ما معنى وقف إطلاق النار في لبنان؟ إنجاز أم إكراه بالنسبة لنتنياهو؟
21 سبتمبر
تم الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله اللبناني والكيان الصهيوني، في حين أن هناك العديد من العوائق أمام التوصل إلى سلام دائم بين الجانبين، ولا سيما أنه، حسب مسؤولين في حزب الله اللبناني، لا توجد ثقة في احترام والتزام الصهاينة للسلام، والذين لهم تاريخ طويل في تجاهل الاتفاقيات والالتزامات الدولية، وفي المقابل، وعلى النقيض من غزة، فإن الحرب في جنوب لبنان لم تنتهِ بسرعة كبيرة إلا بعد 56 يوماً.
وإذا سارت الأمور على ما يرام، فمن المفترض أن تستمر هذه الهدنة لمدة 60 يوماً على الأقل، سيتم خلالها اتخاذ المفاوضات واتخاذ القرارات بشأن مراحلها التالية.
اجتمع مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي في الساعة 16:00 مساء بالتوقيت المحلي، وفي اجتماع متوتر وافق أخيرا على وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، وقد تم إعلان وقف إطلاق النار رسميًا ليلة الثلاثاء، وبدأ تنفيذه رسميًا يوم الأربعاء عند الساعة العاشرة صباحًا.
وحاول وزراء حزبي اليمين المتطرف، القوة اليهودية والصهيونية الدينية، جاهدين منع الموافقة على وقف إطلاق النار، إلا أن وجود حزب الأمل الجديد بزعامة جدعون ساعر في الحكومة ساهم في اعتدال تصويت هذا الفصيل وتراجع الأصوات المعارضة وانتصار أنصار وقف إطلاق النار في مجلس الوزراء، وإلى حين حضور ساعر في الحكومة، كان يمكن لكل من الحزبين اليمينيين المتطرفين إجبار نتنياهو على قبول طلبهما من خلال التهديد بمغادرة الحكومة.
وبموجب هذا الاتفاق، سيتوقف الجانبان عن القتال لمدة شهرين، وخلال هذه الفترة من الزمن، سيتولى 5000 جندي من الجيش اللبناني مسؤولية أمن الحدود المشتركة مع فلسطين المحتلة، ويقول مسؤول في الكيان الصهيوني في هذا الصدد، إنه ليس من الواضح إلى متى سيستمر هذا الاتفاق، ربما شهرًا أو حتى سنة.
وفي هذا الصدد، أعلن بيتساليل سموتريتش، وزير المالية وزعيم الحزب الصهيوني الديني اليميني المتطرف، والذي كان من المعارضين بشكل أساسي لوقف إطلاق النار، موافقته على هذا الاتفاق من خلال إعلان أربعة شروط: 1- أي انسحاب للقوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية تتطلب موافقة مجلس الوزراء العادي لـ”إسرائيل”، 2- يجب أن تتم الموافقة على استراتيجية تحديد خروقات وقف إطلاق النار من قبل مجلس الوزراء الإسرائيلي خلال 48 ساعة، 3- يجب إعلان كل المنازل المدمرة في جنوب لبنان منطقة عسكرية ومنع إعادة إعمارها، وأخيراً فإن أي انتهاك من الجانب اللبناني سيؤدي إلى اعتداء على البنية التحتية للبلاد من قبل الجيش الإسرائيلي.
وقف إطلاق النار.. إنجاز أم إجبار لـ”إسرائيل”؟
ودخل الجانبان في اتفاق لوقف إطلاق النار، بينما، باستثناء 56 يوما من الحرب، جعل حزب الله الأراضي المحتلة في الشمال غير آمنة لأكثر من عام، وخلال حرب غزة، عطل بشدة تركيز الجيش الصهيوني، وعاش أكثر من 60.000 من سكان هذه المنطقة في 50 مستوطنة خارج منازلهم خلال هذه الفترة، كما كان على “إسرائيل” أن تبقي ثلث جيشها متمركزا في الشمال خلال الحرب.
