مقالات

لماذا تعرقل واشنطن و”تل أبيب” تسليح العراق؟

عادل الجبوري

تداولت بعض وسائل الإعلام الغربية والمحلية في الآونة الأخيرة، تقارير وتصريحات تشير إلى أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية تعرقلان أي مساعٍ وتحركات لتسليح العراق بأسلحة متطورة، تتيح له تأمين أرضه وسمائه، وتعزيز سيادته الوطنية. وتزامنت تلك التقارير والتصريحات تقريبًا مع سماح الولايات المتحدة الأميركية للكيان الصهيوني بإستخدام الأجواء العراقية في ضرب الجمهورية الإسلامية الإيرانية في السادس والعشرين من شهر تشرين الأول-أكتوبر الماضي، بعد الهجوم الإيراني الواسع على الكيان الغاصب الذي عرف بعملية (الوعد الصادق 2) في الأول من نفس الشهر.

ولعل مخططات الكيان الصهيوني لمنع العراق من تحقيق التقدم في مجال التسلح وبناء القدرات العسكرية، ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، وإنما تعود إلى فترات زمنية بعيدة، وقد شكل ضرب “تل أبيب” للمفاعل النووي العراقي في حزيران-يونيو من عام 1981، مثالاً ومصداقًا واضحًا لتلك المخططات، علمًا أن النظام الحاكم في العراق حينذاك، كان قريبًا جدًا من الولايات المتحدة الأميركية والمنظومة الغربية، وكان يعد أحد أدواتها المهمة في المنطقة، خصوصًا بعد سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي، وانتصار الثورة الإسلامية في ايران بقيادة الإمام الراحل روح الله الخميني مطلع عام 1979.

وإلى جانب ضرب المفاعل النووي العراقي، فإن جهاز المخابرات الصهيوني(الموساد) وضع خططاً لملاحقة وتصفية خبراء الذرة العراقيين، وحتى خبراء من جنسيات غير عراقية، كان لهم دور في إنشاء البرنامج النووي، منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. ولم تكن خطط (الموساد) تجري بمعزل عن التنسيق والتعاون مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية(CIA).

وبعد حرب الخليج الثانية عام 1990، وخضوع العراق للعقوبات الدولية والحصار والعزلة، ومن ثم الغزو والاحتلال الأميركي في عام 2003، اتسعت المخططات الصهيونية ومعها الأميركية لملاحقة العلماء النوويين العراقيين، وللعمل على قطع كل الطرق أمام العراق لإعادة بناء قدراته العسكرية، لا سيما بعد قرر الحاكم المدني الأميركي “بول بريمر” حل الجيش العراقي وفتح أبواب كل مقراته وقواعده للنهب والسلب.

وإذا كانت مواقف العراق وأدواره الإيجابية في مجمل الحروب التي اندلعت بين العرب والكيان الصهيوني منذ إنشاء الأخير على أرض فلسطين في عام 1948، هي التي جعلت أصحاب القرار في “تل أبيب” يعملون بكل إمكانياتهم ويبذلون أقصى جهودهم لإضعافه، فإنه بعد سقوط نظام صدام وخضوع العراق للاحتلال الأميركي، ربيع عام 2003، توضحت وتكشفت حقائق وأهداف أخرى، اندرجت تحت الهدف الرئيسي الأول.

وبما أنه منذ الشهور الأولى للاحتلال الأميركي، بدا واضحًا أن العراق لا يمكن إخضاعه وجرهّ إلى مساحات التطبيع مع الكيان الصهيوني، فقد جعل هذا الأمر خيار إضعافه وتهميشه وإغراقه في دوامة المشاكل والأزمات أكثر إلحاحًا، وبالفعل هذا ما حصل عبر أساليب وأدوات ووسائل مختلفة، داخلية وخارجية، من بينها إبقاء جيشه ضعيفًا وتسليحه هامشيًا.

وحينما نتحدث عن أجندات الكيان الصهيوني حيال العراق، فإننا في الواقع لا نبتعد كثيرًا عن الأجندات الأميركية، لأن مخططات وأهداف وإستراتيجيات كل من “تل أبيب” وواشنطن واحدة، وإذا كان هناك من اختلاف وتباين، فإنه لا يتعدى تفاصيل وجزئيات صغيرة.

