“عاصفة الحزم” السعودية..بين الإخفاق الميداني وتزايدالضغوط الدولية .
21 سبتمبر .
تزايدت في الأسابيع الأخيرة،حملة الانتقادات الغربية للنظام السعودي.لارتكابه الجرائم البشعة بحق الشعب اليمني، نتيجة استهداف سلاحه الجوي الأسواق اليمنية المكتفطة بالسكان،والمدارس،والمستشفيات،والدوائر الرسمية واسالات الماء،وبقية المراكز والمرافق والمنشآت الحياتية في هذا البلد المنكوب،ماخلف ذلك مجازر مروعة وبشعة طالت الآلاف من بين أبناء الشعب اليمني العزل من النساء والأطفال والمسنين،بين شهيد وجريح،فضلاً عن تدمير وتخريب البنى التحتية لهذا الشعب عن بكرة أبيها !!
وقد بدأت هذه الانتقادات خجولة في الصحف الغربية،الامريكية والبريطانية والالمانية،بشكل خاص،ثم ما لبثت أن توسعت لتشمل أغلب الصحف الغربية،وحينها أصبحت ظاهرة لافتة،وحملة منظمة اتهمت فيها هذه الصحف النظام السعودي بارتكاب ما ترقي الى جرائم الحرب،وطالبت بعض الأصوات الصحفية بملاحقة المسؤولين السعوديين كمجرمي حرب وتقديمهم الى المحاكم الدولية لمجازاتهم على جرائمهم التي يقترفونها بشكل يومي ضد الشعب اليمني المحروم.
ومع اشتداد هذه الحملة في الصحف الغربية،بدأت بعض المنظمات الدولية بالتحرك لممارسة الضغوط على النظام السعودي،بارسال إشارات واضحة انه تجاوز الحدود المعقولة في هذا العدوان،بارتكاب المجازر تلو المجازر،غير ان النظام السعودي انكر كل هذه الجرائم الموثقة،مادفع بهذه المنظمات الى اصدار بيانات وتقارير تؤكد انتهاك النظام السعودي لكل القوانين والاعراف الدولية،بل ودفع ذلك البعض من المؤسسات الاوربية الى المطالبة بحظر بيع الاسلحة الى النظام السعودي..ففي هذا السياق،تبنى أعضاء البرلمان الأوربي في مطلع آذار2016 قراراً بمنع تصدير الاسلحة الى السعودية باغلبية 440 صوتاً مقابل 36،دعوا فيه وزيرة خارجية الاتحاد الاوربي فيديريكا موغيريني لتبنى مادة ترمى الى حظر على الأسلحة الأوربية الى السعودية،واعربوا عن قلقهم البالغ إزاء تدهور الوضع الانساني في اليمن.ومن الجدير الاشارة الى ان هذا القرار غير الملزم للدول الأوربية،رغم انه كذلك الّا ان النظام السعودي مارس الضغط عبر مندوبه في الاتحاد الاوربي ونجح في تأجيل صدوره لاكثر من مرة!!
وقد سبق قرار البرلمان الأوربي تقرير نشرة الائتلاف من أجل مكافحة الأسلحة في فبراير 2016،كشف فيه أدلة لايمكن دحضها تؤكد استخدام الاسلحة التي صدرتها كل من فرنسا والمانيا وايطاليا والجبل الاسود وهولندا واسبانيا والسويد وسويسرا وتركيا وبريطانيا والولايات المتحدة الى السعودية خلال2015م في استهداف المناطق السكنية والمدنية في اليمن..وفي انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان،بل وارتكاب جرائم أثناء شن هجماتها وحلفائها،البرية والجوية في اليمن.واشار التقرير الى مقتل واصابة نحو 35 ألف شخص في أقل من عام واحد من العدوان السعودي على اليمن الى جانب اكثر من 5/2 مليون نازح فقدوا منازلهم.كما جاء ذلك على لسان مديرة الائتلاف من أجل حظر الأسلحة،أنّا ماكدونالد، التي قالت ان حكومتا فرنسا وبريطانيا قادتا ركب الدول التي سعت الى اقرار معاهدة تجارة الاسلحة وهاهما تتنصلان من الالتزامات التي تعهدتا بها بشأن التقليص من حجم المعاناة البشرية من خلال قيامهما يتزويد السعودية ببعض اكثر الأسلحة فتكاً،انه لامر مغث فعلاً..واضافت أنا قائلة ” يتعين على الدول التي تزود السعودية بالاسلحة أن تتوقف عن جني الأرباح على حساب معاناة العائلات اليمنية،وعليها ان تشرع بتطبيق معايير صارمة نصت عليها معاهدة تجارة الأسلحة،في ان تتأكد الدول المصدرة للاسلحة،من عدم استخدامها ضد المدنيين وفي ارتكاب جرائم حرب من قبل مستخدميها.
