هل انتصرت المقاومة؟
محمد الحسيني
منذ أن أعلن حزب الله “الرسالة المفتوحة” العام ١٩٨٥، والتي تضمنت رؤيته وأهدافه وبرنامج عمله ومواقفه تجاه الداخل والخارج، كان الفعل الجهادي طاغياً على سائر المجالات، فالأولوية كانت وما تزال تحرير الأرض المحتلة وتأمين مظلة حماية للبنان من الاعتداءات الصهيونية، وكان الشعار الذي رافق مسيرة حزب الله “المقاومة الإسلامية هي الرد وقوافل الشهداء تصنع النصر”.
تطوّر الفعل المقاوم بالتوازي مع اتجاه الحزب إلى العناية بمجتمع المستضعفين عموماً وببيئة المقاومة خصوصاً، ولا سيما في مناطق الجنوب والبقاع والشمال، سواء عبر مطالبة مؤسسات الدولة باعتماد الإنماء المتوازن أم عبر تأمين المساعدات المالية والعينية والتربوية وغيرها من مقوّمات الصمود، وأطلق حينها سيد شهداء المقاومة الإسلامية عباس الموسوي شعار: “سنقاوم الحرمان كما نقاوم الاحتلال”.
كبرت التحدّيات مع توالي إنجازات الحزب وانتصاراته في المواجهة على خطي الاحتلال والحرمان، ولم يعد الفعل الحربي مقتصراً على محاور القتال داخل المنطقة اللبنانية المحتلة وتالياً عند الحدود مع فلسطين المحتلة بعد التحرير العام ٢٠٠٠، وصُّنف الحزب من قبل واشنطن والغرب تهديداً عالمياً لأنه “تجاوز قواعد اللعبة” المحلية باتجاه ضرب المصالح الأمريكية في لبنان والمنطقة، وتحوّل إلى خطر فعلي على وجود “إسرائيل” رأس حربة المشروع التوسعي في القسم الشرقي من العالم.
على مدى أربعين عاماً لم تختلف معادلة الرد في عنوانها الكبير، ولكنها تعمقت واتّسعت دائرتها، وتدرّجت خلال عام واحد من “طوفان الأقصى” و”معركة إسناد غزة” إلى “الدفاع عن لبنان وشعبه” وصولاً إلى معركة “أولي البأس” لتصبح معادلة الفعل، مع ما قد يليها من مرحلة تمهّد للجوس خلال الديار وفق منطق الوعد المفعول، فأين المقاومة من هذه التحولات؟! وهل انتصرت المقاومة حتى نقول إنها آيلة إلى هذا الحد من الفعل؟!
كل المجريات في أبعادها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية منذ العام ٢٠١٩ تحديداً كانت تؤشر إلى الحرب الشاملة التي تشنّها “إسرائيل” اليوم تحت عنوان تغيير “الشرق الأوسط”، ولئن كان هذا الشعار – الهدف ليس جديداً في سياق الحروب “الإسرائيلية” على لبنان، إلا أنه اليوم يرمي إلى إعادة تشكيل شاملة للواقع “الجيوسياسي” في المنطقة، ومن هنا نفهم العمق الإستراتيجي للقرار الراسخ غير القابل للتغيير أو التراجع الذي اتخذته المقاومة في المواجهة، على الرغم مما يتسبب به هذا القرار من تضحيات وخسائر على المستويين البشري والمادي.
من جهة ثانية، فإن السؤال المطروح اليوم في ظل التسريبات “الإسرائيلية” عن قرب التوصل إلى تسوية والعودة إلى تطبيق القرار ١٧٠١ إلى جانب شروط استسلامية على لبنان هو: ماذا أنجزت المقاومة!؟ ألم نكن بغنىً عن هذا الكمّ المفجع من التدمير والقتل حتى نصل الى هذه النتيجة!؟ الجواب في الأصل هو هل كانت المقاومة في حالة هجوم أم دفاع!؟ وهل أن “إسرائيل” لم تكن تخطط للاعتداء على لبنان بعد الانتهاء من إبادتها الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة ربطاً بأهدافها المعلنة التي أطلقها بنيامين نتنياهو عن تغيير الشرق الأوسط!؟
الأمر ليس مجرد تقدير بل هي معلومات كشفت عنها وسائل إعلام العدو نقلاً عن مصادر إسرائيلية أكدت أن “المؤسسة الأمنية استعدت لتنفيذ عملية “البيجر” في وقت مبكر من 11 أكتوبر 2023، أي بعد أربعة أيام من بداية الحرب (طوفان الأقصى)، وكان جيش “الدفاع الإسرائيلي” والمؤسسة الأمنية يستعدان لشن هجوم مفاجئ في لبنان، وأعدّا خطة لذلك، لكن لم تتم الموافقة من قبل الحكومة في ذلك الوقت”. وأضافت المصادر أن هجوم “البيجر” كان “يهدف لإلحاق أضرار قاتلة بحزب الله كجزء من الضربة الافتتاحية.. تليها هجمات واسعة النطاق تستهدف القضاء على كبار المسؤولين”.
إنها حرب كونية مفروضة على لبنان والمقاومة بكل ما تعنيه الكلمة، ولكن العبرة في الخواتيم فعلى مستوى الفعل تواصل المقاومة تحطيم الفرق العسكرية “الإسرائيلية” عند الحدود بعد سبعة أسابيع من القتال وعشرات الآلاف من الجنود دون أن يستطيع العدو من تثبيت موطئ قدم له في الأرض اللبنانية، كما استطاعت إيلام العدو وتوسيع دائرة المستوطنات المهجورة بصواريخها ومسيّراتها حتى حيفا وما بعدها، وما يرافق ذلك من أزمات سياسية وديمغرافية واقتصادية وحتى نفسية ومعنوية في مجتمع العدو، وهذا بحد ذاته إنجاز إعجازي بالنظر إلى ما تواجهه المقاومة من تكتّل عسكري وتكنولوجي عالمي هائل، فضلاً عن الحملات الدعائية المتوحشة التي تستهدف توهين بيئة المقاومة وطعنها في الظهر.
وعليه، فإن نجاح المقاومة في إفشال أهداف الحرب “الإسرائيلية” يعدّ بحد ذاته انتصاراً فريداً سيكتمل حتماً بفرض المقاومة شروطها في السياسة كما في العسكر، بما يحمي لبنان وشعبه وأرضه، أما من يراهن على انفضاض بيئة المقاومة عنها بعد انتهاء الحرب سيصاب بالخيبة مجدداً، فشعب المقاومة كما قادتها ومجاهدوها وشهداؤها وجرحاها لن يرضى إلا بالنصر مهما غلت التضحيات.