إيران ترسم خطوط التفاوض النووي: «التيار الثوري» قائداً للدبلوماسية
21 سبتمبر:
مع تعيين علي باقي كني نائباً لوزير الخارجية للشؤون السياسية، بدلاً من عبّاس عراقجي، بدأت تتّضح أكثر فأكثر ملامح المقاربة التي ستعتمدها طهران في محادثاتها مع الغرب، من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي. مقاربةٌ يذهب معظم المراقبين والمحلّلين إلى القول إنها ستتّسم بطابع أكثر تصلّباً، تأسيساً على جملة معطيات من بينها مواقف باقري نفسه، الذي يعتقد أن اتفاق 2015 أهدر حقوق الشعب الإيراني
طهران | أوّل من أمس، عيّن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، علي باقري كني، نائباً له للشؤون السياسية، ليحلّ بذلك محلّ عباس عراقجي. خطوةٌ رأى فيها العديد من المراقبين مؤشّراً إلى توجّه إيران نحو اعتماد مقاربة أكثر تصلّباً تجاه الغرب، خصوصاً أن باقري معروف بمواقفه الناقدة للولايات المتحدة وللاتفاق النووي.
من هو علي باقري؟
علي باقري كني (53 عاماً)، هو نجل آية الله محمد باقر باقري كني، الذي يعدّ من علماء الدين المعروفين، والعضو السابق في مجلس خبراء القيادة، كما أنه شقيق صهر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي. تخرّج علي باقري من جامعة «الإمام الصادق» في فرع «المعارف الإسلامية والاقتصاد»، وهو في الوقت ذاته ابن أخ الراحل محمد رضا مهدوي كني مؤسّس هذه الجامعة، والرئيس السابق لمجلس خبراء القيادة. وقد تأسّست «جامعة الإمام الصادق» في السنوات الأولى لانتصار الثورة الإسلامية، بهدف تنشئة كوادر وإعداد مدراء ثوريين، فيما تولّى الكثير من خرّيجيها مناصب رفيعة المستوى في الجمهورية الإسلامية. بعد فوز إبراهيم رئيسي بالرئاسة في إيران، كان باقري ـــ قبل أن تباشر الحكومة مهام عملها رسمياً ـــ يشارك في اجتماعات وزارة الخارجية، بحضور الوزير السابق، محمد جواد ظريف. ولذلك، ساد اعتقاد، على نطاق واسع، بأنه سيُعيَّن وزيراً للخارجية، إلّا أن الحقيبة ذهبت، في النهاية، إلى أمير عبد اللهيان. وقبل نحو عامين، وإبّان رئاسة إبراهيم رئيسي للسلطة القضائية، تولّى باقري كني منصب مساعد هذه السلطة للشؤون السياسية، ورئيس لجنة حقوق الإنسان فيها. كما عمل، خلال عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد، في دائرة الشؤون الأوروبية والأميركية في وزارة الخارجية. لكن صيته ذاع آنذاك كمساعد لسعيد جليلي، حين كان الأخير أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي، وقاد المحادثات النووية التي جرت بين عامَي 2007 و2013. وفي هذا الإطار، يُعدّ باقري من السياسيين المحافظين المحسوبين على جليلي، لا سيما أنه قاد حملة الأخير الانتخابية في رئاسيات عام 2013، التي فاز فيها حسن روحاني. وفي المناخ السياسي الإيراني عموماً، يُعرف باقري بقربه من المجموعة المعروفة بـ«جبهة الصمود»، المحسوبة على التيار الأصولي، وذات المواقف الثورية ضدّ الغرب.
