غير مصنف

مفاجآت واحتمالات

إيهاب زكي
في الوقت الذي ينتاب العالم البليد بعضَ خجل، تصرّ السعودية على بلادتها بوقاحة، فيخرج خطيب الحرم بتهديد كلّ من يقوم بتسييس الحج، من خلال إطلاق شعارات سياسية، ويقصد الدعاء لفلسطين أو الدعاء على أعدائها أثناء شعائر الحج. العالم الذي كان بليدًا على مدار 76 عامًا من الصراع، اهتزّ خجلًا وهو يسمع هدير أنهار الدم في غزّة، ويبدو أنّ ضجيج مواسم الترفيه كانت أعلى صخبًا.

وكما يُصرّ الحكم السعودي على بلادته، نُصرّ نحن بدورنا على استحضار السعودية كلما مارست بلادتها العلنية، لا لأننا ننتظر تغيّرًا في الإحساس، بل حتّى لا ننسى أنّ كتلة الحكم اللاحمة تلك، لم تكن يومًا إلّا عقبةً كبرى في وجه كلّ مشاريع التحرر من الاستعمار والعبودية، ولن تكون إلّا كذلك.

بعد 230 يومًا من العدوان المتواصل على قطاع غزّة، وبعد سيل العرم من الدماء، والصمود الذي سطّر غزّة في صدر التاريخ وأسطرها، لم تهتزّ قصبة سعودية خجلًا، لن ينبص عرق الخجل بعد ذلك مهما طال العدوان وازداد إجرامًا وبشاعة، وكما يقول أحد مواطني غزّة “إن كنت تريد أن يحج نسلك يومًا، فعليك أن تكون عاقلًا وتموت في غزّة بصمت، فلا تزعج المترفهين”.

وليس مفاجئًا ذلك الموقف السعودي، وكذلك موقف سيد المفاجآت، حين توعد نتنياهو وكيانه الزائل بغزير المفاجآت سابقًا ولاحقًا، وشتان بين الدُّنو المفرط والسمو، وهيهات قياسٍ بين ذلةٍ وعزة.

ويبدو أننا دخلنا مرحلة الذهاب نحو ما تبقى من عقلٍ للإمبراطورية الآفلة أميركا، حيث ليس من السهل أن يصدر قراران متتابعان من الجنائية الدولية ثمّ العدل الدولية، دون ضوء أميركيٍ أخضر، أولهما طلب المدّعي العام إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، وثانيهما طلب وقف الحرب في رفح وبالتالي العدوان على كلّ القطاع.

هذا أولًا، أمّا ثانيًا فهو اندفاعٌ أميركيٌ جديد حول إعادة فتح مسارات التفاوض، ويأتي ثالثًا تلك المحاولة لتبرئة نتنياهو من مسؤولية إفشال جولة المفاوضات السابقة، عبر تسريب “سي إن إن”، عمّا زعمت أنّه تلاعب المخابرات المصرية بفحوى بتود الورقة الأساسية.

ورابعًا ما تقدمت به هيئة الرهائن في الجيش من مبادرة، لما قالت أنّها لجسر الهوّة مع مطالب حماس، وقد وافق عليها غانتس وغالانت وإبزنكوت، وطالبوا نتنياهو بمناقشتها في أسرع وقت، أمّا خامسًا فهو توسيع صلاحيات وفد التفاوض، وتقديم تنازلاتٍ مبدئية في أعداد الأسرى الأحياء في المرحلة الأولى.

كل هذه المؤشرات تأتي في سياق المفاجأة التي كسرت بها المقاومة الفلسطينية وكتائب القسام على رأسها توقعات جيش العدوّ وأوهامه، حيث اعتقد أنّ قبول حماس بالصفقة ضعفًا، فقرر إسقاطها على أمل الحصول على مزيدٍ من التنازلات، وقرر دخول رفح والعودة إلى جباليا وحي الزيتون وبيت لاهيا، فكانت خسائره أكثر منها في اليوم الأول للعدوان البري.

وبعد خسائره تلك، بدا للولايات المتحدة أنّ قبول حماس بالمبادرة المصرية لم يكن من موقع الضعف، بل من موقع المقتدر، لكن الحريص في ذات الوقت على حقن دماء شعبه، فبدأت المؤشرات تتراكم على عقلانيةٍ تمارسها أميركا، للخروج بأقل الخسائر.

فالولايات المتحدة لا تريد نصرًا فلسطينيًا خالصًا، أمام هزيمةٍ إسرائيلية واضحة، وعليه يبدو سلم النزول عن الشجرة، سيكون عبر تفاوضٍ وعبر الإيحاء باحترامٍ إسرائيليٍ للقرارات الدولية.

وهذه تبدو الخطوة العقلانية الوحيدة ضمن الخيارات الأميركية، خصوصًا إذا قرأت جيدًا ما قاله السيد عن المفاجآت، وما قاله عن النصر التاريخي حال الإصرار على العدوان، والسير بالكيان نحو الكارثة، وكذلك بيان حماس عن أنّ الردّ ما ترى لا ما تسمع وشفاء الصدور، لأنّ هذه الحقائق يجب أن تكون استقرت في الإدراك الأميركي، وبالتالي المسارعة لوقف العدوان.

أمّا إن فاجأتنا الولايات المتحدة بعدم إدراكها للواقع، وبالتالي إصرارها على الحرب حتّى آخر يهودي، سنكون أمام ألمٍ عظيم، لكن سيتبعه قطعًا فرحٌ عظيم، وستبدأ الساعة الرملية لوجود الكيان برمته بالتسارع، كما للوجود الأميركي في المنطقة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com