اخبار دولية وعربيةاخبار محليةالعرض في السلايدرتقارير

دلالات وقراءات في سياسة الإدارة الأميركية الجديدة.. الاتجاهات والمسار

21 سبتمبر

أطلق الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، سلسلة من الوعود الانتخابية، وقبلها وعلى مدار سنة من الحرب في غزة، كلها تؤكد على الدعم الأميركي لسياسة نتنياهو والنظر للحرب الجارية من باب الإنجازات التاريخية وأهميتها في “ًصناعة” مستقبل المنطقة وفق “السلام الأميركي الإسرائيلي”. أظهرت سياسة ترامب في فترة ولايته الأولى انحيازًا قويًّا للكيان المؤقت، وكان قد اتخذ عدة قرارات غير مسبوقة: الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ الاعتراف بالجولان أرضًا لإسرائيل؛ صفقة القرن؛ توسيع اتفاقيات التطبيع. وقد صرح ترامب مؤخرًا وأكثر من مرة بأنه سينهي الحرب، لكن ما بين الدعم القوي للكيان والتعهد بإنهاء الحروب تبرز إشكالية التنسيق بين الرغبة في حماية الكيان من التهديدات والقدرة على فرض الشروط الإسرائيلية؛ فالخطابات تتحدث عن وقف الحرب عبر الحسم؛ فهي لا تغفل التشديد على اللجوء إلى الحزم والحسم وتسجيل الانتصارات والتأييد لما تقوم به حكومة نتنياهو في غزة ولبنان.

وفي حين يُعرف عن ترامب أنه رجل “الصفقات السريعة”، فالتصريحات والمواقف التي أطلقها تشير إلى أنها لن تخدم إلا صالح الكيان، وتظهر نوعًا من المبالغة في دعاية “وقف الحرب” في لبنان وغزة، قد يكون نتيجة اعتماد تجزئة كلمات ترامب و/أو استخدامها سياسيًّا وإعلاميًّا في التضليل التفاوضي. تشير سياسة ترامب إلى اعتماد مجموعة من “الرسائل” السياسية في سياق تعزيز صورة “صانع السلام” في المنطقة، مع ترجيح عدم وجود استراتيجية جدية ويقينية لإنهاء الحرب، سوى دعم الكيان لحسمها.

دلالات وقراءات في سياسة الإدارة الأميركية الجديدة

الحرب مستمرة، ونتنياهو يملك فسحة زمنية لا بأس بها قبل 20 كانون الثاني موعد دخول ترامب البيت الأبيض حتى يسعى لتأمين الأرصدة المناسبة لفرض القوة في مفاوضات وقف إطلاق النار، مع الأخذ بعين الاعتبار ما قام به نتنياهو أثناء الانتخابات الأميركية، من إقالة لوزير الحرب، يوآف غالانت، في مؤشر على احتمال تصاعد الأعمال العسكرية.

تؤمن قراءة التصريحات والمواقف مجموعة دلالات تشكّل هذا الإطار العام للوضع في لبنان وغزة حتى تنصيب ترامب في 20 كانون الثاني 2025. وهذه الفترة قد تتسم بعدائية مفرطة حتى تحسين شروط التفاوض السياسي في ترجمة لـ “الحسم” الذي افتقدته إدارة بايدن خلال عام، وفقًا لما أشارت إليه الناطقة باسم ترامب، إليزابيث بيبكو خلال حديثها لقناة 12 الإخبارية، في 8/11/2024. فقد صرّحت بيبكو: “أعتقد أنه يتوقع منهم إنهاء الحرب بالفوز بها بنسبة مائة بالمائة، هكذا يتحدث دائمًا عن إنهاء الحروب…أعتقد أنه يريد أن تنتهي الحرب في أقرب وقت ممكن، كما يفعل كل الأشخاص العقلانيين، لكنه يريد أن تنتهي بانتصار حاسم.” وقالت بيبكو “عندما يتعلق الأمر بإنهاء الحرب في الشرق الأوسط والتعامل مع أعداء مثل إيران أو حماس، يتعين عليك أن تكون حاسمًا، ولم أر ذلك من قيادتنا [تقصد إدارة بايدن]”.

