اخبار دولية وعربيةالعرض في السلايدرمقالات

خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين

حيان نيوف

رسائل كثيرة ومتنوعة ومهمة وجَّهها الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في خطابه الذي ألقاه بمناسبة مرور أربعين يومًا على استشهاد رئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيد الشهيد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليه)، وخاصة أن الذكرى تزامنت مع العديد من المستجدات والمناسبات التي تخص الصراع المشتعل في المنطقة منذ انطلاق طوفان الأقصى، والمعركة الملتهبة منذ إعلان الكيان الصهيوني إطلاق عمليته العسكرية على لبنان.

في التوقيت
أولًا؛ جاء الخطاب بعد 50 يومًا على إطلاق الكيان الصهيوني لعمليته العسكرية البرية على لبنان انطلاقًا من الحدود في الأول من أكتوبر الفائت.
ثانيًا؛ جاء الخطاب بعد شهرين تقريبًا على انتقال حزب الله من مرحلة إسناد غزّة إلى مرحلة التصدي للعدوان “الإسرائيلي” الهمجي على لبنان.
ثالثًا؛ جاء الخطاب بعيد زيارة المبعوث الأميركي هاموس هوكشتين إلى لبنان وإجرائه محادثات مطولة ومفصلة مع الجانب اللبناني بغرض وقف إطلاق النار، وسط أجواء من التفاؤل الحذر، ارتقابًا لنتائج زيارته إلى الكيان الإسرائيلي.
رابعًا؛ تزامن الخطاب كما ذكرنا مع مناسبة مرور 40 يومًا على استشهاد السيد هاشم صفي الدين، وبعد أيام من استشهاد مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله الحاج محمد عفيف النابلسي.

أما في المضمون؛ فقد حرص الشيخ نعيم قاسم على تحديد الخطوط العريضة لوضع الحزب والمقاومة على الصعيدين الداخلي والميداني، سياسيًا وعسكريًا، مؤكدًا على قوة حزب الله وامتلاكه لزمام المبادرة في السياسة والميدان، إلى جانب متابعته لمفاوضات وقف إطلاق النار ولشؤون اللاجئين، وموجهًا رسائله بهذا الخصوص داخليًا وخارجيًا.

على صعيد المفاوضات
أولًا؛ كشف الأمين العام عن تسلم الحزب لورقة المفاوضات المقترحة ودراستها بشكل مفصل ودقيق، وأبدى ملاحظاته عليها والتي تتوافق وتتناغم مع ملاحظات الدولة اللبنانية ممثلة بالرئيس نبيه بري، وكما كان معلومًا في السابق فإن الحزب كان قد فوض الرئيس نبيه بري التفاوض، وبالتالي فإن إعلان الأمين العام عن مشاركة الحزب في المفاوضات بنفسه ولو بشكل غير مباشر، يؤكد أن المفاوضات قد وصلت إلى مرحلة من الجدية تتطلب مشاركته بأدق التفاصيل، خاصةً أنه من يمتلك الميدان ويحيط بتفاصيله.

ثانيًا؛ إن إعلان الأمين العام أن الحزب قرر التكتم على مضمون المفاوضات وعلى ملاحظاته حولها يؤكد رغبة حزب الله في إنجاح المفاوضات وحرصه على وقف العدوان “الإسرائيلي” على لبنان.

ثالثًا؛ إن الأمين العام قطع الطريق على الكيان “الإسرائيلي” نهائيًا في محاولاته للحصول على ما يريد من المفاوضات بعد عجزه عن تحقيق أهدافه في الميدان.

رابعًا؛ أكد الأمين العام أن الكرة في ملعب نتنياهو وحكومته إذا كانوا يرغبون بوقف إطلاق النار، وأن الحزب تعاطى بجدية مع ورقة التفاوض، وينتظر ردًا ليبنى على الشيء مقتضاه.

خامسًا؛ حدد الشيخ قاسم التفاوض تحت سقفين يبني الحزب موقفه على أساسهما: سقف وقف العدوان بشكل كامل وشامل، والسقف الثاني هو حفظ السيادة اللبنانية، “لا يحق للعدو “الإسرائيلي” أن ينتهك وأن يقتل وأن يدخل ساعة يشاء تحت عناوين مختلفة، يجب أن يكون لبنان مُصانًا”، أي أن الحزب يرفض بالمطلق مطالب حكومة العدوّ المتعلّقة بفرض بنود في الاتفاق تسمح للعدو بالتدخل العسكري في لبنان متى يشاء.

