ظلال “عودة ترامب” تخيم على قمة الرياض… “ابن سلمان” يعزف بالمقطوعة الفلسطينية
21 سبنمبر
مرة أخرى يجتمع رؤساء ومسؤولون رفيعو المستوى من الدول العربية والإسلامية في العاصمة السعودية الرياض، لبحث التطورات في غزة ولبنان، وهو لقاء يأتي استمراراً لأحجار الدومينو للقاءات أخرى غير مثمرة خلال العام الماضي، والتي يمكن التنبؤ بها، وسيختتم بإصدار بيان مليء بالخطابات الداعمة لشعبي فلسطين ولبنان، دون أي إجراءات عملية ضد الكيان الصهيوني.
ويأتي اجتماع الإثنين بعد مرور عام على الاجتماع المشترك للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي الذي أدان فيه المشاركون “همجية” إسرائيل في قطاع غزة، وهو الأمر الذي جعل الرأي العام الفلسطيني والإسلامي لا يعترض على اللقاءات العربية والتصريحات القاسية للمسؤولين العرب وتصريحاتهم الورقية.
إلا أن اجتماع الرياض، مثل اجتماع العام الماضي الذي عقد بناء على طلب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، عقد بحضور مسؤولين رفيعي المستوى من العديد من الدول، لذا فإن عقد هذا الاجتماع مهم على المستوى الدبلوماسي، وخاصة أن السعودية لديها أهداف من وراء الكواليس من عقد هذا الاجتماع، وذلك لأنه بعيد كل البعد عن جدول أعمالها المركزي.
وفي أواخر تشرين الأول/أكتوبر، عقد السعوديون الاجتماع الأول للتحالف الدولي لتعزيز حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ورغم أن اللقاء أكد على مسألة العودة إلى الحل الحكومي في مبادرة “خطة السلام العربية 2002” لوقف الأزمة، إلا أنه في الوقت نفسه، رأى العديد من المحللين أن هذا اللقاء بمثابة تمهيد الطريق أمام السعوديين لدفع مشروع تطبيع العلاقات بين العرب والكيان الصهيوني وعلامة توحي بأن معظم جهود الرياض تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ومن الواضح أن السعوديين اتبعوا استراتيجية الصبر والانتظار والتقاعس بما يتماشى مع مصالح الكيان الصهيوني خلال العام الماضي من الجريمة التي ارتكبها في غزة ومؤخرا في لبنان، وحتى الوعود التي تضمنتها بيانات القمم العربية حول تسريع وتيرة إيصال المساعدات إلى غزة وتخفيف الحصار اللاإنساني على الفلسطينيين لم يتم تنفيذه إلى حد كبير.
والآن يرى السعوديون في اجتماع الرياض فرصة لطرح ما اتبعوه في مؤتمر حل الدولتين على جدول أعمال الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي على مستوى عال وبحضور مسؤولي الدول الإسلامية والدول العربية، ولعل سبب غياب الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مستوى الرئيس كان أيضاً بسبب أنهم كانوا على علم بهذه النية السعودية.
وفي اتصال هاتفي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قال مسعود بزشكيان إنه لم يتمكن من المشاركة في اجتماع الرياض بسبب قضايا تنفيذية مهمة، ولهذا السبب شارك محمد رضا عارف، النائب الأول للرئيس الإيراني في اجتماع الرياض نيابة عن رئيس الجمهورية.
في المقابل، لا يمكن تجاهل ظلال فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وعودته إلى البيت الأبيض في إحياء النشاط الدبلوماسي السعودي، ولا شك أنه مع مغادرة بايدن البيت الأبيض، سيواجه بن سلمان تحديات أقل في دفع مشروع الخلافة، لكن مشروع التطبيع أيضا حالة صعبة، ومع وصول ترامب، هناك احتمال لزيادة الضغوط من جانب الولايات المتحدة والبيت الأبيض على الرياض ولن يكون تحديا صغيرا لابن سلمان في الصراع بين غزة ولبنان وهذا الأمر سوف يثير غضب الرأي العام في العالم الإسلامي.
ولذلك يحتاج السعوديون إلى جمع بعض زعماء الدول الإسلامية والعربية، لاتخاذ القرارات السيادية بشأن قبول التطبيع مع الكيان الصهيوني بشكل جماعي وعلى شكل مبادرة عربية وإسلامية، لمواجهة أقل حجم من المعارضة الداخلية والخارجية.
كما أن السعودية بهذا الإجراء ترسل هذه الرسالة إلى الهيئة الحاكمة الأمريكية الجديدة بأن الرياض فاعل وبين يديها نبض التطورات العربية والإسلامية، وأن استراتيجية ترامب الإقليمية لا تتحقق إلا بمرافقة السعودية، وبهذه الطريقة يجب الأخذ بعين الاعتبار بثقل ومكانة هذا البلد في المفاوضات مع الولايات المتحدة ويجب أن يحصل السعوديون على المزيد من الامتيازات من هذا البيع لفلسطين.
رسالة إلى ترامب
اعتمد ترامب خلال ولايته الأولى بين عامَي 2017 و2021، سياسة مؤيدة لـ”إسرائيل”، وقام حتى بخطوات لم يسبقه إليها أي من الرؤساء الأمريكيين، مثل نقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بضم “إسرائيل” للجولان السوري المحتل، كما دفع ترامب في اتجاه إبرام اتفاقات تطبيع بين “إسرائيل” من جهة، وكل من الإمارات والبحرين والمغرب من جهة أخرى، كانت الأولى من نوعها منذ تسعينيات القرن الماضي.
ورغم أن السعودية لم تنضم إلى تلك الاتفاقات، لكن العلاقات بينها وبين إدارة ترامب كانت وثيقة، كما عزّز الثري الجمهوري صلاته التجارية مع المملكة بعد مغادرته البيت الأبيض، وبعد اندلاع الحرب في قطاع غزة، علّقت الرياض إبرام اتفاق أمني اقتصادي مع واشنطن يمهّد الطريق لتطبيع بين المملكة و”إسرائيل”، مشددة على أنها لن تعترف بالدولة العبرية من دون إقامة دولة فلسطينية، ورأى عمر كريم، المتخصص في السياسة السعودية في جامعة برمنغهام البريطانية، أن الرياض تريد أن توجّه خلال قمة الإثنين، رسالة الى ترامب مفادها بأنها ما زالت شريكا قويا.
وأوضح أن الرسالة هي أنه يمكن لترامب “أن يعوّل على السعوديين كممثلين للعالم الإسلامي”، وأنه “إذا أردت تعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة، السعودية هي رهانك الرابح”، وتضم جامعة الدولة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي دولا لا تعترف بـ”إسرائيل” مثل إيران، أو توجّه لها انتقادات حادة على خلفية حرب غزة مثل تركيا، وتخللت قمة العام الماضي تباينات بشأن اتخاذ إجراءات مثل قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الدولة العبرية أو خفض امداداتها من النفط، ورجح كريم أن يتضمن البيان الصادر عن قمة الإثنين “إدانة شديدة لإسرائيل… مع الدفع أيضا إلى مزيد من التأثير الأمريكي والدبلوماسية” بشأن المسألة.