هذه القراءة تدعمها ورقة أخرى مهمة لا يمكن تجاوزها في فهم الحركة الأميركية في المنطقة، وهي ما تعرف بـ “مشروع 2025”. وهو خطة شاملة لإدارة ترامب القادمة صاغها إلى حد كبير مسؤولون سابقون في إدارته وأشاد بها ترامب عام 2022. تتوزع مهام الإدارة الجديدة على: أولوية المصالح الأميركية في الداخل وفقًا لتطلعات المشروع في مواضيع أساسية كالأسرة التقليدية، الاقتصاد الأميركي الصناعي، الهجرة. وفي السياسة الخارجية، تقديم صورة “صناعة السلام”، في المنطقة، لكن “السلام من خلال القوة”، بل واستخدامها، كما حصل عند اغتيال الحاج قاسم سليماني، وامتلاك قوة عسكرية واقتصادية كبيرة قادرة على ردع الأعداء المحتملين، كما صرّح ريتشارد غولدبرغ، عضو مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض خلال إدارة ترامب الأخيرة، لشبكة “فوكس نيوز” في شهر تموز الماضي، موضحًا أنه: “لا ينبغي للمراقبين أن يخلطوا في فهمهم لخطاب دونالد ترامب الشعبوي، بين هذا الخطاب والانعزالية أو عدم الرغبة في استخدام القوة”، وهي دعوة واضحة للتفكيك ما بين دعوات ترامب للانعزالية وسياسات الداخل الاميركية واللجوء إلى القوة حين الحاجة.

وينص مشروع 2025 فيما يخص منطقة غرب آسيا على دور كبير لشركاء الولايات المتحدة الإقليميين “في ردع إيران”، وأخذ دول الخليج “زمام المبادرة في مجال الدفاع الساحلي والجوي والصاروخي”، وفقًا لتوصيات كريس ميلر، الذي كتب الكثير من استراتيجية الدفاع للمشروع، إضافة إلى إعادة إحياء محاولات إنشاء التحالف الرباعي، ويضم الكيان المؤقت ومصر ودول الخليج والولايات المتحدة. سياسة إدارة ترامب يرجح أن تكون متطرفة وعدائية في اجتراح الحلول للحروب في المنطقة، سواء تُركت المسألة لنتنياهو كي يتصرف ولا تنشغل إدارة ترامب بمشكلاتها، أو إن تدخلت لجهة إدارة وقف الحرب بالأساليب “الدبلوماسية القهرية”، أو حتى اضطرت لتوجيه ضربات سريعة ضد الخصوم، مع الحذر بشأن الدخول في حرب موسعة. وهذا ما عبر عنه كيفن روبرتس، رئيس فريق “مؤسسة هيرتدج” التي كانت وراء استراتيجية “مشروع 2025″، حين حذر من أن إدارة ترامب الجديدة يجب أن تكون “حريصة على عدم الانجرار إلى صراعات لا تبرر خسارة كبيرة للكنز الأميركي أو إراقة الكثير من الدماء الأميركية”.

في غزة، ترامب لن يضغط على الإسرائيليين لوقف الحرب ما لم يتم ذلك وفق الشروط الإسرائيلية. هو يدعم القرارات والإجراءات الإسرائيلية وينتقد تقييد يد الكيان، وتصريحاته تتكلم عن أهداف استراتيجية في إعادة “إسرائيل عظيمة مرة أخرى” وتقديم المزيد من الحرية لها. وقد سبق أن حرّض الحكومة الإسرائيلية في آذار 2024، باتجاه “التخلي عن ضبط النفس”، وتسريع الجهود العسكرية في “القضاء على حماس”، وانتقد إطالة أمد الحرب. ووقف إطلاق النار الذي يتحدث عنه في غزة قبل التنصيب مشروط بتحقيق النصر للكيان، “النصر السريع”، مع توفير اللازم في إمداد قوات الجيش دون أي قيد. يعطي ترامب قرار وقف الحرب لنتنياهو في خطوة تدعم إعادة تثبيت الدور الوظيفي للكيان في المنطقة أمام دول الخليج، إذ عندما يروج الرئيس إلى أن القرار إسرائيلي وبيد نتنياهو، فإنه يعزز تموضع الكيان بين دول المنطقة، ويعيد بوصلة الدول الخليجية باتجاه التطبيع مع الكيان. أما وقف إطلاق النار الذي يسعى إليه قد يشمل توقف العمليات العسكرية الكبرى، مع الحفاظ على حرية العمل في سياق الاغتيالات والاعتقالات وتنفيذ ضربات محدودة ضد مواقع أو أهداف معينة. هذه المشهدية قد تعني أن وقف إطلاق النار تشوبه عدم الجدية و/أو عدم اليقين، وأن فلسطين ينتظرها المزيد من الهمجية الإسرائيلية العدوانية على غزة والضفة، خاصة أن جمهوري الكونغرس يؤيدون بشدة هدف “القضاء على حماس”.