على ان السعودية اتهمت البرلمان الاوربي بالتدخل في شؤونها الداخلية،وليس لم ترتدع وحسب،وانما تمادت في ارتكاب الجرائم حيث اقترفت بعد القرار الأوربي،ابشع مجزرة في سوق نهم بالقرب من صنعاء،حيث حصد القصف الجوي البريري السعودي اكثر من 30 شهيداً وعشرات الجرحى في هذا السوق الذي كان مكتظاً بالناس،وهي المجزرة التي دفعت بالامين العام للامم المتحدة بان كي مون الى المطالبة باجراء تحقيق فوري بهذه المجزرة،ووفقاً لبيان صادر عن المتحدث باسم بان كي مون في 29فبرايرعام 2016،اعرب الأمين العام للامم المتحدة عن القلق إزاء استمرار تكثيف القصف الجوي والقتال البري في اليمن على الرغم من دعواته المتكررة لوقف الاعمال القتالية.و ذكّر بان كي مون جميع أطراف الصراع بضرورة الاحترام الكامل لالتزاماتها وفق قانون حقوق الانسان والقانون الانساني الدولي،اللذين يحظران شن الهجمات ضد المدنيين العزل والاهداف المدنية بما في ذلك الاسواق المكتظة،مشدداً على ان مثل تلك الهجمات تعد انتهاكات خطيرة للقانون الانساني الدولي. وللاشارة..حتى ان ممثل الامم المتحدة في الازمة اليمنية والمعروف بانحيازه للنظام السعودي،اسماعيل ولد الشيخ أحمد،اعترف بأن النظام السعودي يرتكب المجازر بحق الشعب اليمني بقوله (( ان قوات التحالف تشن هجمات عشوائية قوية على ملايين اليمنيين))،ودلل ولد الشيخ في جلسة مشاورات مجلس الأمن الاخيرة حول اليمن،قائلاً ” ما يقلقني اليوم منذ إفادتي الاخيرة لكم في 16 فبراير/شباط الماضي،هو حماية المدنيين،وكان ذلك واضحاً في الغارة الجوية التي وقعت يوم 27/2/2016وقتلت 30 شخصاً،من بينهم 16 أطفال، وجرحت 40آخرين،عندما استهدفت ناحية نهم بصنعاء..واستطرد (( كانت تلك الغارة واحدة من أربع غارات جوية أخرى ضربت نهم منذ الشهر الماضي))
رسائل حملة الضغوط والانتقادات الاوربية على السعودية.
ماذا تعني الحملة المتزايدة للضغوط الأوربية والأممية على النظام السعودي بسبب ارتكابه الجرائم والمذابح المروعة بحق الشعب اليمني،ومايزال، في هذا العدوان المتواصل على هذا الشعب المظلوم؟هل تعني صحوة ضمير لدى الغربيين ولدت متأخرة؟أم انها باب رفع العتب والتخلص من الاحراج،بسبب تمادي آل سعود في انتهاكم للقوانين والاعراف الدولية في عدوانهم البربري على اليمن؟البعض من المحللين اليمنين،يعتبرون هذه الحملة صحوة ضمير،وهي تطور إيجابي،يؤشر الى اهتمام الغربين ولو بعد هذا السكوت الذي استمر أشهراً بعد العدوان على جرائم آل سعود،يؤشر الى اهتمام الغربيين بمحنة أبناء الشعب اليمني ومعاناتهم،وما يعترضون له من عسف وظلم وقتل بدم بارد،ومن تهديم للبيوت وتدمير للتراث والحضارة،ولكل شئ في هذا البلد..أما البعض الآخر من المحللين،فهو يعتبر هذه الانتقادات والضغوط الغربية ،مجرد محاولة للتخلص من الأحراج،ومن المسؤولية،بعد ما بلغت جرائم النظام النظام السعودي حداً لايمكن السكوت عليه..
