اخبار دولية وعربيةالعرض في السلايدرمقالات

مدّعو السيادة في لبنان: لا للمقاومة ونعم للاحتلال!!

محمد الحسيني

“لبنان بلد العجائب والغرائب”؛ مقولة شاعت لوصف هذا الكيان الوليد بإعلان تحاصصي بين الاحتلالين البريطاني والفرنسي قبل مئة عام ونيّف..

حينذاك اتخذ لبنان شكلًا إداريًا ذا صفة مستقلّة بشروط ومواصفات فرضها الاحتلال لتحقيق غايتين أساسيتين هما: أولًا: إنشاء “دولة” تابعة على غرار نظام دول “الكومنولث”، وثانيًا: العبث بالعناصر التكوينية التي تأصّلت عبر التاريخ في أكناف فلسطين وعلى امتداد الجغرافية السورية وبلاد الشام.

وقع التقسيم ونشأ لبنان بفرادته المتعدّدة، عرقيًا ودينيًا وطائفيًا، وتلازم هذا التعدّد بتنوّع الثقافات والعادات والتقاليد، وتاليًا الانتماءات السياسية المنقسمة بين الشرق والغرب. وانساق هذا التقسيم تسليمًا بأمر الاحتلال (الانتداب الفرنسي) على مجمل تركيبة نظام الحكم اللبناني وسلطاته التشريعية والتنفيذية، وغيرها من مواقع النفوذ التي تكرّست في أبعادها كافة لخدمة الاحتلال المقنّع.

لم يكن لبنان يومًا مستقلًا بالفعل؛ حتى بات البعض من الذين احتكروا النفوذ لمدة طويلة يفخرون بتبعيتهم السياسية والثقافية للخارج الفرنساوي. وما يزال هؤلاء يتّبعون المنهج نفسه، ولكن مع اختلاف وجهة التبعية التي انتقلت إلى الأمريكي، ولا يخجلون في مجاهرتهم بهذه التبعية حتى لو كانت تقود إلى تبعيتهم أو خدمتهم للصهيوني على حساب بلدهم بشكل مباشر أو غير مباشر.

نظرًا إلى استغراقهم في هذا المنحى؛ لم تعد صفة العمالة للعدو بالنسبة إليهم تهمة يحاسب عليها القضاء اللبناني، بل وصلوا في جرأتهم إلى المضي في سياسة تسليم البلد للمحتل الأجنبي، والمطالبة بنزع سلاح المقاومة والقضاء عليها وعقد اتفاق سلام مع “إسرائيل”. وهم يدّعون زورًا وبهتانًا أنهم يتحدثون باسم اللبنانيين، وكأنّ المقاومة ليست لبنانية، وأفرادها وشهداءها وجرحاها وعوائلها وبيئتها وامتدادها على خارطة الوطن لا يمتون للبنان بصلة !!

من يستمع إلى هؤلاء لا يحسبهم يتحدثون بخطاب “إسرائيلي” فحسب، بل باتوا يزايدون على العدو في مطالبهم باجتثاث الشيعة الذين يعدّون أحد المكوّنات الأساسية لنشأة لبنان بتاريخه وجغرافيته وتطوّره الحضاري والإنساني، وقبل تأسيسه بمئات السنين. والجديد المستجد، في مآثر هؤلاء من الأحزاب والشخصيات، مطالبتهم أن يكونوا في أجواء المفاوضات التي يقودها رئيس مجلس النواب نبيه بري مع الموفد الرئاسي الأمريكي آموس هوكشتاين لوقف إطلاق النار على الجبهة الجنوبية بين المقاومة الإسلامية والعدو “الإسرائيلي”. وذهب بعضهم، ومنهم رئيس أسبق للجمهورية اللبنانية في لقاء مع فضائية عربية ناطقة باللسان الصهيوني، إلى وصف الرئيس بري بأنه “منتحل صفة”، ولا يتحدث باسم اللبنانيين، ولا يمثل الرأي الرسمي اللبناني”.. !!

