أي ارتباط بين الميدان ومفاوضات وقف إطلاق النار ؟ قراءة عسكرية ميدانية
شارل أبي نادر
بالتوازي مع المخاض الحساس الذي تشهده محاولات التوصل إلى وقف إطلاق النار بين المقاومة والعدو “الإسرائيلي”، كان لافتًا تصاعد العمليات العسكرية على الجبهة الجنوبية، مع ارتفاع مستوى اعتداءات العدو الجوية على المناطق اللبنانية كافة، وتحديدًا في عمق العاصمة بيروت، وبشكل تجاوز وتيرة تلك الاعتداءات حتى الآن؛ فهل من ارتباط بين ارتفاع مستوى التصعيد في حركة الميدان وبين ما وصلت إليه مفاوضات التوصل إلى وقف إطلاق النار؟ وأي تأثيرات لكل جانب على الآخر؟.
بداية، من الضروري الإضاءة على الخطوط الأساسية لحركة الميدان حاليًا، والتي يمكن تحديدها بالآتي :
بخصوص عملية التوغل البري لوحدات العدو داخل الأراضي اللبنانية، يمكن القول إن محاولات العدو توسيع سيطرته، ضمن ما أسماها المرحلة الثانية من عمليته، انحصرت في نقطتين فقط هما:
– الأولى في القطاع الغربي، حيث وصلت بعض عناصر وحداته الخاصة إلى المنطقة الفاصلة بين طير حرفا وبين شمع على المحور الغربي، دون النجاح في تثبيتها في أي موقع بشكل آمن، حيث تسقط له إصابات كبيرة مقابل عدم تحقيقه أي إنجاز عسكري، يمكن عدُّه في دائرة الأهداف التي وضعها لعمليته البرية، وأهمها السيطرة على قواعد المقاومة وبنيتها العسكرية في تلك المنطقة من القطاع الغربي. وما يؤكد الفشل في تحقيق هذه الأهداف، هو استمرار المقاومة في إطلاق الصواريخ والمسيرات على شمال الكيان ووسطه، وبوتيرة مرتفعة ومتصاعدة.
– الثانية في القطاع الشرقي وتحديداً في جنوب كفركلا والعديسة حتى تخوم طلوسة شرقاً، وحيث يمكن أن نستنتج من بيانات المقاومة حول تنفيذها استهدافات صاروخية مركزة لوحدات العدو في تلك المنطقة وتثبيتها على تلك التخوم، أن بعض وحدات العدو استطاعت الوصول إلى تلك المنطقة في القطاع الشرقي؛ بالمقابل ما زالت وحداته – ورغم الجهود الضخمة التي تضعها في سبيل ذلك- تفشل في تحقيق أي تقدم ميداني في بلدة الخيام، والتي تُعتبر السيطرة عليها أساسية وضرورية للعدو للنجاح في تحقيق أهداف مناورته على القطاع الشرقي.
أيضاً، ما يؤكد فشله في تحقيق أي إنجاز عسكري يُعتد به لعمليته البرية في هذا القطاع، هو استمرار المقاومة في تنفيذ مناورة صاروخية ومسيرة انطلاقاً من تلك المنطقة، وبطريقة متصاعدة بفعاليتها وبتوسعها داخل عمق الكيان وصولاً إلى “تل أبيب” ومحيطها .
طبعاً، هذا الفشل في تحقيق إنجازات ميدانية وعسكرية من عملية التوغل البري للعدو، وخاصة في المرحلة الثانية منها، والتي حددها الأخير جغرافياً بين ١٠ و ١٢ كلم داخل الاراضي اللبنانية، مع تكبد جيشه خسائر بشرية موجعة، انعكس على موقف العدو في مفاوضات التوصل إلى وقف إطلاق النار، وفي الوقت الذي كان يراهن على نجاح وحداته في تحقيق اندفاعات ميدانية ذات قيمة عملياتية وعسكرية داخل الأراضي اللبنانية، تعثرت كل محاولاته هذه، رغم مرور أكثر من شهرين على بدء هجومه البري، ورغم الجهود الضخمة التي وضعها لعمليته .
من هنا، ومع هذا التعثر الميداني والعسكري للعدو داخل الأراضي اللبنانية، والذي قابله تصعيد لافت في استهدافات المقاومة الصاروخية والمسيرة داخل الكيان، ومع فشل مناورة العدو التدميرية الواسعة على كل الأراضي اللبنانية في تحقيق أهدافها لدفع المقاومة وبيئتها الحاضنة والشعب اللبناني بشكل عام إلى الاستسلام والرضوخ، تقدمت حظوظ وفرص التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وإلى سلوك تسوية سياسية مقبولة من لبنان والمقاومة، وذلك بعد أن تخلى العدو ( كما يبدو) عن الكثير من الشروط غير المناسبة التي كان قد وضعها لوقف إطلاق النار ولحصول التسوية السياسية.