على انه مهما،يكن نظر المحللين فيما يخص تلك التحركات الغربية والأممية ضد آل سعود وعدوانهم على اليمن،فأن لهذه التحركات رسائل مهمة من قبل الأوساط الغربية للنظام السعودي نشير الى بعض منها بمايلي :
·إنتهاء مهلة السكوت التي منحتها الاوساط الغربية للنظام السعودي،بغض النظر عن الجرائم السعودية،لأن هذه الجرائم باتت تحرج الأوساط السياسية والاعلامية في الدول الغربية بسبب تكرار مشاهد المجازر الدموية في المدن والمحافظات اليمنية،وبسبب إطالة العدوان،فالدول الاوربية كانت تعتقد ان النظام السعودي سيحسم العدوان لصالحة،في مدة قصيرة،ولذلك سكتت بل وتسترت على جرائمه ودافعت عنه أمام الرأي العام،وبررت تزويده بالاسلحة الفتاكة التي يستخدمها هذا النظام في قتل اليمنيين وفي تدمير بلدهم! لكن بعد اطلاع الرأي العام الغربي على فضائع آل سعود في اليمن،بدأت الأوساط السياسية والاعلامية الغربية باتجاه مطالبة الحكومات الغربية وقف تصديرالأسلحة لهذا النظام الاجرامي،وباتجاه السعي لوقف هذه الحرب ومعاقبة هذا النظام على جرائمه وانتهاكاته المتواصلة لحقوق الأنسان اليمني.
·الأهتمام المتزايد لوسائل الاعلام الغربية بما يجري في الساحة اليمنية،ومشاهدة ما يقترفه التحالف السعودي،سيما الحملات الجوية التي تستهدف المدنيين العزل، فهذه الصحف ووسائل الاعلام الأخرى،رغم كل التعتيم والتضليل الذي مارسته لاخفاء جرائم آل سعود في اليمن،رأت انها ان استمرت على هذه السياسة فأنها ستفقد مصداقيتها ومن ثم جمهورها،فاضطرت الى التحدث عما يجري من جرائم سعودية بحق اليمنيين،للحفاظ على ماتبقى لها من مصداقية،فهذه التغطية الاعلامية باتت تحرج المؤسسات الغربية والاممية الرسمية وحتى غير الرسمية،ما دفع هذه الأخيرة الى التحرك ورفع الاصوات ضد آل سعود وجرائمهم بحق الشعب اليمني.
·تحرك المنظمات الدولية،مثل منظمة العفو الدولية،ومنظمة هيومن رايتس ووتش،والصليب الأحمر وغيرها كثير،فهذه المنظمات جميعها أعدت تقارير موثقة بالصور والافلام والادلة الدامغة على جرائم آل سعود في اليمن..لدرجة ان هذه المنظمات نشرت وأعدت اكثر من مرة مثل هذه التقارير،الأمر الذي يعني ان استمرار سكوت الأوساط الغربية،تحملها مشاركة النظام السعودي المسؤولية في ارتكاب هذه المجازر،سيما وانها الداعم الأساسي للنظام السعودي بالاسلحة وبأدوات القتل والتدمير..