يبدو أن واشنطن لم تلتفت إلى هذا الأمر، فكيف تفاوض سياسيًا “منتحل صفة”، واستنفرت لذلك أجهزتها الدبلوماسية، وأرسلت مندوبًا رئاسيًا لمفاوضته حصرًا بشأن الاتفاق على وقف إطلاق النار!؟

المضحك المزري، وهو ما لا يدعو إلى البكاء، أن هذا الرئيس الأسبق يرى أن ما قام به حزب الله من جبهة إسناده لقطاع غزة والشعب الفلسطيني وما يقوم به من مواجهة هو لمصلحة “إسرائيل” يهدف إلى ضمان أمنها انطلاقًا من الحدود الجنوبية، حتى يتسنّى له الانقلاب على الداخل لضرب الشرعية في لبنان!! إنه منطق غريب عجيب، وخطاب يستعصي على الفهم، واستغباء مهين لعقول الناس…!! وفي الوقت نفسه، يقول هؤلاء إن حزب الله لا يخفي انتماءه لإيران، ويخوض معركتها في لبنان ضد “إسرائيل” ما يعدّ مسًّا بالسيادة اللبنانية!!

إذا افترضنا أن الحزب يضمن أمن “إسرائيل” في حربه ضدها، فهذا يعني أنها مؤامرة محاكة بين إيران و”إسرائيل” على لبنان، فلماذا يطالب هؤلاء بعقد اتفاق “سلام” معها وتوسيع سيطرتها على البلد!؟ ألا يخشون أن تسري هذه السيطرة لمصلحة إيران أيضًا!؟

أما قيام السفارة الأمريكية في بيروت باستدعاء نواب ووزراء ورؤساء أحزاب لبنانية إلى مركزها في عوكر، وتوزيع التعليمات وأوامر المهمة على مرتزقتها من إعلاميين وكتّاب وشخصيات واستنفارهم بشكل غبي لترداد مقولات ومواقف مكرّرة ومتماثلة للادلاء بها على شاشات القنوات الفضائية ووسائل التواصل، فلا يعد مسًّا بالسيادة اللبنانية!!

مع ذلك كله لم يعد مستغربًا حينما تجاهر وسائل إعلام لبنانية وعربية بخطابها المنحاز، بشكل فاضح، للموقف “الإسرائيلي”، وبات منطقيًاِ ترداد مسؤولين لبنانيين وعرب لتصريحات مسؤولي العدو، ولكن بصياغة مفعمة بالمصطلحات الانعزالية والدعوات الى الفتنة الداخلية والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد.

لقد بلغ بهؤلاء الحنق أن استبقوا أي نتيجة لمفاوضات وقف إطلاق النار بالترويج بأنه سيكون “اتفاق هزيمة”، وهو نفسه خطاب الدموع الذي أدلى به فؤاد السنيورة وفريق ما كان يسمّى “١٤ آذار” ومدّعي السيادة حين حمّلوا المقاومة مسؤولية تدمير لبنان في عدوان العام ٢٠٠٦. لقد اختار هؤلاء خطاب الهزيمة بدل أن يحتفلوا بالانتصار الذي اعترف به العدو نفسه، وشكّل لجان تحقيق عسكرية وأمنية وسياسية للنظر في أسباب الهزيمة وانهيار مشروع ما كان يسمى “الشرق الأوسط الجديد”، وكانت من نتائج هذه التحقيقات عزل رئيس حكومة العدو آنذاك إيهود أولمرت وسجنه وإعادة النظر في استراتيجيات الحرب والسياسة.

إنه بالفعل منطق التناقض والفوضى الهدّامة التي تستهدف شرذمة الوطن ونشر خطاب الكراهية والفتنة خدمةً لأجندة التخريب وضرب السلم الأهلي في لبنان، وحريّ بهؤلاء أن يستعيدوا بوصلة اتجاهاتهم الوطنية والاتّعاظ من تجربة التبعية لأمريكا ونتائجها، وما جرى في أفغانستان خير نموذج.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com