يُعرف باقري بقربه من «جبهة الصمود» المحسوبة على التيار الأصولي
مواقفه من الغرب
أخيراً، تولّى علي باقري كني منصب نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، في الوقت الذي تفيد فيه مواقفه السابقة بأنه يعارض الاتفاق النووي بشكل حادّ، كما يناهض أميركا وأيّ محادثات معها. وكان قد استخدم في خطاباته، مراراً وتكراراً، مصطلحَي «التيار غير الثوري» و«المنبهرين بالغرب»، في وصفه للفريق المفاوِض في إدارة روحاني، واعتبر أن حصيلة الاتفاق النووي هي «لا شيء تقريباً». وفي أحد خطاباته التي ألقاها عام 2019، قال باقري إن «أحد أخطاء التيار غير الثوري في المحادثات، تَمثّل في أنه كان يظنّ أن بوسعه الإبقاء على أميركا في المحادثات، من خلال القوانين الدولية، في حين أنه يمكن من خلال أدوات ومكوّنات القوة، إرغام واشنطن على الانحناء احتراماً وتكريماً، لا من خلال القوانين الدولية». كما اعتبر أن «هدف أميركا من المحادثات، ليس الموضوع النووي، بل الإطاحة بالنظام». وفي نيسان 2018، أي قبل أيام من الانسحاب الأميركي من «خطة العمل المشتركة الشاملة»، رأى باقري كني أن «أشباه المثقّفين والمنبهرين بالغرب في الداخل، هم الذين دعموا إهدار أكثر من 100 حقّ نووي للشعب الإيراني في إطار الاتفاق النووي، كما دعموا إيقاف الكثير من النشاطات النووية وإزالة العديد من التجهيزات، وحتى إنهم احتفلوا بصبّ الخرسانة في قلب مفاعل آراك للمياه الثقيلة، وقدّم البعض جوائز لمن صبّوا هذه الخرسانة». كذلك، قال باقري، في معرض وصفه الاتفاق النووي، وهو يتحدّث إلى حشد من أساتذة الجامعات في آب 2019: «لقد خسرنا في الاتفاق النووي 100 حقّ، 20 منها بصورة دائمة، و18 من دون تحديد الزمان، والبقية على مدى 25 عاماً». وإذ أشار إلى أن «الاتفاق النووي لم يحظَ بتأييد أيٍّ من مؤسّسات البلاد»، فقد أوضح أن «مجلس الشورى الإسلامي والمجلس الأعلى للأمن القومي وضعا شروطاً مختلفة، بينما حدّد المرشد الأعلى، خلال المحادثات، شروطاً ووضع 13 خطّاً أحمر للفريق النووي المفاوض، بيد أن هذه الشروط لم تؤخذ بعين الاعتبار».
مواقف باقري المعارضة للاتفاق النووي، والمفاوضات التي سبقته، تمتدّ على فترات عديدة، منها ما قاله في كلمة ألقاها في نيسان 2018، حيث أبدى معارضته لأيّ محادثات بشأن القضايا الصاروخية، محذراً من أن «الدخول في مجال تقديم المزيد من التنازلات بعد الاتفاق النووي، يأخذ البلاد إلى الوضع الذي كان سائداً في العراق (إبان نظام حكم صدام حسين) حيث النفظ مقابل الغذاء». ولا ينفكّ باقري يذكّر بمزايا «الفكر الثوري» الإيراني، والذي يعتبر، كما جاء في كلمته في إحدى المناسبات، أن إنجازات الجمهورية الإسلامية إنما هي ثمرة له. ويرى في المقابل أن «التوسّل إلى الأجانب لمعالجة المشاكل، يشكّل أساس الاتفاق النووي». وعلى رغم أنه من غير الواضح بعد، ما إذا كانت مسؤولية المحادثات النووية في إدارة رئيسي ستبقى في عهدة وزارة الخارجية، أم ستنتقل إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، إلّا أن وجود باقري في وزارة الخارجية يحمل رسائل إلى الغرب مفادها أن إيران ستكون أكثر تشدّداً في سياق المفاوضات، وستؤيّد نسخة الاتفاق التي توفّر مصالحها، وتزيل ثغرات الاتفاق الأوّلي ونواقصه.
الأخبار