·فشل مراهنة الاوساط الغربية على حسم النظام السعودي للحرب في اليمن لصالحه،دفع هذه الأوساط الى مراجعة حساباتها واعادة النظر في سياساتها،حيث وجدت ان من المصلحة،التبرؤ مما يقوم به النظام السعودي من جرائم مروعة بحق اليمنيين،ثم المحافظة على خط العودة الى التواصل مع القوى اليمنية التي صمدت بوجه العدوان،وحظيت بالتفاف ودعم الشعب اليمني لها طيلة هذا العدوان،وحتى الآن..ويقف على رأس هذه القوى أنصارالله وحلفائهم في المؤتمر الشعبي،وبقية القوى والاحزاب اليمنية التى وقفت ومازالت بوجه العدوان.
بيد ان هذه الرسائل تؤكد عدد من الأمور ذات الأهمية البالغة والتي يمكن ان تصب في النهاية في مصلحة الشعب اليمني وصموده بوجه العدوان..منها مايلي:
·تزايد انكشاف النظام السعودي بسبب هذا التخلي المتزايد من جانب حلفاءه وداعميه الغربيين كما مر بنا،بمعنى زيادة عزلة هذا النظام بعد انكشاف الجرائم المروعة التي يقترفها بحق الشعب اليمني،والتي أضطر بعض مسؤولية ومنهم أحمد العسيري المتحدث باسم العدوان،ووزير الخارجية عادل الجبير،الى الاعتراف بوقوع أخطاء وقتل مدنيين،وهو أمر رفضته المنظمات الدولية،مؤكدة ان كل ما قام به الطيران السعودي من جرائم ومذابح مروعة ومن تخريب وتدمير للبلد،كان سياسة سعودية مخطط لها،نفذت عن سابق إصرار،وبهدف كسر صمود وارادة الشعب اليمني،ثم ان توثيق هذه الجرائم،تسبب في سقوط النظام السعودي اخلاقياً سقوطاً مدوياً،وانكشاف زيف شعاراته وسياساته التي يبرر وبرر هذا العدوان،واثارته ومايزال الفتن والمشاكل بين شرائح وطولئف الأمة الاسلامية.
·زيادة عزلة هذا النظام بعد ابتعاد الاوساط الغربية عنه بمسافة،دفعته الى الارتماء في أحضان الكيان الصهيوني،الأمر الذي اسقط كل شعاراته الاسلامية بالدفاع عن العرب ودولهم،اوبالدفاع عن ” المسلمين السنة ” وما الى ذلك،سيما بعد تكرار اللقاءات بين المسؤولين السعوديين والصهاينة،وشهادة الصهاينة بها،والاشادة بها،والاعتراف بأنهم وآل سعود يقفون في خندق واحد ضد جميع من يقف بوجه المشروع الصهيوني من قوى مقاومة فلسطينية وغيرها.
·اخفاقات النظام السعودي عسكرياً في اليمن وسوريا والعراق،عمقت الصراع الداخلي،اي داخل أوساط الأسرة السعودية الحاكمة بسبب اعتراض بعض الامراء على السياسات الحالية التي وضعت مملكة آل سعود في هذه المآزق واسقطتها اسلامياً واخلاقياً وعلى كل الأصعدة،وللاشارة كشف دبلوماسي أوروبي،ان النظام السعودي اتخذ في الأيام القليلة الماضية اجراءات أمنية مشددة،وسط تقارير اخبارية،وصلت الى العواصم الاوربية،تتحدث عن وجود تذمر متصاعد داخل الاسرة السعودية الحاكمة في الحجاز،ونقل موقع صحيفة المنار الفلسطينية الصادرة في القدس عن المصدر نفسه ان اجهزة أمنية خاصة،شكلّها وزير الدفاع محمد بن سلمان من جهاز الاستخبارات،وبأشراف مستشارين أجانب،عمدت قبل أيام الى إعتقال عدد من الأمراء في الرياض والطائف،عندما اقتحمت هذه الاجهزة وقصورهم،ومن بينهم اثنان من احفاد الملك الراحل فيصل وثلاثة من عائلة الملك المتوفي عبدالله بن عبدالعزيز،وسمعت اصوات اطلاق رصاص خلال هذه العمليات..))
بقلم / عبدالعزيز المكي