سادسًا؛ أكد الأمين العام أن حزب الله يتحرك وفقًا لمسارين متوازيين هما التفاوض والميدان، وعليه فإنه من المستحيل وقف الميدان في ظلّ التفاوض وعدم إعطاء العدوّ فرصة للمماطلة في المفاوضات واستغلالها لالتقاط أنفاسه وتحقيق مكاسبه وتمرير الوقت، وحسم الشيخ قاسم مسار الميدان بقوله “إذا نجحت المفاوضات فعندها يكون الميدان جزءًا من نجاح المفاوضات”.

على صعيد الميدان
أولًا؛ انطلاقًا من تلازم مساري التفاوض والميدان، أكد الأمين العام أن الحزب لا يتفاوض تحت النار كما يدعي نتنياهو، ومنبهًا إلى أن “إسرائيل” ستكون تحت النار أيضًا، وبالتالي فإن معادلة نتنياهو ساقطة حكمًا ولا مجال لفرضها، ومشددًا على أن الحزب قد أعد لمعركة طويلة مع العدوّ الإسرائيلي.

ثانيًا، حسم الأمين العام معادلة حرب الاستنزاف قائلًا إنها لصالح المقاومة ولبنان، ورد بذلك على من يدعي أن العدوّ يفرض تلك المعادلة على المقاومة ولبنان، مشيرًا إلى قدرة المقاومة على تحمل حرب الاستنزاف، وإلى أن معركتها في الأساس هي معركة استنزاف للعدو الصهيوني، متسلحة بخيار الدفاع عن الأرض والوطن والصمود والشهادة.

ثالثًا؛ وفقًا لمعادلة الاستنزاف أوضح الشيخ نعيم قاسم أن المقاومة ليست جيشًا نظاميًا، ولا تعمل لمنع تقدم جيش العدو، وأن مهمّة المقاومين هي تنفيذ الكمائن واستدراج العدوّ وقتل أكبر عدد من جنوده وإلحاق الخسائر البشرية في جنوده والخسائر العسكرية في آلياته، وإيلامه ومنعه من التثبيت في أي موقع أو قرية أو منطقة يدخل إليها “لا يمكن للمحتل “الإسرائيلي” أن يستقر أو أن يستمر أو أن يتقدّم مُستقرًّا في أرضنا، هو محتل وسيطرد إن شاء الله تعالى”.

رابعًا؛ طمأن سماحة الشيخ قاسم جمهور المقاومة إلى صلابة المقاومين وبأسهم، وإلى سلامة خطوط الإمداد وصولًا إلى الحافة الحدودية، بالرغم من التفوق الجوي للعدو “الإسرائيلي”، ومبينًا أن عمليات نقل السلاح وتبديل المقاومين متاحة إلى تلك الحبهات.

خامسًا؛ أكد الشيخ نعيم قاسم أن الكلام للميدان، والنتائج مبنيّة على الميدان بقسميه، ميدان المواجهة البرية وميدان إطلاق الصواريخ والمسيرات إلى عمق الكيان الغاصب، “لدى المقاومة القدرة على الاستمرار على هذه الوتيرة ولمدة طويلة”.

سادسًا؛ ثبت الشيخ نعيم قاسم معادلة استهداف وسط “تل أبيب” في مقابل استهداف العدوّ للعاصمة اللبنانية بيروت، وفي هذا رسالة واضحة للكيان “الإسرائيلي” بأن كلّ ما قام به من إجرام، وكلّ ادعاءات رئيس حكومته وقادته العسكريين عن تدمير 70 – 80% من القدرات الصاروخية لحزب الله ليست سوى كذب. وفي كلام سماحته رسالة لا لبس فيها بأن الحزب استعاد قدرته على فرض معادلة الردع الأكبر التي وضعها الشهيد الأقدس سماحة السيد حسن نصر الله ( رضوان الله عليه )، وهذا ما يتوجب على الجمهور “الإسرائيلي” أن يعيه قبل حكومته التي تحاول خداعه.

سابعًا؛ طمأن الشيخ نعيم جمهور المقاومة، وفي ذات الوقت هدّد جمهور وقادة الكيان، أن لدى الحزب من الصواريخ والمسيرات ما يمكنه من الاستمرار في معركة الردع والإيلام والاستنزاف لكيان العدوّ لفترة طويلة جدًا وفق ما تقتضيه المعركة ومعادلات الردع.

وفي ما يخص الجبهة الداخلية اللبنانية، فقد جزم الأمين العام بحتمية صمود المقاومة، وبحتمية انتصارها على الرغم من وحشية الكيان الإسرائيلي، ووحشية داعمه الأميركي، مؤكدًا للجميع في الداخل قبل الخارج أن حزب الله سيخرج أقوى من هذه المعركة، وأنه جاهز لتحمل المسؤولية والتصدي لكل الملفات الداخلية السياسية والاجتماعية والإنسانية التي لطالما حملها على عاتقه، وأن دوره كان وسيبقى نابعًا من منطلق وطني، وفق ما تقتضيه مصلحة لبنان وسيادته واستقلاله، وهذا كلام يجب أن يفهمه عملاء الداخل من أتباع سفارة عوكر قبل غيرهم، ممن يراهنون على تراجع الحزب داخليًا، وينتظرون اقتناص الفرصة وفقًا لتعليمات مشغلهم الأميركي.