كما أنه بعد إعلان الجيش الإسرائيلي رسميًا في أغسطس 2024 عن تغيير محور الحرب إلى شمال الأراضي المحتلة، كان هدفه الأساسي هو إعادة الأمن إلى المنطقة الشمالية ومن ثم إعادة سكان هذه المنطقة، لكن الحقيقة هي أنه لا يمكن تحقيق أي من هذين الهدفين الاستراتيجيين بإجراءات عسكرية ثقيلة، وهو ما لم يكن ممكناً دون طرد حزب الله من المناطق الحدودية للحدود المشتركة.
وبالأساس، كان هذا هو السبب الذي جعل “إسرائيل” تحول “تبادل إطلاق النار” مع حزب الله إلى “حرب” بعد عام واحد؛ لأنه من خلال الهجمات الصاروخية العديدة (حسب ادعاء الجيش الإسرائيلي 8 هجمات لكل هجوم لحزب الله) واغتيال القادة اللبنانيين، فشل في إجبار حزب الله على قبول نهاية تبادل إطلاق النار وبغض النظر عن حالة الجيش الإسرائيلي، ووقف إطلاق النار في غزة، فالسبيل لإنهاء تبادل إطلاق النار هو قبول وقف إطلاق النار القسري.
وعلى الرغم من الضربات التي وجهها الكيان الصهيوني وحلفاؤه للمقاومة اللبنانية من خلال حملة الإرهاب في الأيام الأولى للحرب، والتي بلغت ذروتها باغتيال الشهيد السيد حسن نصر الله وغيره من شخصيات المقاومة اللبنانية، إلا أنه ومن ناحية أخرى، نجح حزب الله في وقت لاحق في استعادة نفسه ومواصلته للقتال بحيث لا تتم تلبية أي من مطالب “إسرائيل” من خلال العمليات العسكرية، أي إنه حتى التقدم البري المتقطع والمحدود وغير المستقر لجيش الكيان الصهيوني في بعض المناطق القليلة في جنوب لبنان لم يتمكن من إجبار حزب الله على التراجع.
ونتيجة لذلك نرى أن هذا الكيان يريد تحقيق الأهداف الثلاثة المذكورة ليس من خلال العمليات العسكرية بل من خلال مفاوضات وقف إطلاق النار، وقد أدى التوصل إلى هذا الاستنتاج إلى أنه، خلافاً لإجراءات هذا الكيان التي استمرت لمدة عام في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، والتي لم تنجح في كل مرة بسبب تجاوزات نتنياهو، فإن مفاوضات وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية أدت إلى تقدم مهم وبسرعة جيدة وفي أقل من شهرين.
خلال الحرب على لبنان، زعمت السلطات الإسرائيلية عدة مرات أنها دمرت نحو 80% من قدرات حزب الله الصاروخية والمقذوفية، لكن يمكننا أن نرى أنه بعد انتهاء موجة الاغتيالات ضد قوات حزب الله، استعادت هذه الحركة هيكلها وباتت قادرة على توسيع نطاق نيرانها إلى المدن الإسرائيلية واستهدفت تل أبيب وحيفا عدة مرات.
كما ارتفع مستوى هجمات حزب الله بالطائرات من دون طيار والصواريخ في الأيام الماضية، بحيث تم استخدام أكثر من 200 صاروخ وقذيفة ضد هذا الكيان في 50 عملية في يوم واحد فقط، في الهجمات الصاروخية والطائرات من دون طيار الأخيرة، وكان نصف السكان الصهاينة في الملاجئ في ذلك اليوم بسبب الهجمات.
كما أظهرت العديد من العمليات الناجحة بطائرات من دون طيار أن حزب الله تمكن من دفع الصراع إلى توازن جديد على مستوى آخر.
والآن يجري تنفيذ وقف إطلاق النار بينما “إسرائيل” لم تنتصر في الحرب، وتسعى إلى تحقيق أهدافها عبر التفاوض والسلام، وهذا يظهر لأعداء هذا الكيان أنه أخيراً، بعد 14 شهراً، لم تعد العملية الإسرائيلية السابقة المتمثلة في مواصلة العمليات العسكرية إلى أجل غير مسمى ممكنة، وبالتالي تم الكشف عن مستوى جديد من ضعف “إسرائيل”.