةً لإسناد العدوّ الصهيوني عبر البحر الأحمر، وكانت (ستوكديل) من بينها حسب ما قاله مسؤولون أمريكيون لشبكة فوكس نيوز: إن السفن الحربية “ستوكديل” و “سبروانس”، و “إنديانابوليس”، تعرضت لوابل من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز وطائرات بدون طيار، عندما كانت تمر عبر مضيق باب المندب. أما شبكة سي بي إس فنقلت عن مسؤولين أمريكيين قولهم: إن “الهجوم على ثلاث سفن حربية أمريكية في البحر الأحمر، كان واحداً من أكبر الهجمات حتى الآن على السفن الحربية الأمريكية العاملة في الشرق الأوسط”.
وفي الــ 12 من نوفمبر 2024م: أعلنت القوات المسلحة اليمنية عن تنفيذ عمليتين عسكريتين نوعيتين الأولى استهدفت حاملة الطائرات الأمريكية (إبراهام) في البحر العربي بعدد من الصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة، والثانية استهدفت مدمرتين أمريكيتين في البحر الأحمر بالصواريخ والمسيرات، وقد أكدت القيادة المركزية الأمريكية يومها أن (ستوكديل) كانت ضمن هذا الهجوم.
وفي الــ 1 من ديسمبر 2024م: أعلنت القوات المسلحة اليمنية عن تنفيذ عملية عسكرية نوعية ومشتركة، استهدفت مدمرة و3 سفن إمداد تابعة للجيش الأمريكي، وقالت القوات المسلحة: إن العملية نُفّذت بـ 16 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة في البحر العربي وخليج عدن، وكانت الإصابات دقيقة ومباشرة، وقد اعترفت القيادة المركزية الأمريكية أن (ستوكديل) كانت ضمن هذا الهجوم.