وأعاد سماحة الأمين العام التذكير بصوابية خيار حزب الله في قراره دعم وإسناد غزّة من منطلق أخلاقي ووجداني وديني، مؤكدًا أن العدوّ “الإسرائيلي” لم يكن بحاجة إلى ذريعة ليشن عدوانه على لبنان، وردّ على من يحاول اتهام لحزب بخلق ذرائع للعدو للاعتداء على لبنان من خلال التذكير بأن حزب الله سبق له وأن وافق على مبادرة بايدن – ماكرون في 23 أيلول والتي قابلتها “إسرائيل” بهجوم وحشي على الضاحية الجنوبية تسبب باغتيال الأمين العام السيد الشهيد حسن نصر الله، قبل أن يفحم هؤلاء المدّعين بتذكيرهم بأن نتنياهو أعلن صراحة ومنذ الأيام الأولى للطوفان أنه يريد الشرق الأوسط كاملًا ومن ضمنه لبنان لولا أن المقاومة ردعته ومنذ البداية وأجبرته وكيانه على التراجع عن أهدافه بعد أن هجرت المستوطنين من الشمال الفلسطيني وأجبرتهم على النزوح وفرضت معادلات قوة وردع بوجه نتنياهو وجيشه.

ختم الشيخ قاسم خطابه موجهًا كلامه للداخل بالقول: “نحن نؤمن بتكاتف الجيش والشعب والمقاومة، وهو الرصيد المتبقّي الذي نستطيع من خلاله أن نبني وطننا”، ورسم مسار الحزب داخليًا وإستراتيجيته من خلال أربعة عناوين لمرحلة ما بعد وقف العدوان:

أولًا؛ سنبني معًا بالتعاون مع الدولة وكلّ الشرفاء والدول والقوى التي ستساعد من أجل إعادة الإعمار إن شاء الله تعالى، ويعود كلّ لبنان أجمل وأفضل.
ثانيًا؛ سنقدّم مساهمتنا الفعّالة لانتخاب رئيس الجمهورية من خلال المجلس النيابي بالطريقة الدستوريّة.
ثالثًا؛ ستكون خطواتنا السياسيّة وشؤون الدولة تحت سقف الطائف بالتعاون مع القوى السياسيّة.
رابعًا؛ سنكون حاضرين في الميدان السياسي بقوّتنا التمثيليّة والشعبيّة وحضورنا الوازن لمصلحة الوطن لنبني ونحمي في آن معًا.

في الختام، لا بد من القول، إن إطلالة سماحة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بعنوان التعزية والتبريك بمناسبة أربعينية الشهيد السعيد سماحة السيد هاشم صفي الدين ثمّ الشهيد الحاج عفيف، أعقبها كلام بعنوان الحدث الذي صنعته المقاومة بإعلان تفعيل معادلة سيد شهداء الطريق على القدس، سماحة السيد حسن نصر الله قدس سره.

أما اللافت في هذه الإطلالة، فكانت النقاط الأربع التي أحب أن يذكرها على عجالة، ولتكون كما أراد سماحته: ختام الكلمة دون أن تأخذ من وقت المناسبة كثيرًا.

هذا الأسلوب من بصمات روح سماحته وما تربت عليه من تقديم ما يقدم تحت ظل من رأى فيهم خير من يخدم ما يقدم، فحزب الله لم يغب ولن يغيب عن الساحة والمشهد السياسيين، وله برنامج سياسي يذكر به الصديق والعدو في قلب المواجهة العسكرية، وأنه لم يدخل هذه المواجهة إلا واثقًا بالنصر وبهذا يدعو كلّ الفرقاء السياسيين في لبنان إلى مربع مائدة المشروع الوطني الجامع في استمرارية لمائدة الطائف، لكن بعد انتصار تاريخي في العسكر، وأن أمينه العام ــ هذا الشيخ الجليل ــ الذي ترون هو رجل الماكنة الحزبية لجهاز كبير وضخم ومعقّد اسمه بنية حزب الله التنظيمية، وأن على أولئك الفرقاء أن يعرفوا جيدًا من هو نعيم قاسم الذي اختاره الأمينان العامان الراحلان نائبًا لهما. حزب الله عبر بأمته إلى الغد من اليوم، والشيخ نعيم قاسم خير من ورث الأمانة.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com