اخبار دولية وعربيةاخبار محليةالعرض في السلايدرتقارير

قراءة نظرية وتطبيقية في “مكافحة التمرّد”.. “اليوم التالي” في لبنان

21 سبتمبر

تجمع الورقة المرفقة أدناه خلاصات العديد من المصادر الغربية حول نظرية “مكافحة التمرّد”، وتقدّمه في قسم نظري تأسيسي؛ هو بمثابة خلفية قراءة مدى انطباق مبادئها وتقنياتها على ما تتعرّض له قوى المقاومة في لبنان خلال الحرب العدوانية الإسرائيلية الجارية. ويتناول القسم الثاني من الورقة المخطط الأميركي الذي تداولته بعض السرديات الغربية والإسرائيلية، بما فيه من مضامين تتوافق مع منهجية “مكافحة التمرّد” وأهدافها وتقنياتها. سنقطف الجزء الأخير من المادة المتعلّقة بتقييم مآلات حملة مكافحة التمرد.

تقييم مآلات حملة مكافحة التمرد على مختلف المستويات

على المستوى العسكري والسياسي

يتداخل المستوى السياسي بالعسكري إلى درجة عدم القدرة على التفكيك بينهما، إذا أخذنا بعين الاعتبار تأثير النتائج العسكرية على القرارات السياسية. قد ينجح العدو باستهداف عدد من القادة السياسيين الممثلين للمقاومة، أو احتواء بعض المؤثرين في الطبقة السياسية نتيجة الضغط والإغراء والابتزاز وغيره، لكن ما يغيّر المعادلة فعلًا هي المعادلة العسكرية التي تفرض على الطبقة السياسية حيثياتها. حتى الآن، تعجز واشنطن وتل أبيب عن فرض “اليوم التالي” لعدم إمكانية القضاء تمامًا على البنية العسكرية لحماس (صواريخ وقادة).

اليوم في لبنان، العدو أمام مستنقع آخر، خاصة بعدما أظهرت العمليات الميدانية في أسبوع الغزو البري عودة قدرة المقاومة على احتواء “صدمات” المرحلة الأولى، واستعادة السيطرة والتنسيق السياسي والعسكري والإعلامي. تجمع المؤشرات الميدانية، سواء عبر عمليات التصدّي للغزو البري، أو عبر مستوى الكثافة النارية غير المسبوقة منذ طوفان الأقصى، إلى “تسرّع” أميركي في الرهان على “تطمينات” إسرائيلية، دون أن ننسى أن العقل الأميركي نفسه يستعجل “الحل” لأنه مسكون بهواجس المرحلة الانتخابية وحماية المصالح الأميركية في المنطقة.

حتى الآن، تشير يوميات الجبهة إلى صعوبة التصويب الخارجي والداخلي على “فقدان شرعية حزب الله وحقه في حمل السلاح نتيجة الفشل في مهام الحماية (القيادة والشعب) وتحقيق النصر”. هل هذا المسار يفتح الباب أمام “سيناريو قهري”، هو ضوء أخضر لنشر الفوضى في الداخل اللبناني مع عمليات اغتيال لسياسيين لبنانيين، كما حال الثمانينيات، بما يتيح المجال لتسويات دولية “قهرية” تفرض من الخارج؟ الجواب يحتمل الإيجاب. وهذا السيناريو دونه العديد من المخاطر على البلاد أولًا، وعلى النسيج الوطني فيه، والدور الأميركي أيضًا نتيجة إدخال أدوات أميركا في مغامرة غير محسوبة إلى حد ما. الناتج هو فوضى لا ضمان معها لأي جهة على قدرة الخروج أو الانسحاب من الدوامة المتولّدة عنها، ولا كبحها بسهولة دون تكاليف مرتفعة؛ سيدفع ثمنها بالعموم الشعب اللبناني، وتحترق معها أوراق الكثر من المراهنين على الحماية الأميركية سياسيًّا وحزبيًّا. قد يكون من الأهمية بمحل، قراءة التاريخ والعودة إلى مفاعيل محطات مفصلية في مسيرة حزب الله السياسية الاجتماعية، ومنها معاهدة أو اتفاق 17 أيار1983، واتفاقية 13 أيلول 1993 واتفاقية أوسلو، وأحداث 7 أيار 2008.

على المستوى الشعبي والاجتماعي

يشكل موضوع التركيز على حماية السكان واستمالتهم جوهر عملية مكافحة التمرّد. هذا المسار يدعمه الأميركي عبر التأكيدات اللفظية على “حماية المدنيين”، وقيام الإسرائيلي بما يشبه “التمثيليات” في إرسال تحذيرات للمدنيين المتواجدين في مواقع يدعي أنها “مخازن ومصانع لحزب الله”، بينما يقوم بسلسلة من الغارات على أماكن ومناطق لم يشملها التحذير. هذه السياسة العدوانية التي تستبيح المناطق المدنية، على غرار ما حصل ويحصل في غزة، تساهم في عدم توفير “الثقة” اللازمة بالسياسة الأميركية. أضف إلى ذلك أنّ العقيدة والإيديولوجيا الحاكمة في بيئة المقاومة تشكّل حائلاً أمام اختراق البيئة الحاضنة باتجاه تحويل عقولها. بالنسبة للأميركي، يعوّل على الشريحة الشيعية المناوئة لبيئة المقاومة وعلى ما يمتلك من أدوات قديمة، سبق وأن استخدمها في أكثر من استحقاق منذ العام 2019، وأثبتت عدم فعاليتها. ما يمكن أن ينجح به الأميركي هو استغلال تلك الجماعات في التضييق أكثر على بيئة المقاومة، ومحاولة خنق حركتها والإيغال في إلحاق الأذى بها، سواء عبر الداخل أو الهجمات العسكرية الإسرائيلية. وكل ذلك يساهم في تحديد إطاره ونطاقه النتائج العسكرية على الجبهة الحدودية. بيد أن الضغط على بيئة المقاومة سيدفعها إلى التمسك أكثر بممثليها الحقيقيين، ولما كان خبراء مكافحة التمرّد يحذرون من حفاظ الحركات على أوجه شرعيتها، فإن المخطط يهدف بالدرجة الأولى إلى نزع الغطاء الشرعي الشعبي عن المقاومة. ويسعى الأميركي والإسرائيلي وبمساعدة أدوات الداخل إلى ضرب قناعة البيئة الحاضنة بقدرة المقاومة على المواجهة، فضلًا عن قدرة البيئة الحاضنة على الصمود، بالتوازي مع الدفع باتجاه بدائل أقل خطورة، كالجيش والشخصيات “المعتدلة” في القاموس الأميركي. وهنا، لا بد من التأكيد على عدم وجود مشكلة بين الجيش والبيئة الحاضنة لمقاومة أو حتى المقاومة نفسها، وإنما يأتي ذلك في سياق من التصورات الأميركية التي يستخدمها العدو في كيّ الوعي لتحقيق مآربه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com