حزب الله في مواجهة المباغتة الاستراتيجية
21 سبتمبر :
تاريخيًّا، تعد المباغتة إحدى الفنون القتالية القديمة الفاعلة في إلحاق الهزائم والخسائر الكبيرة، واقدمها حرب طروادة في القرن الثاني عشر أو الثالث عشر قبل الميلاد، وأحدثها في القرن العشرين، خلال الحرب العالمية الثانية، خلال معركة تارانتو (بريطانيا-إيطاليا)، ومعركة بيرل هاربور (اليابان- القوات الأميركية)، وكذلك معركة التركيز او الضربة الجوية في سيناء، ربيع حزيران 1967، التي تمثل واجهة الإرث العسكري الخداعي للكيان المؤقت في المباغتة في القرن العشرين.
يُعرف عن هذا النوع من المفاجآت فعالية تأثيرها لما تقوم عليه من خداع ودهاء و”إبداع”. وفي حين يذكر التاريخ مجموعة من الهجمات التي فاجأت الخصم على حين غرة، تكشف هذه الأمثلة الهزائم الساحقة والخسائر الكبيرة التي أصيب بها الطرف المباغَت إلى درجة تغيير توازن القوى وثقل الهيمنة والسيطرة على أوراق المفاوضات والحصول على اليد العليا في محادثات المعاهدات، بل والتسبب بالحروب الكبرى، أيضًا.
في سيناء 1967، فاجأت القوات الجوية الإسرائيلية نظيرتها المصرية وشنّت سلسلة من الهجمات الجوية المفاجئة. في الموجة الأولى من الضربة الاستباقية، انطلقت ما يقرب من 200 طائرة تابعة للقوات الجوية الإسرائيلية فوق البحر الأبيض المتوسط، وحلقت على ارتفاع منخفض بما يكفي لتجنب كل من الرادار وصواريخ أرض جو، ثم توجهت إلى مصر، وفي غضون ساعات فقط، دمرت طائراتها الحربية؛ بالإضافة إلى ذلك، نشر الإسرائيليون رأسًا حربيًا جديدًا جعل مهابط الطائرات العسكرية للعدو غير صالحة للاستخدام تمامًا. وسرعان ما تلت ذلك موجتان أخريان من القصف، مما أدى إلى تدمير نحو 500 طائرة. وفي الأيام الخمسة التالية، نجح سلاح الجو الإسرائيلي في تدمير طائرات مقاتلة أردنية وسورية، كما تسبب في خسائر فادحة بين القوات البرية. وفي غضون فترة وجيزة، غيرت حرب الأيام الستة بشكل جذري الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط. وفي17 ايلول 2024، قام العدو الإسرائيلي بسلسلة من الهجمات المباغتة المتتالية، توقع أن تؤدي إلى نتائج مثمرة لصالحه على حساب المقاومة وقاعدتها، والدليل الاقوى على الرهان على فعالية تأثير الهجمات ما شهدته الساحة السياسية اللبنانية مباشرة من مزايدات ومحاولة “الجني” أو “الحصاد” السريع، لكن باءت المساعي بالفشل واصطدمت بواقع مغاير لما كان مراهنًا عليه.
مرّ حزب الله بتحديات عديدة منذ السابع عشر من أيلول 2024 حتى تاريخه، هي الأقوى في تاريخ الحزب القيادي والسياسي والعسكري والتنظيمي والشعبي، بعضها كان مشخّصًا ومحدّدًا وسبق الإلفات إليه، والبعض الآخر وإن سبق التداول باحتماله إلا أنه حاز على ترجيحات ضئيلة لأنه كان يمثل خطوطًا حمراء، لعل الأغلب من المحللين السياسيين والعسكريين كان يستبعدها، على الأقل زمنيًّا، وفق الظروف التي كانت تحيط بميار الحرب على غزة. سمحت طبيعة الحزب وهيكلية وميزاته المؤسساتية ومجموعة مزاياه ومبادئه واستراتيجيته في تجاوز بعض التحديات الجوهرية التي كان المطلوب أن تتحوّل إلى تهديدات بنيوية تمسّ بـ “وجود” الحزب وما يمثله من مقاومة متكاملة الأبعاد: عسكريّا وسياسيًّا وشعبيًّا، وذلك بالاستفادة من المباغتة التي قام بها العدو الصهيوني. العامل الثاني الذي ساهم في هذا الاتجاه هو موقف القاعدة الشعبية للمقاومة التي عملت على المساعدة في امتصاص الصدمات عبر قبول التحدي بالصبر والاحتساب والإيمان بقوة الخط. سرعة التعافي لدى حزب الله فاجأت الكثيرين وعطّلت مفاعيل مخططات أكثر “عدوانية وانهزامية” كانت قيد التحضير وموضع “جسّ نبض”، حتى فصل الميدان الخطاب وأجهضت الإنجازات العسكرية للمقاومة المشاريع المعادية الخارجية والداخلية، وعاد التوازن تدريجيّا في مسار الحرب لكن بشكل تصاعدي أعاد ثقل كلمة المقاومة في ميزان المفاوضات والأوراق السياسية.
تتناول الورقة مجموعة من أبرز التحديات التي تجاوزها حزب الله منذ 17 ايلول حتى تاريخه مرورًا بالمحطات المفصلية في تاريخ الحرب على لبنان، خلال الفترة المحددة.