في لبنان، ترامب لعب على وتر وقف النار في لبنان بغية كسب تأييد أصوات اللبنانيين الأميركيين. السلام الذي يسعى إليه ترامب في المنطقة هو “السلام المزعوم” الذي يقوم على الهيمنة والسيطرة، وتقويض كل القوى الأخرى وهضمها في النظام الدولي القائم على القواعد الأميركية، فيضمن حماية الكيان المؤقت ويمنع قيام أي تهديد عليه أو تكرار الحرب مجددًا، ما يعني أن الحرب ستستمر حاليًّا وتشتد حدّتها حتى يحدث العدو اختراقًا في مجال ميزان القوة. وسبق أن تخوّف محلل الشؤون السياسية بصحيفة النيويورك تايمز، توماس فريدمان من “ألا يرغب ترامب بالتدخل في الشؤون الصهيونية، ويدع نتنياهو للبقاء في غزة ولبنان، ويتركه يضم غزة والضفة”. إدارة ترامب ستقدم “دعمًا أقوى” للكيان المؤقت، ودعمًا لاستخدام “أقصى قدر من القوة” تحت عنوان “إنهاء الحرب”. أما الهدف الحقيقي فهو الهيمنة على القرار السياسي اللبناني، واستباحة الأمن عبر حرية العمل الجوي ومنع إعادة بناء قدرات المقاومة، والدفع باتجاه مشروع اتفاقيات التطبيع.

المنطقة برمّتها خلال الفترة الانتقالية للرئاسة الأميركية على موعد مع اختبار جدي وخطير لمسار الحرب واتجاهاتها: تسوية أو انفجار أو حرب إقليمية. على مدى الشهرين المقبلين وحتى استلام إدارة ترامب السلطة، التحولات الميدانية والسياسية والتطورات الإقليمية وتأثيرها على الأمن الإسرائيلي والمصالح الأميركية هي التي ستحدد الاتجاه الذي ستتعامل معه الإدارة الجديدة، وإلا فارتفاع المخاطر على المقاومة عمومًا، وفي لبنان خصوصًا، لن تفرض الشروط الإسرائيلية أو تسمح لها بحكم أي مفاوضات محتملة. تاليًّا، قد تفرض نجاعة المقاومة وصمودها حتى تنصيب ترامب سقفًا جديدًا للمفاوضات.

الحسم الذي يسعى إليه ترامب قد يدفع باتجاه “هدنة ما” أو حلول مؤقتة مع “تجميد للوضع الحالي” بالتوازي مع عزلة سياسية واقتصادية، وتعزيز اتفاقيات التطبيع، وتوليد مجموعة من الأزمات والتوترات، لكن الأرجح أن اتجاهات الحرب ستستثمر عامل الوقت حتى يوم تنصيب الرئيس، مع الإشارة إلى أن وقف إطلاق النار لا يعني وقف الحرب. ولن تعدم إدارة ترامب مجموعة من الخيارات تتراوح خطواتها ضمن “الدبلوماسية الزائفة” و “الضغط التفاوضي”، والصفقات المؤقتة، والجامع المشترك هو ضمان حماية الكيان المؤقت وتعزيز “انتصاراتها”. يؤكد استراتيجيو “الترامبية” على “السلام من خلال القوة”، واستخدام هذه القوة في الردع، ويرون في المحور تحدّيًّا لا بد من مواجهته على الرغم من أولوية مواجهة الصين، وذلك تخوّفًا من احتواء الشرق للمنطقة. وعليه، قد يترجم الرئيس ترامب دعمه الأقوى للكيان وحمايته له مع الحاجة للحسم السريع في الصراع مع المحور في تدخل أميركي عسكري محدود اعتقادًا أنه قادر على تأمين الفعالية والنجاعة اللازمة لإنهاء الحروب وفق الرغبة “الترامبية”.

 

الخنادق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com