كيف أخطأ العدو استراتيجيًا بحق ايران؟
ايهاب شوقي
عبثا تحاول أمريكا وربيبتها “إسرائيل” تغيير المعادلات الإقليمية بردع الجمهورية الإسلامية وتحييدها بالقوة، وبمختلف أشكال الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية، على أمل الانفراد بباقي الجبهات والتفرغ لها بعد الفشل الذريع والتهديد الوجودي الذي سببته جبهتا غزة ولبنان، ولا سيما بعد انتقال لبنان إلى مرحلة من الحرب المفتوحة عنوانها إيلام العدو وكسر غطرسته وإيقاظه من أوهامه.
لقد شكّل العدوان الصهيوني الأخير حلقة في هذه السلسلة الطويلة اليائسة من ثني ايران عن خياراتها وتوجهاتها التي قامت ثورتها الإسلامية عليها بالأساس. وشكّل الموقف الايراني من هذه الضربة تأكيدًا جديدًا للثبات الإيراني؛ حيث تعهدت بعدم تمريره وعدم السماح بترك اليد الطولى للصهاينة ومن يديرهم ويدعمهم.
كما أنّ لكل عدوان أو عملية عسكرية رسالة سياسية، فقد كانت الرسالة الموجهة لإيران باختصار، أن العدو يستطيع الوصول إلى إيران عبر مختلف المسارات الجوية، فعليها أن تنزوي وتكمن وراء حدودها وتؤثر السلامة وتترك الإقليم للصهاينة يرتعون به، ليشكلّوا “إسرائيل الكبرى” الموهومة.
لكنّ إيران تفطن جيدًا إلى أن الضربة، والتي لم تستهن بها، هي ضربة جبانة وخجولة أيضًا، لا ينبغي تضخيمها. وقد جاءت بهذا الشكل بسبب القوة والاقتدار والجرأة وعدم الخشية من التهديدات والتهويلات وعدم الرضا بالمذلة، وهو ما انعكس على موقفها الحاسم بأنها لن تمرر العدوان، ولن تتنازل عن مواقفها الداعمة للمقاومة.
نستطيع القول إن إيران، ومنذ تصديها للضربة الصهيونية عبر يقظتها وعبر دفاعاتها، ومنذ الساعات الأولى بعد الضربة، قامت بالاستعداد للرد بمختلف المسارات، الدبلوماسية والقانونية والعسكرية. فقد رممّت دفاعاتها سريعًا، واتخذت المواقف القانونية اللازمة لتثبيت حقها بالرد ومواجهة الكذبة الكبرى بأن العدوان الصهيوني كان ردًا على هجوم إيران القوي، والذي كان بالأساس ردًا مشروعًا على عدوان في عقر دارها. كما أوصلت رسائل الصمود والثبات اللازمة، في مستوياتها السياسية والعسكرية المختلفة، وحثت دول الجوار على اتخاذ المسلك نفسه تجنبًا لاستهدافات جديدة في المسار ذاته.
في هذا الصدد؛ من المهم إلقاء الضوء على بعض النقاط الخاصة بالسيناريوهات المتوقعة والإجراءات المتخذة:
1- لا يجب استبعاد تكرار الهجوم الصهيوني الغادر، وخاصة وأن هناك تسريبات رشحت حول نية الصهاينة للقيام بهجوم جديد، وهو ما كشفته “القناة 13” الإسرائيلية، نقلاً عن مصادر مسؤولة في الحكومة الاحتلال، من أن “إسرائيل” تخطط لتوجيه ضربة ثانية لإيران ردًا على استهداف منزل نتنياهو في قيساريا قبل أيام. وممّا لا شك فيه أن العدو لو لمس أي مؤشرات للضعف أو التردد؛ لن يتردد عن العدوان.
2- نجحت التهديدات الايرانية الجادة والصادقة في قطع الطريق على استخدام أجواء الخليج في الهجوم على إيران بعد الجولات الدبلوماسية والرسائل لهذه الدول؛ بأن إيران سترد على مصادر العدوان والجهات التي تنطلق منها، وهو ما أجبر العدو على اتخاذ مسار بديل عبر العراق لإحراج ايران على خلفية علاقاتها الوثيقة مع العراق. وهذا ما جرت مواجهته بتقديم العراق شكوى رسمية للأمم المتحدة لتحويل التهديد إلى فرصة لإلقاء الضوء على عدوان أميركا والصهاينة على العراق، فضلًا عن عن إلقاء الضوء على الوجود غير الشرعي لأميركا على أراضي العراق، على أساس أن الاختراق حدث بسبب الاحتلال الأمريكي وتسهيلاته للطائرات الصهيونية استغلالاً لنطاق هيمنته هناك.
3- حرصت إيران على تثبيت حقها وتوعدها بالرد عبر مستوياتها المختلفة، إبرازًا وتأكيدًا، لوحدة إيران وقطع الطريق على الرهانات والدعايات الكاذبة بوجود خلافات أو تباينات بين أجنحة سلطتها في أسلوب المواجهة مع الصهاينة. فقد توعّد الإمام السيد القائد الخامنئي والرئيس الايراني وكذلك الخارجية الايرانية وقائد الحرس الثوري، في مضمون واحد في جميع التصريحات والمواقف. وهو عدم السماح للعدو بكسر التوازن والمعادلات، وعدم تمرير أي عدوان على كرامة إيران وشعبها وسيادتها من دون رد، وأن العدو يخطئ في حساباته وسيتلقى عقابًا مريرًا على أخطائه.
الخلاصة، أن الموقف الإيراني من العدوان جاء بنتائج عكسية لما أراده الأمريكي والصهيوني، فقد أعاد الكرة إلى الملعب الإيراني، وبات العدو في حالٍ من التأهب والاستنفار؛ لا يعلم كيف ومتى ستسهدفه إيران ردًا على عدوانه. كما نجحت إيران في معركتها السياسية بإفساد الدجل الصهيوني الرامي إلى الإيحاء بأن العدوان كان دفاعًا عن النفس، وامتلكت شرعية حق الرد قانونًا، وفتحت أبوابًا من المشكلات الشرعية الدولية أمام الكيان وأميركا عبر دخول العراق طرفًا رئيسًا بعد انتهاك العدو لسيادته.. كما اتخذت إيران تدابير عسكرية أوصلت رسائل جادة للعدو أنها رممت أثار الضربة، وتجهز للرد عليها، وهو ما يعمق أزمة الكيان الأمنية والعسكرية، والتي تفاقمت بسبب غرقه في وحول في لبنان وما تذيقه إياه المقاومة اللبنانية من ويلات يومية، وهو ما أعاد الكرة إلى الملعب الإيراني الأمين والحكيم، والذي قد يستغل هذا الحق في الرد للضغط على الصهاينة ورعاتهم بوقف إطلاق النار، والذهاب إلى هزيمة ناعمة قبل الدخول في الهزائم الخشنة والمدمرة.