ويشير الضابط السابق والخبير العسكري العراقي، عماد علو، إلى “أن إسرائيل تقف بكل تأكيد وراء عدم امتلاك العراق لأية صواريخ متطورة، من خلال المحددات التي وضعتها الولايات المتحدة بشأن المؤسسة العسكرية العراقية، سواء صواريخ أرض-أرض، أو الدفاع الجوي أرض-جو، وأن الولايات المتحدة أخذت على عاتقها عدم تطوير قدرات الجيش العراقي بعد عام 2003، لمنع أي تهديدات للكيان الصهيوني، بالتالي فإن الولايات المتحدة هي التي تتحكم بقدرات دول المنطقة التسليحية”.

فمحور واشنطن و”تل أبيب”، من الصعب جدًا أن يتقبل حقيقة وجود عراق قوي ومستقل، ما لم يضمن ابتعاده عن إيران، بل وأكثر من ذلك، وقوفه بوجهها، كما هو الحال مع أنظمة ودول عديدة في المنطقة، وفي إطار أوسع وأشمل، لا يمكن لمحور واشنطن-“تل أبيب”، القبول بواقع أن يكون العراق طرفًا رئيسيًا وفاعلاً في محور المقاومة.

وإلى جانب المعلومات والأرقام التي تؤكد أن الكيان الصهيوني-ومعه الولايات المتحدة الاميركية-عرقلا العديد من صفقات السلاح التي أبرمها العراق مع عدة دول-من بينها فرنسا وروسيا وإيطاليا وألمانيا ودولاً من أوروبا الشرقية-خلال الأعوام القلائل الماضية، وربما خلال العشرين عامًا المنصرمة، يشير برلمانيون وخبراء أمنيون عراقيون إلى “أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل على إضعاف العراق ضمن مخطّط إستراتيجي يخدم الكيان الصهيوني، حيث إن أميركا والكيان الصهيوني ينفذان مؤامرة على العراق الذي يرفض التطبيع خلافًا لبعض الدول العربية المطبّعة”.

في ذات السياق، يؤكد أعضاء في لجنة الأمن والدفاع بمجلس النواب العراقي، “أن قيام الجانب الأميركي بمنع العراق من الحصول على منظومات دفاع جوي متطورة، والذهاب باتّجاه إبرام عقود تسليح ترفد المنظومة الأمنية بما تحتاجه للدفاع عن سيادة العراق، كلّه مخطّط يهدف إلى إبقاء المنظومة الدفاعية ضعيفة”، معززين حقيقة، “أن أميركا تعمل على ضمان بقاء العراق ضعيفًا من الناحية التسليحية، وذلك لخدمة المشاريع الصهيونية”.

ولا شك أنه بعد اندلاع معركة “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول-أكتوبر 2023، ووضع العراق-بحكومته وشعبه وقواه السياسية-كل ثقله لدعم الشعبين الفلسطيني واللبناني بشتى السبل والوسائل، وخصوصًا الإسناد العسكري المباشر من قبل المقاومة الإسلامية العراقية، بات واضحًا أن واشنطن و”تل أبيب”، سيستقتلان بدرجة أكبر لمنع العراق من تطوير منظوماته الجوية المتمثلة بالطائرات الحربية والصواريخ، فضلاً عن قدراته التسليحية الأخرى.

وبالطبع فإن هذه المخططات و الأجندات والأهداف الصهيونية-الأميركية، تستدعي من أصحاب الشأن والقرار العراقي، البحث في كل الخيارات والبدائل الممكنة والمتاحة، والاستفادة من خبرات وتجارب الدولة الصديقة في المنطقة والعالم، والعمل على تطوير كفاءات الكوادر المحلية بالدرجة الأساس، والسعي الحثيث لإنهاء الوجود الأميركي-العسكري وغير العسكري-من البلاد، لأن ذلك الوجود هو جوهر المشاكل والأزمات، وهو مصدر المخاطر والتهديدات، واستمراره يعني بقاءها وتوسعها واستفحالها.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com